وفاة الملك الحسن الثانى

وفاة الملك الحسن الثانى رحمه الله…

عندما حضرت حفل عيد العرش في مدينة مراكش يوم الثالث من مارس رأيت الملك وهو يحيي المدعوين من بعيد، ولم يصافح أحداً على خلاف عادته، وكانت ملامحه تدل على تعب وإرهاق، وقد انتشرت أنباء قبل ذلك أن الملك يعاني من المرض، واستعاد الملك صحته بعد ذلك وأخذ يشارك في المناسبات الرسمية، وأقام حفل استقبال بمناسبة عيد ميلاده بمدينة الرباط، وكانت صحته جيدة، وسافر إلى فرنسا وحضر حفلاً رسمياً استعرض فيه كتيبة من القوات المغربية شاركت في الاحتفالات الفرنسية، وعاد الملك إلى الرباط وبعد أيام قليلة فوجئ المغرب بإعلان وفاة الملك، وكان الخبر مفاجئاً، وخرجت إلى شوارع الرباط، كانت الشوارع صامتة والحركة بطيئة ..

لقد حزنت حزناً شديداً على وفاة الملك، وكان رجلاً يستحق مني كل المحبة والوفاء، فلقد أكرمني في بلده وقدمني إلى شعبه ووثق بي وأسند لى مهمة تكوين جيل من علماء المغرب، وكان في جميع مواقفه معي خلال ربع قرن في غاية النبل والوفاء , وكان يعاملني باحترام ويخصني برعاية وتكريم، ومن واجبي أن أكون وفياً له ، وأن أذكره بما يستحقه، وليست من مهمتي أن أدافع عن مواقفه وسياسته العامة,  فذلك أمر يخص الشعب المغربي، ولا أود أن أتدخل في خصوصيات الشعب المغربي فهم أصحاب الحق في كل ما يتعلق ببلدهم، وكنت أحرص خلال إقامتي في المغرب على عدم التدخل في القضايا السياسية، والمشكلات الداخلية والصراعات الحزبية، ومن حق الشعب المغربي أن يناقش قضاياه بحرية، ومن الطبيعي أن يكون هناك من ينتقد أسلوب الحسن الثاني أو من يدافع عنه، ولكن ما أذكره هنا هو التعبير عن الوفاء لرجل أحبه وأقدره ، وكتبت كلمة تأبينية بعنوان ” في رحاب الله يا ملك القلوب ” نشرت في اليوم الثاني لوفاته في جريدة العلم المغربية عبرت في هذه المقالة عن مشاعري تجاه الحسن الثاني، وقد حزن الشعب المغربي على الحسن الثاني، فقد خدم بلده وشعبه وحقق الاستقرار الاجتماعي، وأعطى للمغرب مكانة متميزة، وكان غيوراً على القضايا العربية والإسلامية ..

لما عدت إلى بيتي بعدما تم دفن جثمان الملك في ضريح والده في الرباط أدركت أن مهمتي في المغرب قد انتهت , وبدأت أعد نفسي لذلك، فقد كانت هناك مرحلة جديدة، وهناك عهد جديد واختيارات جديدة ، ومن حق الملك محمد السادس أن يرسم ملامح عهده بما يعبر عن فكره وسياسته، وبدأت رموز العهد الجديد تأخذ مواقعها وتحدد اختياراتها، وبدأت أهيئ نفسى  للمرحلة المقبلة، وأرسخ ما كنت قد حققته من قبل من إصلاحات إدارية وعلمية ، ولما كتبت مقدمة العدد السادس عشر من مجلة دار الحديث الحسنية دعوت أبناء الدار من الخريجيين إلى حماية هذه المؤسسة وإلى مواصلة أداء رسالتها العلمية، وتمنيت أن تظل شعلة هذه الدار مضيئة على الدوام ,وأن تحافظ اسرة الدار   على كل المكتسبات التي حققتها هذه المؤسسة، وهذه وصيتي أجددها لكل أبناء هذه الدار، وأهمّ ما أرجوه أن تظل هذه الدار موطن ثقة الشعب المغربي باختياراتها الإسلامية وجهودها العلمية وعلمائها المتخرجين منها…

( الزيارات : 1٬821 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *