شخصيات علمية مضيئة

ذاكرة الايام..شخصيات علمية مضيئة
عندما زرت المغرب لأول مرة عام 1973 للمشاركة في الدروس الحسنية التي يرأسها الملك مساء كل يوم من ايام رمضان لم أكن اعرف احدا من علماء المغرب ، كنت التقيت قبل عام من ذلك التاريخ بعلامة المغرب الكبير الذي كان وزيرا للأوقاف والثقافة السيد محمد المكي الناصري ، عندما زرت المغرب لم أكن اعرف احدا ، في اول يوم من ايام الدروس التقيت بالزعيم الوطني الكبير علال الفاسي رحمه الله ، الذى دعاني الى بيته لتناول الفطور ، وكان احد ابرز الرموز العلمية والوطنية وكان شامخ الشخصية فصيحا عالما متميزا رصينا وحكيما ، والتقيت في ذلك اليوم بعلامة المغرب ورئيس رابطة علماء المغرب الاستاذ عبد الله كنون الذى افتتح الدروس الحسنية ، ثم ألقى الدرس الثاني الاستاذ علال الفاسي الذى توفي في نفس العام ، كانت ظاهرة الدروس الحسنية جديدة بالنسبة لي ومهيبة لدلالتها الحضارية والتاريخية ، واحيت في نفسي ذكريات الماضي ومظاهر الاعتزاز بالثقافة الاسلامية ، ولا يمكن لهذه الدروس ان تكون في غير المغرب هيبة ومكانة وجلالا ، رأيت كبار علماء العالم الاسلامي يجتمعون وينصتون ، وكل الدولة بكل رموزها تحضر تلك الدروس باحترام ، كان المجلس مهيبا ، ويتصدر الملك هذه الدروس ويتتبع ما يقال فيها بدقة وفهم واهتمام ، وكل المغرب كان يتابع تلك الدروس ، وممن كان يحضر الدروس في ذلك العام شيخ الأزهر الدكتور عبد الحليم محمود والشيخ محمد الغزالي ومفتي مصر حسنين مخلوف والأستاذ محمد المبارك من سوريا والدكتور صبحي الصالح من لبنان وعلماء افريقيا المسلمة ، وكل علماء المغرب يشاركون في الدروس ويحضر كل رجال الدولة ، في ذلك اليوم عرفت علامة المغرب الاستاذ عبد الله كنون ، كان شامخا وفيه هيبة العلماء في مجالس العلم ، كان له كتاب متميز هو النبوغ المغربي وكتب اخرى ، 
، زرت طنجة وزارني الاستاذ كنون في الفندق ورحب بي ، ثم تعددت اللقاءات ، وتحدثنا طويلا ، وعندما جئت الى المغرب بعد اربع سنوات كان الصديق الأقرب الي ، وكان يدعوني الى مؤتمرات العلماء ، ويخصني بالتكريم في هذه اللقاءات العلمية ، مازلت اذكر مواقفه وكلماته التوجيهية للعلماء ، ثم التقينا في رحاب الاكاديمية الملكية المغربية ، وكان حسن الفهم لما يجب ان يكون حكيم المواقف والاختيارات ، وكان يضيق بالانفعالات والشعارات ويمسك بيده مقود العلماء فلا يسمح بالانزلاقات ، وكان الكل يثق بحكمته وانه الاقدر على قيادة رابطة العلماء لكي تحظى باحترام مجتمعها ، وعندما كانت الرابطة تجتمع في مدينة كانت الدولة كلها تنصت لما يقوله العلماء ، وكان الاستاذ احمد بنسودة مدير الديوان الملكي يحضر اجتماعات العلماء تشجيعا لها ، وعندما انتقل الى رحاب الله في مدينة طنجة أقيم حفل كبير لتأبينه وحضره كبار الوزراء وكبار رجال الدولة ، وألقيت كلمة في ذلك الحفل تحدثت عن ذكرياتي مع الفقيد ، وتم اختيار رئيس جديد لرابطة العلماء هو العلامة الكبير الاستاذ محمد الملكي الناصرى الصديق القديم الذى هو اول من دعاني للمغرب ، وقد نظمت جمعية علماء دار الحديث الحسنية حفل تكريم له وكان الاستاذ الناصرى كسابقه علما وفضلا وحكمة وتميزا ، مازالت تلك الذكريات حية فى ذاكرتي ، ومازلنا نفخر بتلك الرموز العلمية الكبيرة التى كانت تحظي بثقة مجتمعها وتعمل باخلاص لخدمته ، وتعتقد ان ذلك هو طريقها الى خدمة دينها ووطنها ، رحم الله ذلك الجيل الذى أدى الأمانة بصدق واخلاص ، وكان وفيا لرسالة العلم ومهمة العلماء ..

( الزيارات : 702 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *