وصية السيد النبهان

وصية السيد النبهان
فى الليلة التى توفى فيها السيد النبهان طيب الله ثراه طلب منى ان اجلس الى جانبه كعادتى فى مساء كل ليلة ..ادركت ان شيئا مهما يريد ان يقوله لى ..قال لى بلهجة حانية مؤثرة ..
قال لي:
يا ولدي: ازرع الخير في كل مكان، لأجلك لا لأجل الآخر، لكي يكون الخير صفة من صفاتك، فلا يليق بالإنسان أن يفعل الشر، ولو مع من أساء إليه، ولا تمنعك إساءته لك من مواصلة الإحسان إليه، والله قد تولى أمر المحسنين، وواجه حقد الحاقدين بإحسانك إليهم وتجاهل ما يصدر عنهم.
يا ولدي: إذا أحب الله عبداً ابتلاه لا لكي يؤلمه ويحزنه ولكن لكي يوقظه من غفلته ويسمع صوت عبده وأنينه مشفوعاً بالذل والانكسار إليه جل جلاله، فيقرّبه منه ويحققه بمرتبة العبديّة لله تعالى، فمن استعز بالله ألبسه الله ثوب هيبته.
يا ولدي، ليس الزهد ألا تملك المال، وأن تعيش في فقر مذل، وإنما الزهد أن تتحرر من قبضة المال والسلطة والجاه فلا تكون عبداً لهم، بل تخرجهم من قلبك، لكي يكون الله في سرك، ولا يكون له شريك في تفكيرك.
يا ولدي: ليست التوبة أن تترك المعاصي خوفاً من النار وإنما التوبة أن تترك المعاصي والآثام لأنك تستحي أن يراك الله تعالى في مواطن المعصية، وهو الذي أنعم عليك بكل النعم الظاهرة والباطنة.
يا ولدي: مما يعينك على تحمل الابتلاءات والمحن أن تشعر بالأنس بالله وأن يشعرك هذا الأنس بالطمأنينة والسكون، وينبثق النور في أعماقك فيشغلك عن همومك وأحزانك.
يا ولدي: خذ بكل الأسباب المادية لتحقيق نجاحك الذي تتطلع إليه، ولكن سلِّم أمر تدبيرك لمن هو أعلم منك بشؤون مملكته وأحوال خلقه وما يصّلحهم، وهذا هو الأدب مع الله، فلا يكون في هذا الكون إلا ما يريده الله.
كان جدي الشيخ المجدد العارف يوصيني في كل أمسية بكلمة طيبة، بحاله حيناً وبمقاله حيناً آخر، كلمات قصيرة، إشارات وإيماءات ومواقف، ولم يكن من عادته أن يأمر وينهي، وإنما يوضح ويبين ويعلم.
كنت أدرك أنه في كل كلمة يغرس في كياني غرسه، وفي كل إشارة يضيء في قلبي شعلة، كان الغرس يدفن في نفسي، لا لكي يموت، ولكن ينبت في فصل الربيع بعدما يُسقى بماء الأمطار والآبار، وتشعر الأرض بدفء الشمس ونور القمر.
وذات يوم كانت الأمسية دافئة الكلمات واللمحات والعواطف، حدثته بما يسعده، فابتسم أجمل ابتساماته، كان فرحاً مسروراً لم أشهده من قبل بمثل ما شهدته في تلك الأمسية، تذكرت طفولتي عندما أردفني خلقه على الفرس في قرية الجابرية، وعندما حملني في حمَّامات الحمَّه المعدنية بين يديه يعلمني السباحة وعدت ذلك الطفل الصغير المدلل الذي لم يغادر طفولته الأولى.
فقرة من كتابى الشيخ محمد النبهان

( الزيارات : 1٬677 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *