قضايا معاصرة : تأملات وآراء

– قضايا معاصرة : تأملات وآراء

قضايا معاصرة .. مجموعة بحوث ومقالات في القضايا المعاصرة التي تواجه أمتنا ..نشرت هذه المقالات في جريدة الشرق الاوسط التي تصدر في لندن وجريدة الرأي العام في الكويت في منتصف الثمانينات وجمعت في كتاب طبع في الرباط

قضايا معاصرة .. مجموعة بحوث ومقالات في القضايا المعاصرة التي تواجه أمتنا ..نشرت هذه المقالات في جريدة الشرق الاوسط التي تصدر في لندن وجريدة الرأي العام في الكويت في منتصف الثمانينات وجمعت في كتاب طبع في الرباط

 ويشتمل هذا الكتاب على ست وعشرين مقالة نشرت في جريدة الشرق الأوسط التي تصدر في لندن وجريدة الرأي العام التي تصدر في الكويت في عامي 1985- 1986، طبع في المغرب عام 1993.

ذكرت في مقدمة هذا الكتاب أن ما أقدمه هو مجموعة من الآراء والأفكار والتصورات كتبتها في مناسبات مختلفة وفي أوقات متباعدة وهي تعبر عن تصورات شخصية، ويبرز فيها الانفعال أحيانا لأنها كانت تمثل موقفا في قضايا معاصرة يعيشها الإنسان ويتفاعل معها ولا يملك في ظل الحدث أن يكتم عواطفه أو أن يخفي انفعالات نفسه، والكتابة تعبير عن انفعال يحدث مفاجئ أو حالة عامة يعيشها الإنسان… وكلما اشتد التحدي انعكس ذلك على فكر الكاتب..

كل مقالة كتبتها كانت تعبر عن حالة اجتماعية أو ظاهرة عامة أو حدث كبير، وكنت اعبر عن رأيي فيه، ناقدا أو محللا أو ناصحا…

أول مقالة كانت بعنوان: الصحوة الإسلامية: أسبابها ومظاهرها، ولم تكن الصحوة في تلك الفترة مقترنة بالتطرف أو العنف، وأكدت أن من أهم أسبابها التحدي الاستعماري والتحدي الصهيوني وفشل الصيغة الغربية للتفكير، وحذرت من خطورة الانفصال بين القواعد الجماهيرية والقيادة الفكرية التي كانت تمثل مجتمع النخبة، وأدى ذلك إلى عدم التفاعل بين ركني المعادلة الاجتماعية.. ودعوت إلى ضرورة ترشيد هذه الصحوة، عن طريق إتاحة الفرصة للمواطن للتعبير عن فكره، وحذرت من خطورة عزلة هذه الطبقة الاجتماعية، فالعزلة تولد التطرف والعنف ودعوت إلى الحوار والاعتراف بحق الآخر للتعبير عن مشاعره ومواقفه.

وبعد عشرين عاما من هذا النداء أفرزت الصحوة نتائجها السلبية، واستفحل التطرف وبدأ العنف، ومازال الاحتقان الذي وقع تجاهله في البداية يزداد خطورة، وتوقف الحوار بعد أن رفضت السلطات إصلاح الأوضاع، ومازلنا ندفع ثمن هذه المواجهات القاسية..

ودعوت في المقالة الثانية إلى التعريب وتعريب القرار العربي لكي يعبر عن ضمير المواطن، لكي يحميه ذلك المواطن، والتعريب قضية حضارية وهو أداة تنمية الذات الثقافية والحضارية من خلال ذلك التفاعل بين الإنسان والفكر والمجتمع ، والثقافة الحقيقية هي الثقافة التي تنطلق من خلال تجربة المجتمع وتعبر عن مشاكله وقيمه وقضاياه.

ودعوت في المقالة الثالثة بعنوان الانفعال والتطرف إلى ضرورة تحرير الفرد من الخوف، الخوف من المستقبل، والخوف من البطالة، والخوف من السلطة، وأكدت أن وسائل معالجة هذه الظاهرة، أولا عدم تحدي المشاعر الدينية والوطنية، وثانيا توفير الحرية الفكرية، وثالثا تعميق الوعي الثقافي لدى الشباب،

وفي مقالة بعنوان إستراتيجية الخلاف دعوت إلى أن يكون الخلاف بين الدول العربية أداة  لحركية العمل يؤدي دوره في دفع العربة نحو أهدافها عن طريق توزيع الأدوار بذكاء ودقة يؤدي كل فرد دوره المنوط به بتلقائية وعفوية، وان تعتمد إستراتجية الخلاف كإستراتجية سياسية لمنع التشابك بين الدول الشقيقة، ومن ابرز ملامح هذه الإستراتجية ألا نسمح للخلاف أن يتجاوز حدود الاحترام المتبادل، وان يكون الاختلاف مقبولا فيما لا يمس المقدسات الوطنية والدينية…

وأكدت في مقالة عن حتمية التغيير انه لابد من التغيير وليس الخلاف في أهمية التغيير وضرورته وإنما الخلاف في حجمه وفي نطاقه، فالتغيير مطلب، والتغيير لا يعني الهدم، والتغيير الذي نرفضه هو ذلك التغيير الذي يلغي الأصالة والانتماء، والذي يتجاهل الثوابت والمقدسات، أما التغيير الذي يحرر الإنسان العربي من التخلف والجهل ويدفع به إلى عصر جديد فهو التغيير الذي نؤمن به ونطالب بتحقيقه.. والتغيير المطلوب هو التغيير من الداخل، هو تغيير الواقع وتصحيحه لكي يتحرر الإنسان من التخلف والاستلاب..

ما كنت أريد أن أسجله في هذه المقالات هو رسالة مقروءة لذلك المواطن العادي الذي يقرأ الصحف ولا يعينه ما نقوله في منابرنا الجامعية ولا في كتبنا الأكاديمية، ذلك المواطن من حقه أن يسمع صوت الفكر وأن يرى العلماء والجامعيين والمثقفين يقفون معه في الساحات العامة، يشجعونه بالكلمة، ويؤازرونه في صموده، ويشعرونه انه ليس وحيدا في المعركة الوطنية، ما أقسى ما يشعر به المواطن وهو يرى رموز العلم والمعرفة غائبين منعزلين في غرفهم الداخلية يبحثون فيما يمكن الاستغناء عنه أو تأجيل النظر فيه من قضايا العلم والمعرفة، وعندما تكون الحصون مطوقة بعدو يريد اقتحام أبوابها فمن العبث أن يهتم الجند بتزيين صدورهم بالنياشين، وان يتبارى قادة الجند بالمساجلات الشعرية..

لقد عاش شعبنا قرونا من التخلف الثقافي والأخلاقي والسياسي، وأصبح الإنسان في مجتمعنا المعاصر السلعة الرخيصة المستهلكة المستذلة المرمية على  أطراف الدروب العتيقة، واستطالت أيدي الحكام حتى وصلت إلى الأعناق، واشتدت قبضة الظلم على المحكومين المستضعفين، وكان لابد من صحوة غاضبة لإيقاف ذلك السيف الظالم المتمثل في تلك السلطة الاستبدادية…

هنا تبرز مسؤولية المثقف صاحب الرسالة وهو ينضم إلى قافلة  الحرية وهي تردد لحن الإنسانية في كفاحها للدفاع عن قيم الحرية والخير والفضيلة، ولا خير في علم لا يدفع صاحبه إلى التطلع إلى الحرية، ولا خير في عالم لا يتعاطف مع مسيرة شعبه في دفاعه عن كرامته..

عندما بدأت اكتب بعض هذه المقالات الصحفية شعرت شعورا غريبا لم اشعر بمثله عندما كنت اكتب في موضوعات علمية متخصصة، شعرت وكأنني أعيش  مع مجتمعي في قضاياه وهمومه اليومية، في طموحاته القومية، في معركته مع الآخرين الذين يريدون تجاهل حقوقه الإنسانية، كنت اشعر أحيانا بمسؤولية المثقف الأخلاقية في دفاعه عن قضايا الإنسان، وكنت اعتبر ذلك أكثر أهمية من التفرغ للقضايا العلمية النظرية..

لا خلاف في أهمية العلم وضرورة التفرغ له، ولكن كنت أريد العلم لأجل الإنسان وللنهوض بالمجتمع، ولا أريد العلم لمجرد العلم، العلم لأجل أن نرتقي بالإنسان…

كل شيء لأجل الإنسان، الفكر أداة للنهضة، والمعرفة كذلك، والإنسان ليس بحاجة للعلم الذي لا يفيده، ما قيمة العلم الذي لا ينفع، وما قيمة الطعام الذي لا يغذي، وما قيمة المال الذي لا يسعد صاحبه، وكل شيء يبحث عنه لأجل ما يحققه من خير للإنسان..

عندما كنت أرى جنديا يقف على الثغور في الليالي الباردة ويمسك بيده بندقية كان ينتابني شعور عجيب من الإعجاب بذلك الجندي الذي يضحي بدمه وحياته، ذلك موقف يستحق الإشادة والثناء، وهذه هي الوطنية الحقة، وهذا هو التعبير الصادق عن التعلق بالوطن…وعندما كنت أرى مزارعا يحرث الأرض بجهده ويسهر على سقاية زرعه ورعاية أرضه اشعر بعظمة ما يقدم هؤلاء لوطنهم ومجتمعهم.. هذا هو العطاء المفيد والصادق، ولا قيمة لأي جهد لا يفيد المجتمع.. والمثقف الذي لا يدافع عن حرية الإنسان وقيم الإنسانية لا أهمية لثقافته..

معظم من يتجهون إلى البحث العلمي يبتعدون كليا  عن قضايا الناس، ويخجلهم أن يكتبوا مقالة في جريدة حول موضوع عام، ويفترضون انه لا يجوز لهم أن يخرجوا من ذلك البرج العالي المعزول عن المجتمع والمحصن من جميع جدرانه، لا يَسْمَعون وهم بداخله ما يجري  في المجتمع، ولا يَسْمِع بهم احد ولا يُسْمَعون، وتلك ظاهرة سلبية، فالتفرغ للعلم لا يعني عزلة العالم، ومعالجة القضايا العامة في الصحافة أو في أي وسيلة إعلامية لا تعني الانزلاق إلى اهتمامات سطحية، وهي في حقيقة الأمر ليست قضايا سطحية، قد تكون المعالجة سطحية، ولكن الموضوعات الجادة التي تهم المواطن في حياته هي أولى بالاعتبار..

هذا ما كنت أحيانا أفكر فيه، في حواري الداخلي مع ذاتي، ولا بد من المشاركة في قضايا الناس، وهنا يبرز دور المثقف، وهذه هي رسالتي الاجتماعية، فالثقافة هي أداة للمعرفة، والمعرفة لأجل المجتمع وفي خدمة أمنه واستقراره..

عندما نشرت هذه المقالات الصحفية حظيت باهتمام اكبر مما حظيت به بحوثي العلمية، وأخذت أتأمل سبب ذلك، لأن البحث رسالة موجهة إلى طبقة النخبة، ولا يقرأه إلا أهل الاختصاص، أما المقالة الصحفية فتقرأ في الصباح مع وجبة الإفطار، وهي رسالة إلى كل مواطن، وتخاطبه بما يفكر فيه وباللغة التي يفهمها..

وتمنيت من كل قلبي أن يخصص كل باحث متخصص جزءا من وقته لمخاطبة الرأي العام في قضية تشغله، لكي نرتقي بمستوى الخطاب الصحفي والإعلامي إلى مستوى الفكر، قد لا يقدم الباحثون وجبة شهية بسبب صعوبة أسلوبهم وعدم واقعية ما يكتبون، إلا أن مجرد الإسهام في توجيه الرأي العام هو تعبير عن الانتماء لتلك الشريحة الاجتماعية الأكثر عددا..

( الزيارات : 910 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *