مباحث في التشريع الجنائي الإسلامي

مباحث في التشريع الجنائي الإسلامي

كتبت هذا الكتاب في السنة الأخيرة التي قضيتها في الكويت، ولما دفعته للطباعة كنت أعد نفسي للسفر إلى المغرب، وكانت فترة إقامتي في الكويت مليئة بالحركة والنشاط والتأليف، وصدرت لي خمسة كتب، بالإضافة إلى بعض البحوث التي لم تنشر، ولما عكفت على إعداد هذا الكتاب كنت أدرس هذه المادة في الجامعة.

كنت اعتقد أن الفقه الإسلامي لا يمكن أن تستوعب مقاصده إلا بدراسة جوانبه المختلفة، والتشريع الجنائي يعتمد على أسس أخلاقية تتمثل في مفهوم العدالة وضرورة احترام حقوق الإنسان في الحياة والكرامة والتملك، والجريمة هي اعتداء على الإنسان ولذلك يعاقب من يعتدي على الآخر أو يسيء له…

وكلما تقدمت القيم الإنسانية نمت مفاهيم حقوق الإنسان واتسعت آفاقها واشتدت عقوبتها، فالعقوبة هي معيار تقدم الحضارة، فما يعتبر جريمة في مجتمع قد لا يعتبر جريمة في مجتمع آخر، مع أن الفعل واحد، إلا أن المعيار الحضاري يكون أكثر دقة في حماية الإنسان، وبخاصة فيما يتعلق بالسلوكيات، وإذا كان القانون أو الشريعة تحاسب على الفعل المادي إذا توفرت فيه نية الاعتداء ولا تحاسب على النوايا الكامنة في النفس فان التربية الإسلامية تدفع الإنسان لمحاسبة نفسه عن خواطره الخفية، لأن الخاطرة السيئة هي الخطوة الأولى في تكوين إرادة المجرم، ولهذا فلا بد من التحكم في تلك الخاطرة الإجرامية…

والتشريع الجنائي يضع أمامنا معايير إنسانية لاحترام الآخر، في حياته وماله وحريته، والعقوبة ليست عملا انتقاميا وإنما هي فعل إرادي محكوم بضوابط لتحقيق العدالة، فلا عقوبة مع انتفاء الفعل الإجرامي، وما هو مشروع لا تجوز العقوبة عليه، فحرية الرأي مشروعة ولا يمكن معاقبة من استعمل حقه المشروع…

والفكر الاجتهادي في مجال الأحكام المرتبطة بالجريمة والعقوبة واضح ومتميز، وتحكمه قواعد منطقية وقيم أخلاقية، وبخاصة وأنه يطرح مفاهيم اجتماعية، وبخاصة في مجال حديثه عن مفهوم العدالة في الشهود والقرائن والإقرار وقواعد الإثبات والشبهات التي تدفع الحدود، ومجال الرأي واسع ولا حدود له، ودراسة هذه القضايا مهم ومفيد.

ولا بد من وجود دراسات حول مفهوم الجريمة، متى يكون الفعل جريمة، وما معيار التفريق بين ما هو حق وما هو جريمة… وما الجهة التي تملك حق تصنيف السلوك الإنساني…

منذ سنوات وما زال المجتمع الدولي عاجزا عن وضع تعريف دقيق للإرهاب، متى يكون الفعل ممنوعا، ليس كل عنف محرما في نظر الدين والقانون، وبعض العنف محمود ومطلوب كما هو الشأن في الدفاع الشرعي عن النفس والوطن، والحرب متى تكون مشروعة أو غير مشروعة، ما هي السلطة التي تملك حق التصنيف، وفي جميع الأحوال لا يملك القوي أن يبرر عدوانه بادعاء شرعية متوهمة تحميها القوة…

حق الشعوب ثابت ولا يقبل التشكيك فيه في الدفاع المشروع عن الأرض والحريات العامة ومقاومة سلطة المغتصبين والمستبدين، سواء على مستوى الأفراد أو المجتمعات أو الدول، فلا شرعية لمغتصب في استعمال القوة، وكل تجاوز لحق أو مصادرة لحرية يجيز لمن وقع الاعتداء عليه أن يقاوم بكل الوسائل، ولا حدود لحق المعتدى عليه في مقاومة العدوان، دفعا للظلم وحماية لقيم الحرية والكرامة…

( الزيارات : 3٬032 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *