هل نحتاج الى التربية الروحية اليوم..

 

ذاكرة الايام..هل نحتاج الى التربية الروحية اليوم..

هناك الكثير مما يمككننا استحضاره فى الذاكرة التاريخية , هناك مفاهيم وقيم وثوابت واخلاقيات , كان المصدر الاهم لها هو التربية الدينية ذات البعد الروحي  فى الطفولة ثم تنمو وتكبر الى ان تترسخ فتصبح جزءا من شخصية الانسان , تربينا على قيم اسلامية , وكانت التربية الدينية هي التى تمكن تلك القيم من الرسوخ فى النفس , فى الطفولة نشأنا فى بيئة صوفية ذات سلوكيات اخلاقية راقية والتزامات سلوكية هي اقرب الى الكمال , عندما كنا نخطئ نعتبر ذلك جريمة , ونخجل مما نفعل , كنا نعتبر ان الادب فضيلة وان الكذب والغدر والاساءة للآخرين وظلم المستضعفين من المحرمات الدينية التى لا تليق بالانسان المسلم , كنا نعتبر الادب فضيلة وقلة الادب وقاحة , كنا نحب ان نخاطب كل الاخرين باللفظة التى تليق  بنا وتعبر عن اخلاقيتنا ولو كنا فى خصومة وعداوة , مازالت الذاكرة مليئة بكثير من المواقف والذكريات , كان الحياء فضيلة والادب مع الآخرين مزية ,  هكذا كان الدين فى الذاكرة , كانت صورة المسلم مقترنة بالادب والحياء واحترام كل الاخرين , لم نكن نتصور ان المسلم يمكنه ان يسرق او يقتل او يعتدى او يظلم , عندما كان يوصف التاجر او العامل او الموظف فى ادارة او الخاطب فى زواج انه متدين فيعنى انه اقرب الى الاستقامة فلا يفعل مالايليق من تلك الافعال التى لا تليق بمن كان متدينا , كان التصوف منهجا تربويا راقيا ينمى القيم الروحية التى تجعل الانسان اكثر استقامة وابتعادا عن السلوكيات التى يحرمها الدين , هناك اخطاء قد يرتكبها بعض من ينتسبون الى الدين وهناك سفهاء وهناك ظالمون وطغاة وفاسدون ولكن ليس هذا هو الغالب وليس هذا قاعدة مطردة  , فى كل مجتمع هناك صالحون وفاسدون وهناك اهل استقامة ومنحرفون , هذا امر طبيعى , مهمة التربية الروحية انها تمسك بيد المنحرف وتقوده برفق الى التوبة الطوعية التى لا اكراه فيها , مهمة المسجد فى مجتمعنا هو تنمية القيم الايمانية فى النفس وتشجيع الانسان الذى  تغلبت عليه اهواؤه وشهواته ان يمسك بزمام نفسه وان يقاوم غرائزه وان يتغلب عليها بمجاهدات النفس والاستعانة بالله تعالى لكي يساعده على ان يرجع الى الطريق المستقيم , التربية الروحية هي الركن الاهم الذى  ينمى ارادة الخير فى النفس , رأيت علماء كبارا كانوا مراجع كبرى فى الرسوخ العلمى ولكنهم كان ينقصهم ذلك الجانب الروحي الذى يجعلهم اكثر استقامة وادبا واخلاقية فى التعامل مع كل الاخرين , لا قيمة للعلم اذا تجرد صاحبه من الادب والاخلاق , العلم بغير تربية يجعل صاحبه اكثر غرورا بعلمه,  وقد يقوده الى السفه والحقد على المنافسين والاساءة لهم , لا ادعى ان تصوف اليوم هو التصوف الحق الذى يقود الى الصفاء الروحي , لقد تكلمت عن التصوف المزيف كثيرا وانتقدت بقوة ادعياء التصوف وجهلته من اهل الانزلاقات والشطحات واعلم الكثير عنه,  ولكن هذا لا يبرر لنا ان نتهم التربية الصوفية التى اسهمت فى تعميق القيم الروحية , الصوفية ليست طائفة ولا مذهبا وليست حزبا وانما هي منهج تربوى روحي ينادى به رجال صالحون امنوا به وشجعوا عليه والباب مفتوح لكل الاخرين فيه ,  غايته تعميق المعانى الاخلاقية والدعوة الى اصلاح النفوس وطهارة القلوب , نحن اليوم احوج مانكون الى تلك التربية الروحية من كل العصور السابقة , لكي يكون المسلم المعاصر اكثر اخلاقية ومحبة ورحمة واحتراما لكل الاخرين من الخلق من غير تعصب ولا انانية ولا قسوة ولا تجاهل لخصوصية كل الاخرين , العنف والتطرف والحقد والكراهية ليست من الدين ابدا,  وانما هي ثمرة الجهل بالدين والابتعاد عن منهجيته الروحية , لا يمكن لمسلم ان يقتل الابرياء ولا ان يعتدى على المساجد ولا ان يخيف الآخرين , ليس هذا هو الدين , ومن تربى فى ظل التربية الدينية الاصيلة لا يمكنه ان يفعل ذلك , من حق كل الشعوب ان تدافع عن حريتها وحقوقها المشروعة,  ولكن العدوان على الابرياء لا يمكن ان يكون مبررا ,  كل ما يسيء الى صورة الدين من افعال العنف ليست من الدين ولا يمكن للدين ان يقرها مهما كانت اسبابها , كنت اقارن بين صورة الاسلام كما هو فى الذاكرة وكما يمكننا ان نفهمه من نصوص  القرآن والسنة وبين ما نراه اليوم من خلال صورة الاسلام فى الاعلام المعاصر الذى يقدم للعالم كله صورة الاسلام مما يجرى فى مجتمعات المسلمين , ما يجرى اليوم هو الحرب على الاسلام كفكر وكواقع لتشويه صورته وتحصين مجتمعات الغرب ضد الاسلام , سيظل الاسلام هو الاقوى والاكثر صمودا فى وجه الاساءات اليه..

( الزيارات : 1٬224 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *