ذاكرة الايام..نموزج انسانى يستحق التأمل.
بعض ما نسمعه من الحكايات وبعض ما نراه منها سرعان ما يغيب خلف الافق وكانه ماكان , وهناك ما يظل حيا فى الذاكرة نتأمله فى كل مناسبة ونحاول ان نفهمه , قد نفهمه وقد يظل عصيا على الفهم , ذلك هو سر الحياة واختلاف طبيعة الانسان , ليس هناك قانون واحد يمكنه ان يحكم الانسان بالرغم من جهودعلماء النفس فى كشف خفايا الانسان ..
بعض ما نسمعه لا يمكننا فهمه , من حقنا ان نصدقه او لا نصدقه , ولكن هذا هو الواقع كما يراه من عاشه ورواه عن نفسه ..
عرفت ذلك الصديق منذ القديم , كان كبقية من عرفتهم قريبا منى , كنت اجد فيه الاستقامة والخلق واتوسم فيه الصدق والطموح وحسن الفهم , لم اقترب منه كثيرا , استمرت صلتى به كما هي , كان جادا وقليل الكلام , ويتكلم برصانة وعقلانية , اثار اهتمامى اكثر من الاخرين وحاولت ان اقترب منه اكثر , لعله نوع من الفضول , كنت ادرك ان لديه ما يخفيه , اقتربت منه اكثر , توطدت علاقتى به , كان يملك الكثير من المزايا الشخصية المحببة , لم يكن كغيره ابدا , لم يكن حديثه كالاخرين , كانت له نظرات شاردة وفاحصة ومتاملة , اشتد بي الفضول , اردت ان اعرفه اكثر , ذات يوم سافرنا معا فى رحلة ثقافية , كنا نقضى وقتا اطول فى الحديث , اصبح اكثر انفتاحا مما كان عليه ..
اكتشفت فيه جانبا ايمانيا عميقا لم اتوقعه منه , كانت له اهتمامات راقية وجوانب روحية عميقة تجعله اكثر تما سكا داخليا وسكونا قلبيا , ازداد اعجابى به واحببت من كل قلبى , كان يعجبنى هذا الصنف من الاصدقاء , كانت له ثوابت ايمانية قوية الجذور فى اعماقه , كان كالجبال قوة وصمودا , لم اره ضعيفا ابدا , كانت علاقته بالله اقوى مما توقعت منه , كان يعتقد ان الله تعالى هو الذى يتولاه فى امره , لم يكن ايمانه تقليديا ولا سطحيا , كان عقلانى التفكير , كانت له تجربة روحية عميقة , كان له مفهوم اكثر عمقا لمعنى العبادة والذكر والعلاقة مع الله تعالى , كان بعيدا عن المفاهيم الساذجة والمبالغات المتكلفة , قال لى كلمات مازالت عالقة بذاكرتى , وما زلت اتامل فيها , لو سمعتها من غيره لانكرتها عليه واعتبرتها متكلفة , كان صادق اللهجة واثقا مما يقول , كان يؤمن بالاسباب كاملة ويأخذ بها من غير تقصير او تسويف ولكنه فى الوقت ذاته كان يؤمن بان الله تعالى هو المدبر لشؤون خلقه بحكمة بالغة , اثار صدقه اعجابي , سألته يوما كيف توصل الى ما وصل اليه , اجابنى من غير تردد بأنه على يقين من ان الله تعالى يسخر لعباده ما قدرهم عليه , واعطانى امثلة كثيرة من حياته وانه كان يرى رعاية الله له فى كل خطوة من خطواته , واستشهد لى باحداث واقعية من حياته , وانه على رأس كل منعطف كان يرى من ينتظره فيه ويمسك بيده , اغلقت امامه ابواب كان يريدها ان تفتح وفتحت ابواب كان يريدها ان تغلق , ووجد نفسه على غير ارادة منه يسير فيما هو مقدر عليه , , وقد منحه هذا الايمان قوة وثباتا وقوة , سألته عما اذا اعتراه شعور بالضعف والخوف , قال لى : لم اشعر بهذا ابدا , سألته عما اذا كان قد قام بمجاهدات روحية ورياضات نفسية , قال لى لم افعل هذا ابدا ولا اومن به , هناك تاملات خاصة لاترقى الى درجة المجاهدات , وهي منهج تربوى فى غاية الاعتدال والالتزام ,
ظلت صورة ذلك الصديق فى ذاكرتى وما زالت , مازلت اتامل فيما سمعته منه , كان صورة مشرقة لنموذج تربوى متميز بمنهج عقلي اكثر فهما ويقينا , ازداد اعجابي به بعد ان عرفته , شعرت اننى قريب منه وهو قريب منى..
كنت سعيدا بلقاء ذلك الرجل الذى مازلت اذكره , عشرات السنين ومازالت صورته فى ذهنى , غاب ذلك الرجل وظلت ملامحه كما هي , عندما ودعته شعرت كاننى اودع عالما آخر كنت اعيش فيه ..ما اجمل ان نكتشف الجديد من اسرار الحياة ورقي الانسان ..
اترك تعليقاً