نفحات روحية

نفحات روحية

لم يستطع الفلاسفة ولا من تاثر بفكرهم ان يتوصلوا الى الطريق التى تقود الى معرفة الله تعالى , لقد كان طريقهم هو العقل بكل ما يملكه من قدرات على التمييز والفهم , ولا يمكنهم ان يصلوا الى نتيجة , اما من تاثر بمنهجهم من الفلاسفة المسلمين من امثال ابن سينا والفارابى ومن بعدهم ابن رشد فقد حاولوا التوصل الى فكرة الايمان بالله عن طريق الاستدلال العقلى , هذا المنطلق الاستدلالى ليس هو الطريق ولهذا اختلفوا فيما بينهم , وما توصلوا اليه ليس هو حقيقة المعرفة الايمانية , اذا لم تهتد الى الطريق الصحيح فلا تتوقع ان تصل الى ماتريد , المعرفة الايمانية المتكلفة ليست معرفة , ومالا يقودك الى اليقين فلا يقين فيه , هي محاولات للبحث عن النور فى ارض لانور فيها , واكثر من هؤلاء جهلا هم المتوهمون الذين تمكن منهم جهلهم فظنوا انهم بما يتوهمون انهم قد وصلوا الى الايمان وهم به جاهلون , الجاهل يكبر وهمه وتتمكن منه وساوسه , وهؤلاء كثر فى مجتمع يشتد جهله , ولا بد من العلم الذي يجعل صاحبه على بينة من امره فى ثوابت الايمان واصول الدين , ولا ثقة بجاهل ولو ادعى المعرفة , لا شيء من المعرفة الروحية خارج اسوار الدين  ولا العقل , ما ترفضه الفطرة الانسانية فلا يمكن الثقة به,  ولو ادعى صاحبه الصدق والصلاح , المعرفة الذوقية ليست شططا فى الفهم وليست انحرافا عن الفطرة , وليست مما ترفضها العقول , المعرفة الذوقية هي تاكيد لما كان وتوثيق له بما يجعل القيم الايمانية اكثر رسوخا فى النفس , المعرفة الذوقية او الالهامية او العرفانية ليست خارج المعايير العقلية والعلمية , هي اضافة فهم ارقى دلالة واكثر رحمة واقوى تعبيرا عن معنى العبدية لله تعالى والامتثال لامره وان يكون ذلك القلب الانسانى متعلقا بالله تعالى من غير حجب مانعة له  او تعلقات تحجب القلب عن الله , وفى ظل هذا يكون اليقين ويتبعه السكون القلبى , تلك مرتبة لا يصل اليها من ادعاها من غير اهلها الصادقين  , وهناك فريقان يختلف كل منهما عن الاخر , ولا يتهم احدهما بادعاء الكذب فيما ادعاه , اتحدث عن الصادقين ولا اتكلم عن غيرهم وهم الاكثر , وكلما اشتد الظلام كثر الادعياء لما هم عنه مبعدون ولماهم به جاهلون  , الفريق الاول هم الاكثر صدقا,  وهؤلاء هم اهل العناية لصفاء قلوبهم , وهؤلاء يملكون مالا يملكه غيرهم من ادراك عظمة الله , وهؤلاء هم اهل الجود الالهي , وهؤلاء يعرفهم الله بذاته ثم يعرفون به اثاره فى خلقه , ومن الصعب على اصحاب العقول ان يعرفوا ذلك او يسلموا به , وهذه امور يحسن عدم الخوض فيها لانها من الامور التى لا تدركها العقول , واهل هذه المرتبة لا تعنيهم اهتمامات الاخرين  بهم , وهؤلاء رجال صالحون ومحبون ومقربون الى الله , و ليسوا من اهل الدنيا ولا يعنيهم ما يعنى كل الاخرين , هؤلاء هم الذين انصرفوا لشؤون الاخرة , ولاتعنيهم شؤون الدنيا ولا يصلحون لها , هؤلاء كمالهم فى ذاتهم , وهذه المرتبة تعبر عن كمال الخلق فيما يختارون , اما شؤون التدبير وقضايا المجتمع والحقوق فهي لمن يحسنها من الخلق  وفقا للحكمة وسداد الرأي , من علامة صدق هؤلاء انهم اهل تميز فيما يعملون واهل استقامة وصلاح ولا يعنى انهم اهل رأي ومشورة لان امر ذلك يرتبط بالحكمة الواقعية والسداد ,..

اما الفريق الثانى فهم اهل مجاهدات ورياضات نفسية للتغلب بها على الصفات المذمومة الناتجة عن سلطان الغرائز والطبائع , ومنهج المجاهدات طريق صعب ويحتاج لاهل ارادة وعزيمة , قلة من هؤلاء يصلون الى مقامات من الرقي النفسي والروحي تجعلهم اكثر تعلقا بالكمال فى افعالهم واوصافهم , وكثرة تتغلب عليهم او هامهم ويظنون انهم اصحاب معرفة وفهم , ومن الصعب الامساك بهؤلاء من الانزلاق في الوساوس التى تشعرهم انهم على الحق , ما اكثر الذين ضلوا واضلوا لانهم لم يلتزموا بالثوابت الايمانية وهي اعمدة الاستقامة ,

لا احد ينكر اهمية المجاهدات النفسية لكبح جماح النفوس المتطاولة , ومشكلة المجاهدات انها تشعر صاحبها بالتميز عن كل الاخرين , وهذه هي مقاتل الطامحين عندما تتحكم فيهم اهواؤهم الدفيئة ويظهر عليهم ما كان خافيا من الاوصاف والطيائع , الصحة النفسية تكون بالتزام الاعتدال فى كل شيء , ومن تجاوز الاعتدال فهم فى خطر الانزلاق فى مستنقعات الوهم والتطرف والتميز , وقلما ينجو المتوهمين من خطر الانزلاقات فى افكارهم وفيما يفعلون , ما اقسى  الشعور بالاحباط على الذين يحفرون ابارا  فى الارض الصحراوية وقلما يحصلون على شيء مما يبحثون عنه , المعرفة الذوقية اذا لم يصحبها ما يدل عليها من صدق الايمان ووضوح اليقين فلا يمكن الثقة بتلك المعرفة , وهي معرفة افتراضية مدعاة الا اذا ازهرت واثمرت وقلما تكون ..

( الزيارات : 712 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *