نفحات روحية

نفحات روحية

ليس هناك أشق على النفس من ان تفقد ثقتها بمن كانت تثق فيه من الاقرباء والاصدقاء والأعوان  المقربين ، حالة من الاحباط الداخلي تفقد النفس ابتسامتها المعتادة ، ويشعر الانسان برغبة قوية في التأمل والانعزال عن كل الا حرين ، هذه الحالة ليست سلبية وليست مفاجئة لمن كانت لهم معرفة وتجربة في الحياة ، اذا عرفنا طبيعة النفوس التي تتحكم فيها الاهواء ندرك ان كل شيء ممكن ، كل النفوس تتغالب وتتنافس على الدنيا ، لا احد يبلغ الكمال اذا كانت المصالح قائمة والنفوس لم تبلغ كمالها الاخلاقي ولو بالحد الذى يجعلها تخجل مما يُخجل من افعال النقصان ، قلة نادرة قد تصمد في وجه الاهواء والمصالح ، هذه الحالة ولو كانت مؤلمة ولكنها نافعة لانها توقظ صاحبها في الوقت المناسب ويكون اكثر فهمًا للحياة واصدق في علاقته مع الله ، وهذه مرتبة عالية في التربية الروحية لانها تشعرك بان الله تعالى أرادك الا تعتمد الا عليه والا تضع آمالك على احد من الخلق مهما كبرت مكانتهم في قلبك ، كل فرد يحتاج الى لحظات صفاء داخلي وتأمل روحي يجعله اقرب الى الله ..

………………………………………………….

 

نفحات روحية

كل مرتبة تربوية لاتصاحبها حالة روحية صادقة وليست متكلفة  فهي حالة متوهمة ناتجة عن شهوة خفية يريد بها صاحبها الظهور , ومن اثارتلك الغفلة ان يتوهم اهلها انهم علي شيء وهم في ذلك يفرحون وعن ربهم مبعدون ..

………………………………………………………

نفحات روحية..

من تكريم الله تعالى للانسان ان ميزه وشرفه بقدرته على التمييز والمعرفة , والمعرفة اشمل من العلم واوسع دلالة , والناس ليسوا سواء في مدى قدرتهم على المعرفة , وسبيل المعرفة متعدد ومختلف ,

الطريق الاول : المعرفة عن طريق الوحي والنبوة , وهذه خاصة بالانبياء, ولا يمكن لاحد ان يدعيها لنفسه , وما ثبت عن طريق الوحي هو اليقين الذى لا مجال لتجاوزه ومهمة الانسان هو حسن الفهم لما خوطب به , وهذه مسؤولية كبيرة تتطلب التقوى وحسن الفهم وعدم الاستسلام للاهواء الشخصية , ولا ينسب اليها ماليس منها من المفاهيم, والتفسير متعدد ومتجدد ولانهاية له , وكل باحث عن الحق فله حق الفهم لانه مخاطب بالنص , وهذا هو الادب مع الله تعالى ..

الطريق الثانى: المعرفة الالهاميةالتى اختص الله بها الصالحين المخلصين من عباده  , وطريق هذه المعرفة هو القلب النظيف الذي اتجه الى الله تعالى بصدق , ويفيض الله على الصالحين من انواع المعارف والافهام ما يتجاوز حدود العلم مما ليس في الكتب , وهذه المعرفة ليست يقينية , وهناك من يتوهمها وقد يدعيها من ليس اهلا لها , وهناك من توهمها وانحرف بسبب سيطره اهوائه عليه , واهل هذه المعرفة هم قلة من الصادقين , ومن ابرز دلالاتها انها يختص بها اهل التقوى والاستقامة ولا تكون لغيرهم ابدا , ادعياء هذه المرتبة كثر , وهناك من يتوهمها او يدعيها , والمعيار الاصح لها انها تعرف باستقامة اصحابها من المعرضين عن الدنيا والمقبلين على الله بصدق, اهل هذه المعرفة اكثر ادبا وخلقا ورحمة ومحبة من كل الاخرين , والقلب هو مراة هذه المعرفة وتنطبع فيه صورة الحق كما ارادها الله , هؤلاء ليسوا اهل دنيا ولا تعصب ولا يعرفون الاحقاد ولا الاطماع , وهم اهل تقوى ودين , ادعياء هذه المرتبة كثر فى كل عصر , وهم يسيئون ويشوهون هذه المرتبة بجهلهم , ويتقربون الى الخلق بادعائهم الاحوال الروحية المتكلفة ,

الطريق الثالث: طريق المعرفة الاستدلالية , واداتها العقل واستعمال الحجج والاعتماد على القرائن , والعقول ليست واحدة وما تتوصل اليه ليس واحدا ولا ثابتا ولا مؤكدا , ويلتمس العذر لهؤلاء فيما توصلوا اليه لانهم باحثون عن الحق , وكل باحث عن الحق فله حظ من الحق ولوقليلا, والمعرفة الاستدلالية ارسخ واقوى من المعرفة الاهامية لوجود الحجة والقرينة , ولا ينتقد الانسان فيما توصل اليه , يناقش من اهل الاختصاص وليس من العامة , وجهلة العلم يقاومون اهل الاستدلال ويتهمونهم بالمروق وقلة الدين والتقى والورع , ولا عبرة برأي علماء العامة الذين يسيئون للعلم واهله , لا احد ابعد عن الحق من الجاهلين به , الذين يضيقون الخناق على اهل الراي والاستدلال , قد يخطئ هؤلاء ولكنهم معذورون لانهم اهل حجة ومنطق , وخطأ هؤلاء اقل خطرا من ادعاء المعرفة الالهامية من الجهلة وادعياء الاحوال الروحية , ولا عذر لهولاء الا اذا كانوا من اهل العلم , اما الجهلة فلا يوثق بما يدعون , وعوام الناس اهل تقليد لاهل العلم فان قلدوا الجهلة فلا عذر لهم فيما يفعلون..

……………………………………………………..

نفحات روحية

العلم الذى اهتمت الشريعة به واولته كل الاهتمام هو العلم الذى يتعلق بافعال الجوارح وسلوكيات الانسان , من عبادات ومعاملات , وما تجاوز ذلك هو منهج تربوي يراد به الارتقاء بالانسان المكلف لكي تصدر عنه افعاله بطريقة اسمى وارقى , ففى مجال العبادات يكون اكثر صدقا واخلاصا فى ادائها , ولاشيء يجعل الجوارح خارج المسؤولية , فما هو مكلف به الانسان ان يؤدى ما يجب عليه بكل اركانه وادابه, وما هو مدرك ومشاهد يمكن الحكم عليه , وما هو فى القلب من الخواطر والبواعث لا يمكن التحكم فيه الا بارادة صاحبه , والانسان مسؤول عما يصدر عنه ولا سلطان لاحد عليه فيما يختاره لنفسه من انواع السلوك , ومن الجهل ان يدعي البعض انهم اوصياء على الخلق فيما يختارون لانفسهم من انواع السلوك , وكل فرد مكلف ومسؤول عما يصدر عنه , اما المعاملات التى يحتاج اليها الانسان فالعلم فيها ان تعرف قواعدها واحكامها وتؤديها من غير اخلال بقواعد العدالة او استغلال لضعف الاخرين , وقد وضع الدين ثوابت المعاملات وترك للانسان ان يختار ما يصلح له فى عصره وفي مجتمعه , ولا يتجاوز ثوابت الدين فى اخلاقية تلك المعاملات , , والمتغيرات كثيرة وهي كل ما يحتاج اليه الانسان لكمال الحياة واستمرارها , وكل مجتمع يضع نظامه الاجتماعي بما يراه افضل له واكمل , والانظمة تتجدد لانها من وضع الانسان , ولكن لا يمكن تجاوز الثوابت التى اقرها الدين واهمها كرامة الانسان وحقوقه الانسانية ولاتفاضل عند الله الا بالعمل الصالح , والمصالح معتبرة ولا يمكن تجاهلها , وكل ما يؤدى الى ظلم الانسان وبخاصة المستضعفين فهو مما يحرمه الدين , واقرب الناس الى الله هم الصالحون ولا مكان لاعداء الانسان عند الله مهما فعلوا , فى مجال الحكم فلا سلطان لاحد على غيره فى امره الا بتفويض ارادي منه لا اكراه فيه ولا تخويف ولا اذعان لهيبة , وفي مجال المال فلا احد يملك مالا يملكه غيره الا بجهده وقيمة عمل من غير تجاوز لذلك , وبما يساوى قيمة عمله , وكل مال نما عن طريق الفساد والاحتكار واستغلال المستضعفين فلا شرعية له ولا يورث , لانه غير مملوك لصاحبه الذ ى يدعيه ويسترد المال المغتصب ممن اغتصبه ممن يملطون القوة وما جاء عن طريق التغلب فلا شرعية له من سلطة اومال ويطبق عليه ما يطبق على كل الحقوق المغتصبة , من غير تردد فى ذلك , ولا احد يحرم من الرزق الذى اراده الله لكل خلقه من الموارد الطبيعية وما فى البحار والفضاء واعماق الارض ,وهذ هو الرزق الذى لا يحرم منه من يحتاجه والمستضعفون امانة فى اعناق مجتمعهم لا يحرمون من رزق ولا كرامة ولا اي حق من حقوقهم الانسانية , ومن اعتدى على الابرياء من خلق الله من اية فئة او دين او مذهب فقد حارب الله فى الاساءة لخلقه ولو كانوا فاسدين او منحرفين وحسابهم على الله وليس للانسان سلطان وصاية او اذلال للاخرين ومن اعتدى او تجاوز او اخاف الابرياء فقد سعى فى الارض فسادا , ولا احد اقرب الى الله ممن امن وعمل صالحا , وهؤلاء لهم اجرهم عند ربهم .. ..

…………………………………………..

نفحات روحية..

لو تأملنا فى الانسان لوجدنا فيه شيئا ظاهرا ومدركا بالحواس وهو البدن , وهناك شيء أخر لا يدرك بالحواس ولا صلة له بالابدان, ولا تستقيم الحياة الا به , وهو القوة النفسية والغريزية , وما هو خارج عن سيطرة الابدان والحواس الظاهرة , ولا يمكن لاحد ان ينكر ذلك , وعندما نتحدث عن طهارة الابدان فاننا نريد بذلك طهارتها من النجاسات الظاهرة , اما النفوس فلها طهارة اخرى , ويراد بها طهارتها من كل مالايليقبالانسان الذى اكرمه الله بخلافته فى الارض لكي يعمرها بما يريده الله منه عدالة وامنا وسلاما , ولقد اهتم الفقهاء بالطهارات الظاهرة وتكلموا كثيرا عن الطهارات كالوضوء والغسل والتيمم , وبينوا احكام ذلك بتفصيل , ولم تتحدث كتب الفقه عن طهارة النفوس , وهي الاهم بالنسبة للانسان لكي يكون ارقى واسمى خلقا وسلوكا , لقد عكفنا فى مؤسساتنا العلمية على تدريس الاحكام وتجاهلنا ما هو اهم وهو التربية والتكوين الاخلاقى والروحي , واعتبرنا ذلك من الاهتمامات السطحية وتجاوزتها المعاهد العلمية , وبسبب ذلك اعددنا جيلا من العلماء يفتقدون المصداقية والتأثيرفى مجتمعهم وكانوا ابعد ما يكونون عن الاستقامة والصدق , وكان الجهل اولا والتطرف ثانيا وكانت الاساءات لصورة الاسلام كفكر وثقافة , ولكي تسوس الناس وتؤثر فيهم يجب ان تسوس نفيسك اولا وتكون قدوة لغيرك , فلا تأمر بشيء وانت لاتفعلهولاتنهى عن فعل وانت تقوم به ,

وطهارة النفوي هي الطريق الى مكارم الاخلاق فلامصداقية لعالم او ناصح او قائد او مربى او معلم اذا لم يكن ممسكا بزمام نفسه فلايفعل ما يخجل منه من افعال النقصان , الدين يدعوك الى الكمال وماليس من الكمال فليس من الدين , كل افعال الظلم والعدوان ليست من الدين , والعدوان على الاخرين فى اي حق من حقوقهم الانسانية واموالهم وحرياتهم هو ظلم ولا يمكن ان يقره الدين , النفوس ليست هي الاجسام , وعندما لا نهتم بتربية النفوس فاننا نترك القوى البدنية بغير قيود ولا ضوابط وهي كالانعامالتى لا تفقه ولا تتوقف عما تريد فعله , مهمة التربية الروحية ان تجعل الانسان اكثر رقيا فى سلوكه واكثر رحمة بالمستضعفين واكثر تواضعا ولو ملك القوة واقل قسوة لا ينتقم اذا غضب ولا يكذب اذا تكلم ولا يكون عاقا ولا شريرا , الاسلام ليس مجرد كلمة تقال وانما هو ايمان والتزام وخضوع لله ولا حدود للعمل الصالح , الاحسان لكل الاخرين من علامة الايمان الصادق , الايمان يمنحك الطمانينة والسكون القلبى, دعونا نتوقف عن رواية الشطحات والانزلاقات التى ارتبطت بالتربية الروحية من سلوكيات لا اصل لها فى الدين ولا تقرها العقول وتأباها الفطرة , التربية الروحية هي الركن الاهم فى كيان الشخصية الاسلامية , الاحكام وحدها لا تكفى لانهالاتخاطب الوجدان والضمير , القلوب الطاهرة تحتاج الى تغذية دائمة وتحتاج الى عاملين مجاهدات صادقة لكف النفوس عن شهواتها واهوائها ومصادقة الصادقين الذين يوقظون القلوب بالكلمة الطيبة التى يحبها الله , عندما يشتد الجهل بحقيقة الدين وننصرف الى الخلافات التى تعبر عن رغبة النفوس فى استمالة العوام بمزيد من ثقافة الشطحات والحكايات والتعصب الجاهل الذى يبعد صاحبه عن ادب الاسلام واخلاقياته , ما احوجنا الى فهم اصيل لحقيقة الدين ورسالته , دعونا نهتم بتربية الانسان اولا لكي يحمل رسالة العلم ويكون قدوة يقتدى بها ومبشرا بمجتمع يتميز باستقامته واخلاقياته وانسانيته..

………………………………………………

نفحات روحية

ما اضيف الى الدين مما ليس منه من العادات والاعراف فلاينسب الى الدين وهو مما اعتاده الناس , فما كان حسنا فيؤخذ به , وماكان سيئا فيجب الاقلاع عنه , والطريق الى ذلك هو اعادة تكوين المجتمع لكي يحسن اختيار ما يعتاده..

…………………………………………….

نفحات روحية..الحق والفضيلة .. اية علاقة…

سؤال كان يتردد فىذهنى منذ المرحلة الاولى من حياتى العلمية وهو ماذا يريد الانسان , وما زال هذا السؤال يتردد ولا اجد جوابا شافيا , حاولت ان افهم , رجعت الى ما كتبه الفلاسفة ورجال الفكرمنذ القديم وما كتبه فلاسفة الاسلام , ومن اليسير ان نقول : الانسان يبحث عن الكمال , ولكن ما مفهوم الكمال , مسكويهفى كتابه تهذيب الاخلاق تحدث عن السعادة فى مقالة من مقالاته الست التى تحدث فيها عن الاخلاق , وتحدث عن العدل كما تحدث عن المحبة والصداقة , ثم تحدث عن الصحة النفسية , وحاولت ان اقارن بين ما كتبه مسكويه وما كتبه الغزالىفى كتابه الاحياء, ولكل منهما منهجه الذى يختلف عن الاخر , هذه الاهتمامات تختلف كليا عن اهتماماتى الفقهية المرتبطة بالاحكام, ومنهج الفقهاء لا يهتم بهذه القضايا , وحاولت فى احد المجالس العلمية ان اتحدث عن الفضيلة واثرها فى مجال الحقوق , وكنت ادرك اهمية ذلك , كان عنوان الحديث :دور الفضيلة فى فهم الاحكام وفى تقييدها , وحاولت ان ابين اثر الفضيلة كقيد ملزم لاستخدام الحقوق المشروعة , فالحق لا يعنى ان تستخدمه بطريقة مغايرة للفضيلة والحرية لا تعنى ان تستخدم خارج الفضيلة ولا يجوز لمالك السلطة ان يستخدم سلطته بطريقة منافية للفضيلة ولا يجوز لمالك المال ان يستخدم ماله او ينفقه بطريقة منافية للفضيلة , وحاولت ان ابحث عن معنى الفضيلة عند الفلاسفة الاقدمين وعند عدد من مفكرى الاسلام , كان هذا الموضوع هو موضوع الدرس الذى القيته امام الملك الحسن الثانى رحمه الله عام 1985 فى الدروس الحسنية , وكان الحسن الثانى ينصت باهتمام وانا اخاطبه , وكان المجلس يضم ابرز علماء العالم الاسلامى, كنت ادرك اهمية اقرار فكرة ان الحق الفردى ليس مطلقا وانما هو مقيد بالفضيلة التى يراها المجتمع محققة للعدالة , وكان الحسن الثانى من ابرزمن عرفت فهما لما يسمعه وذكاءا واحتراما لحرية الفكر , وكان له افق واسع ويحسن الفهم لما يسمعه ويحترم الفكر ويشجع عليه , لقد اثار الموضوع اهتمامه وعبر عن تقديره له وتشجيعه لهذا المنهج فى فهم معنى الحق , وحاولت ان اكتب بعد ذلك عن موضوع الحق والفضيلة , وكتبت مقالة علمية فى مجلة العربى الكويتية , وفى مجلة الفيصل , وما زال مفهوم الفضيلة يثير اهتمامى, فالفضيلة من الفضل وهو الزيادة المؤدية الى الكمال وليست كل زيادة مؤدية الى الكمال , فالسرعة فى الخيل فضيلة وليست فضيلة فى الاغنام , وزيادة الوزن فى الاغنام فضيلة وليست فضيلة فى الخيول , فاذا زادت الاوصاف عن الاعتدال فليست فضيلة , فالشجاعة فضيلة فاذا تجاوزت حدود الاقدام العاقل كانت تهورا مذموما , والسخاء فضيلة فاذا تجاوز الاعتدال كان اسرافا وسفها وهو مذموم , والتدين فضيلة فاذا اقترن التدين بالتطرف والتعصب كان مذموما , لانه يدل على الجهل , والانسان يملك الحق ولكنه يجب ان يستخدمه فى اطار الفضيلة, فالطلاق حق ولكن الدين لا يبيح الظلم ولا التعسف فيه , وليس لهذا ابيح الطلاق وانما ابيح لكي يعبر عن مطلب مشروع عندما يستخدم الحق فى اطار الفضيلة من غير تعسف فى استعمال الحق ولا ظلم ولا تجاوزلما امر الله به , , كنت اتكلم فى مجلس الحسن الثانى بحرية تامة وكان رحمه الله يشجع الرأي ويقدره ويعجبه ان يتحدث المتكلم عن رؤيته لما يراه وكما يراه من غير انفعال ولا مبالغات , موضوع الفضيلة والخير والكمال من الموضوعات الجديرة بالاهتمام , والتعلق بالكمال هو تعلق فطرى فى الانسان وما خالف الكمال فهو من النقصان وهو ليس من خلق الانسان ولا يليق به , , واعتبر مسكويه ان كل ما هو محسوس فهو فى المكان الادنى لارتباطها بالحواس الظاهرة , اما ما هو من الخيرات والفضائل والكمالات فمكانها هو الاعلى وهو ما تدركه العقول التى تميز بها الانسان وفضله الله بها عن سائر المخلوقات البهيمية ..

…………………………………………

نفحات روحية

مما يميز الانسان عن غيره من المخلوقات انه شديد الشوق الى المعارف والعلوم , وهو شوق لا نجده لدى الحيوان , مع ان الحيوان يملك القوى الغريزية التى يملكها الانسان فهو يشنهي طعامه وشرابه ويبحث عنه والى كل ما ارتبطت حياته به , وهو يملك القوة الغضبية الى يدافع بها عن وجوده ومطالبه , فمن اعتدى عليه فانه يدافع عن نفسه بالوسائل التى يملكها , ولكن الشوق الى المعرفة والعلم لا يوجد لدى الحيوان , ولذلك فان الانسان مطالب بان ينمى قدراته المعرفية وهو استعداد فطرى اكرمه الله به لكي يعبر به عن رقيه وتميزه , وهو بهذه القوة العقلية يختار افعاله التى تعبر عن كماله , وعندما يتمكن الجهل من الانسان يضعف شوقه الى المعرفه ويتوهم ان جهله علما وتطرفه التزاما وتعصبه لما توهمه وفاءا , وكلما ارتقى الانسان معرفة وعلما اتسعت افاق فهمه لما حوله وكان اكثر احتراما للانسان الاخر الذى هو شريك له فى الحياة , والانانية هي وليدة الجهل والتخلف واذاكانت الانانية فلا بد من نمو مشاعر القسوة ضد كل الاخرين الذين يزاحمونه فيما يتوهم انه احق به , عندما تتسع افاق الانسان يكون اكثر ايمانا بقيمة العدالة والحرية لكل الاخرين , ويمكن عن طريق القوة ان تحقق انتصارا ولكن لا يمكن ان يدوم ذلك النصر لان النصر الظالم يستفز المشاعر ويجعل الاخرين اكثر تلاحما واكثر استعدادا لقبول التضحية والصمود..

…………………………………………….

نفحات روحية.

كل العلوم يمكنك ان تتكلم فيها فى الوقت الذى تريد او تكتب عنها متى تريد , لانها علوم عقلية تخضع لمعايير ثابتة ويمكنك دراستها وفهمها وتستطيع ان تجتهد فيها وتبدى رأيك فيما يترجح لك انه الصواب والحق , وهناك من المشاعرالروحية والاحاسيس والمواجيد والاذواق التى تغمر الانسان فى لحظات خاصة وفى مواقف لا تخضع لنفس المعايير , ولا يمكن لاحد مهما كان متمكنا من العلم ان يكتب فيها بصدق الا اذا عاش لحظتها وعبر عنها كما يشعر بها من غير افتعال لحال متكلفة او ادعاء معرفة ليست صادقة او ناتجة عن ذوق حقيقي , ما اشد جهل من يتسلق قمة وهو غير قادر على الامساك بمقود هواه , وهؤلاء كثر فمنهم المتوهمون , ومنهم غير ذلك ممن هم اقل صدقا وورعا , وفى المراتب الروحية يكون الارتقاء سريعا ويكون الانحدار اسرع ويقود صاحبه الى الزيع والضلال ..

……………………………………………………..

نفحات روحية

المؤمن عندما يبتلى بابتلاء ييكون اقدر على الصبر عليه لانه يجد فى ذلك الابتلاء الطاف الله تعالى فيكون راضيا بما هو مقدر عليه , ويكون قلبه اكثر طمأنينة وسكونا , وهذا مما يخفف عنه ذلك الابتلاء فيكون اقرب الى الله واكثر فهما عن الله فيما يريد , وعندما يسلم المؤمن انه ملك لله تعالى فانه يسلم لله ما يملكه من امر عباده خلقا وتدبيرا وحكمة , وهذا هو معنى الرضا عن الله فيما قدر والغاية من كل ذلك هو التوصل الى طهارة القلوب من الانشغالات الدنيوية التى تبعد الانسان عن ربه وتدفعه لكي يستجيب لاهوائه ورغباته , وهذا كله لا يتنافى مع كمال الاسباب لمن رأى الاسباب هي الطريق , ولا بد من الاخذ بالاسباب لان هذا هو المنهج الذى امر الدين به , فمن تعلق قلبه بالله صادقا لم تشغله الاسباب الظاهرة وادرك الحكمة من وجود الاسباب لكي تقام الحجة , وهذه قضايا يختلف الحكم فيها بحسب حالة العبد ولا تكلف فيها , فمن تكلفها من غير استعداد لها كان مدعيا والدعوى هي حالة نفسانية تبرز لدى السالكين عندما تتحكم فيهم اهواؤهم ويريدون بذلك بروز النفس وتطلعها الخفي لنسبة الاشياء اليها , وهذا من رعونات السالكين التى تتناقض من الاخلاص لله تعالى ..

…………………………………………………………………..

نفحات روحية..

منذ طفولتى الاولى وكنت فى العاشرة من عمرى بدأ اهتمامى الاول بالحكم العطائية, وكانت لى معلمة تعلمنىالقرأن وتنصت لى وانا اتلوه امامها وكانت صالحة وتقية وورعة , واخذت تعلمنى الحكمة الاولى من الحكم العطائية, لم اكن يومها ادرك اي شيء عما كنت احفظه واردده , كان يعجبنى ان اعيد ما حفظته: من علامة الاعتماد على العمل نقصان الرجاء عند وجود الزلل , كانت الحكم اول ما حفظته بعد القرأن الكريم الذى كنت تعلمته اولا على يد اشتاذى الاول الشيخ بشير الحداد وكان رجلا صالحا وتقيا وحافظا لكتاب الله , كان يخصنى بالاهتمام وهو يعلمنى القران , ثم تابعت ما حفظته على يد الاستاذ الثانى الشيخ اديب حسون , وكان يعلمنى مبادئ القراءة والكتابة , وكنت الطالب الاول والوحيد فىالكلتاوية قبل ان تكون هناك مدرسة للعلم , وقد حفظت بعض الحكم العطائية, لم اكن افهم ماتعنيه هذه الحكم , كانت الحكم المنسوبة لا بن عطاء الله السكندرى هي اهم ما قدمه الفكر الصوفي واجمله لفظا وارقاه تعبيرا واكثره التزاما وفهما , وهي معانى راقية جميلة تعبر عن اهم المعانى الصوفية وكانت راقية الاسلوب فى صياغة غاية الدقة والروعة , واهتم بها العلماء على امتداد قرون وعكف العلماء على شرحها وبيان دلالاتها , وكان ابن عطاء من اعلام عصره علما وفقها ومكانة , وكان ينكر على صوفية عصره ما هم فيه , واشتد به الغضب وهو يخاصم من عرفوا بالتصوف , وقرر ان يستطلع الامر بنفسه وان يذهب الى مجلس الشيخ ابى العباس المرسي شيخ الصوفية ويسمع منه ما يقول , وذهب اليه وسمعه يتكلم عن الحق والحقيقة والتحقق والاسلام والايمان , وبهر بما سمع من معارف وافكار لم يكن سمعها من قبل من اعلام عصره ورجع الى بيته وهو فى حالة من التاملالوجدانى الذى لم يعهده من قبل واعتزل اسرته ومجتمعه , حالة غريبة لم يعهدها من قبل , قلق وحزن وصمت واعترال, هي نفس الحالة النفسية التى اصابت الغزالى عندما بدأ التحول فى حياته كما عبر عنها فى كتابه المنقذ من الضلال , كل التحولات الكبرى تبتدئ بهذه البدايات التى لا تدرك بمنطق العقول , ما اشد ما تعانى منه النفوس فى لحظات التحول من عالم الى عالم اخر , سكون وطمانينة قلبية وشعور عميق باليقين , وكان الشيخ ابو العباس المرسي تلميذا لشيخ الطريقة الشاذلية ابي الحسن الشاذلى الذى كان يدعو الى التقوى والاتجاه الى الله والاعراض عن الخلق والزهد وعدم التعلق بالدنيا , ومنذ تلك الفترة لازم ابن عطاء الله شيخه ابا العباس واصبح من اكثر المقربين اليه مكانة وصدقا واقبالا والتزاما , وعكف على كتابة الحكم العطائيةالتى تعتبر اروع ما قدمه الفكر الصوفي من معان ودلالات وايماءات , ولا نجد فيها تلك اشطحات ولا الانزلاقات ولا المبالغات , وعكف العلماء من بعد فى المشرق والمغرب على شرحها والتعليق عليها وبيان دلالاتها , وما زال الاهتمام بها يكبر , ومن اهم الشروح التى حظيت بالاهتمام ونشرت فيما بعد,

اولا :  شرح ابن عباد النفزىالرندى على شرح الحكم وسماه التنبيه , واعتبر ان اطلاق لفظة الشرح من اساءة الادب لان المعانى الحقيقية لا يدركها الا من كتبها ولا يدركها الا من تلقاها عن اهلها ,

الثانى:شرح الشيخ احمد زروق الفاسي وقد شرحها مرارا وكان يعيد شرحها من جديد ليكتشف الجديد من الدلالات والمعانى ..

الثالث :شرح المنح القدسية على الحكم العطائية للشيخ عبد الله بن حجازىالشرقاوى وسماها تقييدات وهو مطبوع .

الرابع: شرح ابن عجيبة على الحكم العطائية وسماه ايقاظ الهمم فى شرح الحكم ..

وهناك عشرات الشروح الاخرى واخرها شرح الحكم للدكتور محمد سعيد رمضان البوطي , وهناك من شرحها فى منظومات شعرية وقد تخصص الدكتور ابو الوفا الغنيمىالتفتازانىفى موضوع الحكم وكتب كتابا عنها وما زالت الكتابات مستمرة , وخصوصية الحكم العطائية انها قدمت الفكر الصوفي بطريقة راقية مفهومة ميسرة مقنعة ليس فيها ما يؤخذ على الفكر الصوفى من شطحات فى المفاهيم وليس فيها اي خروج عن ثوابت العقيدة وهي تهتم بدرجة اولى بفكرة اساسية وهي الافتقار الى الله والادب مع الله ومعنى العبودية لله ومعنى الاخلاص وبيان حالات من مناهج التربية الصوفية , وكان ابن عطاء الله يركز على فكرة وهي ان الله تعالى هو المدبر لشؤون خلقة وان الانسان لا يملك الا التسليم لما اراده الله له , واهم ما فى الحكم ان ابن عطاء الله استعمل اللغة والمصطلحات الصوفية الاصيلة ذات الدلالات الخاصة , وهي لغة خاصة لا يحسن فهمها الا من فهم معناها , والمصطلحات الصوفية كثيرة , ولها دلالاتها الدقيقة , , واهم ما يهتم به الفكر الصوفي هو الادب مع الله والادب مع كل الاخرين ومحاسبة النفس والابتعاد عن الغفلة والايكون القلب محجوبا بتعلقاته الدنيوية , وانشغالاته , واختم كلمتى هذه بحكمة من الحكم العطائية :

لا يكن تأخر امد العطاء مع الالحاح فى الدعاء موجبا ليأسك , فهو قد ضمن لك الاجابة فيما يختاره لك لا فيما تختاره لنفسك , وفى الوقت الذى يريد لا فى الوقت الذى تريد..

………………………………………………………………

نفحات روحية..

ما ابعد صوفية اليوم عن صوفية الامس, عندما اتأمل فيما نحن اليوم من المفاهيم اجد عجبا , واننى التمس العذر لكل الناقدين والرافضين الذين يرون فى المنهج الصوفي انحرافا عن المنهج الاسلامى الاصيل , صوفية اليوم مختلفة وهي تعبر عن الواقع الذى نعيشه بكل اثقاله وسلبياته , الفكر ينهض بمجتمعه وينحدر بمجتمعه ايضا , اسلامنا اليوم هو اسلام مجتمعنا اليوم , وهناك الكثير منه هو تراث اجيال متعاقبة من المجتمعات والدول والنظم والتقاليد والاعراف , احيانا اجد فى الدعوة الى منهج السلف تجديدا وتصحيحا لمسارتاريخى انحرف عن اصوله الاسلامية , السلفية ليست منهجا جامدا يريد احياء الماضى كما كان , السلفية الحقة هي تصحيح المسيرة التى انحرفت عن الطريق , سلفية اليوم ليست هي سلفية التصحيح كما نادى بها السلفيون الاوائل الذى حذروا من خطورة الانزلاق الى الجهل والجاهلية , كل الصادقين والمخلصين ممن اشتهروا بالتقوى والورع والصدق كانوا يرفعون شعار التصحيح والعودة الى ثوابت الاسلام واصوله واخضاع مناهج الاجتهاد الى قواعد منضبطة لا مكان فيها للاهواء الشخصية , كانت الصوفية الاولى كما جاء بها ائمة التصوف هي الدعوة الى اسلام اكثر صفاءا واكثر استقامة والزهد فى الدنيا وزخرفها والتعلق بالاخرةوومحاسبة النفس عما تفعله وعما تخفيه من الاطماع والاحقاد والدعوة الى تزكية النفوس وطهارة القلوب وعدم الانشغال بالدنيا والابتعاد عن مجالس الحكام والزهد فيما يملكون وتقديم النصح لهم لكي يتقوا الله فيما يحكمون والصدق فيما يقولون , هذه هي السلفية الحقيقية ان نحيى منهج السلف فى اخلاقهم وسلوكهم والا تشغلنا الدنيا وتجعلنا من الغافلين عن الله , الصوفية خلق وتربية واستقامة والاتشرك مع الله احدا من الخلق فيما كان من الله والا تتعلق بالاسباب الظاهرة فالله هو الذى يدبر شؤون خلقه فلا شريك معه فيما يختار ويقدر , , وكتب ابن عطاء الله كتابه الهام الذى سماه التنوير فى اسقاط التدبير وهو مطبوع وقد تحدث فيه عن معانى وافكار تعبر عن اجمل القيم الايمانية ومعانى العبودية لله باسمى معنيها وتجلياتها , والعبد فى نظر الصوفية هو فى موطن العبودية المطلقة لله تعالى ومقتضى العبودة هي التسليم لله بما قدر ودبر بحكمته, ومن سلم امره لله كان فى موطن الرضا عن الله , وهذا يمنحة السكون القلبى واليقين , اليس الصبر على المقادير مما يعمق الايمان بالله ومما يقرره التصوف ان مما يعين العبد على تقبل البلايا والابتلاءلات ان تدرك انها من الله تعلى , فاذاعلمت انها من الله كنت اقدر على الصبر عليها , ولم اجد لذى اعلام التصوف ما يتنافى مع كمال الايمان بالله وانه لا ينبغى للعبد ان يحمل هم رزقه فالله هو الرزاق , ما اجهل الذين اتهموا الصوفية بالشرك لانهم احبوا الصالحين لصلاحهم ولانهم اقرب الى الله بسبب عملهم الصالح وكانوا اكثر ادبا ومحبة لهم , وهؤلاء ارادوا للدين ان يكون مجرد احكام فقهية وكلمات وشعارات تجعل المؤمنين اقل يقينا واكثر جهلا يبررون كل ما حرمه الدين باسم الدين جهلا بمقاصده وتقربا من العامة ويسيؤون لكل المؤمنين ممن ارادوا الله واحبوه وتعلقوا به وكانوا اكثر صدقا واستقامة ورحمة ويقينا من كل الاخرين , الصالحون هم الذين يمشون فى الارض هونا يعملون الصالحات ولا يفسدون ولا يعتدون , ما احوجنا الى ذلك المنهج الروحي الذى نجد اصوله فى اسلام عصر النبوة وهو الاسلام الحق والاصيل الذى لازيغ فيه ولا ضلال والذى يقاوم اصحابه الاهواء عن طريق المجاهدات الروحية التى تجعل المسلم اكثر ايمانا بربه واقرب اليه , اذا تخلف التصوف بسبب تخلف مجتمعه وانتشار الجهل بين المنتمين اليه وانحراف البعض عن منهجه الروحي وظهور جماعات جعلت التصوف مهنة ومطية الى ما تريد الوصول اليه من الدنيا والسلطة والمال والجاه الاجتماعى فهذا لا يبرر الاساءة لمنهج السلف فى تكوين الشخصية الاسلامية ذات الجذور الروحية التى تمثل قيم الاسلام العالية وتجعل الانسان فى موطن الاهلية ليكون خليفة الله فى الارض يرفع شعار المحبة والسلام وكرامة الانسان.

…………………………………………

نفحات روحية

ماتكلف فيه العبد من المواجيد والانفعالات لا اهمية له ولا ذلالة , وهو مما يظنه العامة وبعض من يغلب عليه حب الظهور والتميز لتعلو مكانته فى نظر الخلق , لا اهمية لكل ذلك فماكان متكلفا فلا جذور له , وكل عزلة او ابتعاد عن الخلق ان لم يصاحبه حال يدفع اليه فهو جهد لا ينفع صاحبه وهو من الاوهام والوساوس التى يلجا اليها بعض السالكين الذى يتوهمون ان هذا هو الطريق الذى يقودهم الى ما يتمنونه , وهذا من الجهل الذى تدفع اليه الاهواء الخفية.

……………………………………………..

نفحات روحية

اجمل معنى للعبادة واكثره سموا وفهما انها تؤدى الى تعظيم الله فى القلب فلا مكان لغيره  فى قلبك واهتمامك , وليس كمثله شيء وهم يؤثرونه على كل ما عداه وهذا هو معنى التوحيد الخالص الذى لا يدركه الا من احس به فى كيانه ..من بلغ هذه الرتبة كان اقرب الى الله ..,

…………………………………………………………..

نفحاتروحية..تأملات

اهتمت التربية الروحية بتكوين الانسان اخلاقيا لكي يكون اكثر استقامة فى علاقاته الاجتماعية مع كل الاخرين من اسرنه ومجتمعه , ولا يمكن ان تكتشف الاخلاق والفضائل الا من خلال مشاركات الأخرين , فمن انعزل عن الناس ولم يختلط بهم فلا يمكن ان تعرف اخلاقه , العزلة مرحلة تربوية وليست منهجا للحياة , الحياة بكمالها وليست بالانعزال والقعود عن التماس الاسباب فى كسب الرزق والعمل فى الدنيا , ليست الدنيا هي المذمومة وانما المنهي عنه هو ذلك التعلق والنهم والشره فى الحصول على المال والمجد , وقد خلق الله الانسان من جسم ونفس فالاجسام مدركة بالحواس الظاهرة , اما النفوس فلا تدرك الا بأثارها السلوكية , ويقال طهارة الاجسام بالماء اما النفوس فطهارتها بالتحكم بالغرائز الشهوانية والغضبية فلا يصدر عن الانسان الا ما يليق به من الفضائل التى تليق بالانسان , فلا يتحرك لسانه الا بما يريد التعبير عنه ولاتتحرك يده الا بما تؤمر به مصافحة لصديق او مواجهة لعدو , وعندما يتحكم الانسان فى نفسه فلا يفعل مافيه هواه الا بعد تامل ولا يتحكم فيه غضبه , والفضائل اربعة: وهي ناتجة عن قوى الانسان الثلاث ، القوة العقلية وتنتج الحكمة، والقوة الشهوانية وتنتج العفة، والقوة الغضبية وتنتج الشجاعة والحمية , وكل هذه الفضائل الثلاث من صفات النفوس , والفضيلة فيها هي الاعتدال والوسطية , فان زادت او نقصت ادت الى رزيلة , وهي ليست محمودة , فالشجاعة هي وسط ونقيضها بالزيادة او النقص هو التهور او الجبن , اما القوة الشهوانية فالفضيلة فيها هي العفة ونقيضها هو النهم او البلادة , واما القوة العقلية فالفضيلة فيها هي الحكمة ونقيضهاهو المكر او الغباء , والفضيلة هي وسط بين رزيلتين , فما زاد او نقص فليس فضيلة ابدا , لا شيء مما انحرف عن الاعتدال هو فضيلة فى السلوك الانسانى , والتطرف فى كل شيء هو ضيق وجهل , وهنا تكون الحكمة مطلوبة فى المواقف والسلوك , وفى علاقة الانسان مع اخيه الانسان لكي تكون الحياة اكثر رقيا وكمالا , كل الفضائل لها بعدان مذمومان بالزيادة او النقص ما عدا الاصل الرابع من اصول الاخلاق وهو العدالة , فالعدالة لاوسط فيها وليس لها الا نقيض واحد وهو الجور : يقال عدل وجور , فزيادة العدالة عداله ونقصها جور , فاما ان تكون العدالة كاملة , فان لم تكن فهو الجور , العدالة اما ان تكون او لا تكون , ولا يمكن ان تكون عادلا فى مواقف وجائرا فى مواقف اخرى , ولا ان تكون عادلا مع البعض ولست عادلا مع الاخرين , والعدالة هي ان تتعامل مع الكل كما يجب وبالكيفية التى تجب وان تكون المعايير عادلة مع الجميع , فى المعايير والضوابط , والعدالة تعنى المساواة فى الحقوق والواجبات فتاخذ قيمة عملك وتعطى الاخر قيمة عمله من غير زيادة لك او نقصان من حق غيرك , فمن العدل ان تكون عادلا فيما تأخذ وفيما تعطى , واول صور العدالة ان تقوم بواجبك نحو رب العالمين الذى خلقك فتقوم باداء عبادته تعبيرا عن شكرك لله , وهناك القيام بواجبك تجاه كل الاخرين من اهلك واصدقائك ومن لهم فضل عليك , والعدل هو اساس الملك واهم اعمدة الاستقرار الاجتماعى , العدالة تربية ولا يمكن ان تكون متكلفة فان تكلفتها لم تكن خلقا لك , فلاتكلففى الاوصاف الاصيلة التى يفعلها الانسان ايمانا بالعدالة , واذا انتفت العدالة فيجب ان نتوقع دفاع المظلوم عن نفسه , ليس عدلا ان تكون التروات والاموال دولة بين الاقوياء دون الضعفاء , وما دام الظلم قائما فلا ينبغى ان نحلم بالاستقرار والسلام , ومن العدالة ان تحترم ارادات المتعاقدين في الحقوق فلا ارادة لمستضعف ولا لجائع ولا لخائف , عندما توزع الثروات بالعدل بين الناس فالكل سيرضى بقيمة عمله والكل يحترم حقوق الكل من غير تجاوز , لا احد يملك ما لا يملكه غيره الا ما كان بجهد منه , والاجر العادل لكل عامل هو ما يساوى قيمة جهده وعمله , فمازاد فليس له , واي مجتمع عندما يحترم معايير العدالة فمن الطبيعي ان يكون اكثر استقرارا وسلاما ..

مهمة التربية الروحية ان تجعل الانسان اكثر استعدادا للخير والقيام بالفضيلة والاحسان فالدين يقوم على دعامتين الاولى هي الشريعة واهم ركن فيها هي العدالة فى الحقوق من غير زيادة او تجاوز وهذه هي مهمة الفقهاء ان يبينوا اصول العدالة , ثم ياتى دور التربية الروحية التى تنمى فى النفس الرغيةفى الخير , وهناك يكون التفضل والاحسان فالافضل والاكرم عند الله هو الذى يتنازل عن بعض حقه تفضلا منه لمن هو اضعف منه , والتفضل هو خلق الكبار الذين يفعلون الخير ويتقربون الى الله بالعمل الصالح , اما فى مجال الحقوق فلا مجال لتجاهل الحقوقالتى اكرم الله بها كل خلقه , العدالة اولا وهو تحريم الجور وهو الظلم ثم يكون الاحسان وهو درجة اخلاقية عالية , عندما تعطى الاخر حقه فانت لست متفضلا عليه ولا محسنا..نحتاج الى فهم عميق لمعنى العدالة ومعنى الاحسان ..

………………………………………………………………

نفحات روحية.. هل نحتاج الى فهم اعمق للدين..

عندما تشتد على اعناقنا قبضة اليأس والشعور بالاحباط نتيجة ما يعانيه مجتمعنا من مآسى واختناقات نجد انفسنا نطل من خلف النوافذ المغلقة على اشراقة نور ونسمة امل تعيدنا من جديد الى الحياة وتجعلنا اكثر فهما لها واعمق ايمانا بان الله تعالى سبحانه خلق الانسان وابتلاه لكي يختبره فيماآتاه من فضله , فى لحظة ما فى حياتنا نرفع ايدينا الى السماء داعين مستسلمين مرددين من اعماقنا اياك نعبد واياك نستعين..

كنت اتساءل اين نقطة الخطأ فى حياتنا اليوم وقد اشتد الكرب واصبحنا لا نهتدى الى الطريق , عندما تاملتفى احداث التاريخ كنت اجد ما نجده اليوم من انحدارات وانزلاقات وفتن متلاحقة قد تكون اشد قسوة مما نحن فيه , عندما اشتدت الفتن فى القرن الاول الهجرى وبداية القرنالثانى ارتفع صوت فى البصرة وكانت من اهم عواصم الاسلام ازدهارا ينادى ويوقظ ويدعو الى الزهد فى الدنيا والتعلق بالله , كان الحسن البصرى وقد تمكن الترف والبذخ والتسابق على الدنيا والتنافس فيها على الحكم والمال والجاه ينادى فى مجالسه الموقظة الى العودة الى الاسلام الاصيل والروحية التربوية فى السلوك الاجتماعى , التف الناس حول مجالسه واخذوا ينصتون باهتمام الى ذلك الصوت الذى يدعوهم الى احياء الاسلام فى القلوب والاقلاع عما هم فيه من الغفلة عن الله , كان مجتمعه بحاجة الى ذلك الصوت الذى انصت الكل له , تلك الصيحة الاولى كانت النواة لمنهجية روحية تمثل اهم خصوصيات التربية الاسلامية , ربما كانت تلك المجالس هي حركة احتجاجية على ما كان فى ذلك المجتمع من صراعات ومغالبات وانحرافات , واخذت التربية الروحية تقتحم المجالس المغلقة التى كان يعيش فيها رموز السلطة والقوة والترف وكانوا بما هم فيه غافلين , النزعة الروحية ليست وهما وليست ترفا فى الفكر او السلوك وانما كانت تطلعا فطريا للصفاء الفطرى والاستقامة وفهم اصيل لرسالة الدين , كانت روحية بانية عاقلة ملتزمة موقظة ولم تكن مذهبية ولا عصبية ولا تجارة دنيوية , كانت اقرب الى الفطرة الانسانية , كانت دعوة للخير والمحبة والايثار والاخلاص والاستقامة , كان الناس بحاجة لتلك المجالس التى تحدت مجتمعها بانعزالها عنه ترفعا وزهدا واعراضا وتركت الجميع يتصارعون ويتنافسون ويتدافعون , كانت هذه النزعة تنادى لكل الاخرين الذين يتنافسون على الدنيا: كفى ما انتم فيه , كبرت هذه الظاهرة وانتشرت ولم تعد كما كانت , تحكم فيها الجهل والتعصب وانحرف بعض من حمل اسمها عن جادة المنهجية التربوية الى مجالس غفلة وتنافس تكثر فيها الشطحات والمنزلقات , وازدهرت مختلف العلوم الاسلامية وكانت التربية الروحية جامعة موجهة , وفى عصر الامام الغزالىفى القرن الخامس ادرك الغزالى مدى ما اصاب علوم الدين من انحراف عن الدين فألف كتابه احياء علوم الدين وكتب فى مقدمته ان العلم غايته العمل والعمل ليس ثمرة للعلم ابدا فكم من عالم لا يعمل بعلمه , وان العلم يحتاج الى تقوى وصفاء ويقظة لكي يثمر العمل , ولا اهمية لعلم لا يثمر عملا , وابتعد الغزالى عن كل الانزلاقات التى رافقت هذ المنهج الروحي الذى يهتم بالاداب الاسلامية اولا , واهمها طهارة الداخل وطهارة القلوب , وان العلم وحده اذا خلا من التقوى فلاقيمة له ولا اثر له فى السلوك , والعلم هو الذى يوصلك الى المعلوم والمعرفة ومن عرف الله كان اكثر هيبة له وتعظيما , فان لم يفعل فلا فائدة منه وان اليقين العقلى لا يمكن ابدا ان يوصل صاحبه الى اليقين الذوقى الذى يحتاج الى صفاء قلبى قلما يصل اليه الا من اخلص لله وكان تقيا ومن علامته السكون القلبى , ما اكثر ما عانى منه مجتمعنا من الجهل والتعصب والتأويلات الباطلة التى لا تستقيم مع حقيقة الدين وتؤدى الى سلوكيات منحرقة واخطاء كبيرة , كل الفرق الباطنية انحرفت بسبب الجهل والتحكم فى مفاهيم الدين بما يبعدها عن معانيها ومقاصدها , لا شيء كالتعصب الجاهل وتحكيم الاهواء والمصالح والتغالب على الدنيا يسيء الى الدين , لقد اردنا الدين ان يكون مطية لنا فيما نريده ان يكون , الدين ليس هو مانراه , كنت اجده فى رجال لا يملكون شيئا من الدنيا وهم اكثر فهما له بفطرتهم وصفاء نفوسهم , لسنا فى الطريق الصحيح ولن نكون ما دمنا نريد ان نجعل الدنيا كما هواؤنا , نريد الاسلام الحق وليس اسلام الجهلة والمتعصبين , الدين ليس مجرد شعارات ترفع فى المناسبات لاستمالة العامة باسم الدين . الدين يستمد من كلام الله ورسوله ولا شيء اكثر من ذلك , يحترم جهد الانسان وهو جهد العقول ويستفاد منه ويضاف اليه , وكل جيل يضيف اليه ما يراه محققا لمقاصدة المرجوة التى يريدها الدين ..

……………………………………………………………..

نفحات روحية.

 .لم اجد فيما ترجح لى بعد تاملات طويلة ذلك التباعد والتباين بين مااهتم به علماء الشريعة الذين وجهوا اهتمامهم الى الاحكام التى تبين ما اراده الله ان يكون من الحقوق سواء منها حقوق الله فى الايمان والعبادات او حقوق العباد فى المعاملات التى اهتمت بتنظيم العلاقات بين الناس , وبين ما اتجه اليه علماء الباطن كما سماه الامام الغزالى , والمراد بالباطن هو العلم الذى اهتم بالاداب والاحوال فهم طبائع النفس وامراضها السلوكية وانحرافاتها النفسية , وهذا العلم لا يراد به تلك التاويلات المتكلفة والاوهام المتخيلة التى يعمقها الجهل , ولا يمكنها ان تنضبط او تلتزم بمعايير الفضيلة والحق , نظرا لخفائها وسيطرة الاوهام على اهلها , فما لا يمكن رؤيته لخفائه وهو المقاصد والبواعث والنوايا هو ما يجب ان تتجه اليه النفوس لبلوغ كمالها فيما قامت به من ظاهر الاعمال , ما تخفيه النفوس لا يمكن الاحاطة به ولا ادراكه , وهو الذى يؤدى الى تصحيح الاعمال الظاهرة , اول ما يعانى منه مجتمعنا هو ذلك الجهل بالمقاصد والاستجابة لاهواء النفوس فيما اتجهت اليه , العلم بالتعلم والاكتساب ولا يمكن لاحد ان يدعي العلم مع جهله به , ولا ثقة بجاهل مهما بلغ صلاحه ولا عذر لجاهل فيما تجاوز فيه او ادعاه من سيء الاعمال , فالصلاح لا يعنى ان يحسن صاحبه فهم ما يحتاج الى علم , والاوهام لا يحتج بها اذا خالفت ما اتجهت اليه العقول الراجحة , وهناك طريق اكتساب للعلم فمن لم يتعلم فلا يوثق بما يدعيه من المعرفة لان الوهم يتحكم فى كثير من الناس , العلم هو البداية ولا اقصد بالعلم هو الكتاب وحده فمصدر العلم التجربة الانسانية التى تعلم الانسان ما يجب ان يعلمه ولكل علم اهل اختصاصه ولا رأي لغير اهل الاختصاص فيما علموه , , الحقوق الشرعية لا يمكن ادراكها الا بالعلم وجودة التعليم والتكوين ولا بد من اعادة الثقة بالعلم الذى اداته العقل الذى يقود صاحبه الى التمييز بين الحق والباطل والحسن والقبح , العلم والعقل كفيلان بان يمكنا الانسان من الفهم الصحيح , ولكن هناك امر اكثر اهمية وهي الغرائز الفطرية وهي قوى مهمتها ان تخدم الانسان وتمكنه من بلوغ الكمال فيما يحتاجه , ولولا هذه القوى الغريزية لما استقامت الحياة , وموطن الغريزة هي النفوس وهي ليست كالاجسام , فالاجسام مدركة وهي ظاهرة ومنضبطة ويمكنك ادراك ماهيتها وملامحها , بخلاف النفوس فلاتدرك حقيقتها ولهذا يفرق اهل العلم فى مفهوم الطهارة بين طهارة الاجسام وطهارة النفوس , فطهارة الاجسام من النجاسات الظاهرة وتطهر بالماء او التراب , اما طهارة النفوس فانها تحتاج الى معرفة بطبيعة النفس وما تنطوى عليه من اسرار , فالاجسام اذا مرضت تعالج بالادوية ولها اطباؤها وتظهر على الاجسام العلل والامراض , اما النفوس فلا يمكن ادراك امراضها بالحواس الظاهرة , لان قواها خفية , فمن تسلطت عليه اهواؤه فلايمكنك ان ترى ذلك بحواسك وانما يمكنك التوصل اليها عن طريق التاملفى السلوك واكتشاف ذلك المرض , مرضى الاجسام يحتاجون الى علاج يشفيهم ومرضى النفوس يحتاجون الى علاج ايضا , ومن المؤسف ان الفقهاء تحدثوا كثيرا عن الاحكام الظاهرة ولكنهم لم يتحدثوا عن الامراض النفسية واثرها على اصحابها , النفوس اذا مرضت تصرفت بطريقة مرضية وكان لذلك اكبر الاثر فيما يصدر عن تلك النفوس من افكار وسلوكيات , ومن اهم امراض النفوس سيطرة احدى الغريزتين على الانسان المكلف , غريزة الشهوة وتؤدى الى الطمع المرضى الذى يدفع صاحبه الى سلوكيات خاطئة وعدوان على حقوق الاخرين , الفساد مصدره الطمع , والطمع عندما ينمو ويكبر يصبح خطرا على كل الاخرين وبخاصة المستضعفين الذى لا يملكون القوة التى تمكنهم من التصدى لطغيان الاقوياء عليهم فيما هو حق لهم , وهناك غريزة الغضب التى تؤدى الى الحقد والكره والبغضاء والعدوان والايذاء والانتقام , عندما يفسد الباطن فمن المؤكد ان يكون السلوك فاسدا , مانراه اليوم فى مجتمعنا من عدوان هو ثمرة حتمية لسوء فهمنا لما يريده الدين من الانسان , عندما نفهم الدين جيدا تصلح الاعمال الظاهرة , الدين يعلما ان نكون اكثر انسانية وان نحب كل الآخرين لا نقتل ولا نعتدى على اي حق من حقوق الآخرين , لا لانريد العلم لذاته وانما نريده ان يكون مشعل نور يضيء ليلنا ويخرجنا من ظلام الجهل والتخلف , عندما ننكر على مجتمعنا ما يفعله من المنكرات والمفاسد واهمها الظلم والطغيان ومظاهر الفساد فهذا دليل اننا لسنا فى الطريق الصحيح , لا يمككننا ان نطالب باصلاح الآخرين الا اذا بدأنا بانفسنا , العدالة مطلب اجتماعىوضروى ولكن العدالة لا يمكن ان تكون انتقائية ولا مجزأة وليس المراد بها الانتقام من الأخرين , التربيةالاخلاقيةليست امرا منفصلا عن الحياة , اننا نحتاج اليها لكي تكون الحياة اكثر رقيا وجمالا , لا يمكننا ان نرفع شعار الدين ولا نلتزم بثوابته الاخلاقية وقيمه الانسانية , عندما نفهم الدين كما اراده الله نلتزم به كما هو فى حقيقته ولا نسخره لاهوائنا ومصالحنا , واهم مقاصده الايمان بالله والعمل الصالح وتحريم الظلم والطغيان والعدوان والدعوة لاحترام كل حقوق الانسان فى الحياة والكرامة والتكافل للتخفيف من معاناة الانسان..

…………………………………………

نفحات روحية

بعض ما يرد عليك قد لا يكون بجهد منك , فضل من الله يشرق به ظلمات قلوب اراد الله لها ان تكون موطن رعايته لا سباب قد لا تدركها العقول وهي مما اختص الله به من حكمة التدبير,

………………………………………………………..

نفحات روحية

هناك خصوصية للايام وخصوصية للمجالس وخصوصية للكلمات , الخصوصية خطاب يخاطب به من يحسن فهم تلك الخصوصية , وهي محجوبة عمن هو غير معني بها من غير اهلها , المنكرون لتلك الخصوصية لا يرون شيئا مما يدركه اهلها ممن هم مخاطبون ومعنيون بها ..

………………………………………………………

نفحات روحية الانسان المخاطب..

كنت أتأمل كثيرا فى بعض المصطلحات التى نستعملها دائما فيما نكتبه او فيما نقوله , وليست هناك مترادفات فى اللغة القرآنية الا بدلالة خاصة , واهم ماكان يلفت نظرى هو العلاقة بين العلم والمعرفة , ولكل منهما دلالة تختلف عن الاخرى , فالعلم هو ما يؤدى الى انطباع صورة المعلوم فى الذهن , والمعرفة اعم واشمل وتحتاج المعرفة الى قدر من التدبر والتأمل , واداة العلم هو الحواس الظاهرة , واهمها العقل , اما المعرفة فتحتاج الى تأمل فيما هو معلوم مما انطبع فى القلب من المعانى , واحيانا تحتاج المعرفة الى صفاء وعناية وحسن فهم , وليس كل من اكتسب العلم يمكن له ان يفهم المراد به , الفهم يحتاج الى نور يدرك به ما تجاوز قدرات العقل , والعلم لا يتجاوز الامور العقلية , اما الفهم فهو اعمق واوسع لانه يختلف باختلاف قدرات المخاطب به , المعرفة هي ما ينطبع فى القلب من المعانىالتى لا حدود لها والتى تتجاوز قدرات العقول , والعلم يقابله الجهل وهو مدرك بذاته , واداته الحواس والتجربة الانسانية وتاريخ الانسان , العلم نقيض الجهل , فاما ان تعلم الشيء اوان تكون جاهلا به , والعلم هو رؤية الاشياء على حقيقتها كما هي , واداة العلم هو التعلم عن طريق اداته وهو العقل , والعقل اداة للتمييز والتمييز لا يعنى حسن الفهم , فالفلاسفة يحسنون العلم والتمييز في المعقولات ولا يعنى انهم يحسنون الفهم , فالفهم يحتاج الى نور الهي يضيءطريق العالم لكي لا يضل او ينحرف ,اهل العقول يتوهمون انهم على الحق معتمدين فى ذلك على موازين ثابتة, ولا يعنى انهم على الحق دائما , من يهده الله ينير طريقه ويلهمه رشده , ما اشد جهل بعض العلماء فيما يخاطبون به , وليست كل العقول يمكن الثقة بها , العقل الغريزى يحسن التمييز ولا يحسن الفهم الذى يقوده الى الهداية , اما العقول النورانية التى تجردت عن الاهواء الغريزية فهي المؤهلة لفهم الخطاب التى خوطب به الانسان المكلف , المخاطب هو الله وهو الخطاب الذى وصل الينا عن طريق الوحي والنبوة , وهو الخطاب الوحيد الذى لا يأتيه الباطل , وما عداه فهو جهد العقول والناس متفاوتون فيه , ولا احد يمكنه ان يدعي الحق فيه الا فيما ترجح للعقول انه الحق , والمخاطب هو الانسان المكلف وهو متجدد زمانا ومكانا وفى قدراته ومتأثر بما يحيط به من بيئات ومشاعر ومصالح ومؤثرات , وما خوطب به الانسان هو ما يجعله اكثر رقيا فى انسانيته واختياراته وانظمته وما يختاره لنفسه , المعرفة تاملات باحثة عن الحق قد ترتقى وقد تنحدر , وهي متأثرة بما حولها , وهي داعية الى الخير المطلق للانسان ولمجتمعه , ومالا يحقق هدفه الذى اراده الله لعباده من المصالح التى تحقق الكمال فلا يعتد بها , اختلاف الناس فيما خوطب به الانسان حتمي , ولا احد اولى بالحق من احد . والبحث عن الحق حق للمخاطب ولا حدود لحرية المخاطب فى البحث عن ذلك الحق وذلك الكمال , اختلاف الناس امر طبيعى ما لم يؤد ذلك الخلاف الى ظلم وعدوان , رسالة الدين واحدة وهي الايمان بالله والعمل الصالح ومقاومة اعداء الانسان وهم كثر ممن تجاوزوا الحدود , الدين يقاوم كل انواع الفساد فى الارض ومظاهر الفساد كثيرة , واهم مظاهر الفساد ما اغتصب من الحقوق , واهمها الاموال التى ارادها الله ان تكون رزقا لكل خلقه , الثروات الطبيعية لكل الخلق تقسم بينهم بالعدل ولا يحرم مستضعف من رزق الله , ولكل انسان قيمة جهده وعمله ولا يتجاوزه بظلم مهما كان شكل ذلك الظلم , لا ينسب الى الدين ماليس منه من مصالح واهواء , اقرب الناس الى الله هم الصالحون ولا يتجازون حدود عبوديتهم لله تعالى , ولا شيء خارج الاسباب الظاهرة التى تدركها العقول لكي تقام الحجة على الانسان فيما اختاره لنفسه , العلاقة مع الله امر خاص بصاحبه وهو مسؤول عما يفعله , اساءة الفهم ليست مبررا للتجاوز والعدوان , المطامع والاحقاد والاهواء والشهوات امور ترتبط بغرائز النفوس , فاذا تمكنت من صاحبها وترسخت كانت مرضا وادت الى انحراف وضلال , مهمة التربية الروحية انها تخفف من تلك الغرائز , لكي تكون اقرب الى الاعتدال , مهمة الدين ان يجعلك افضل فى عقيدتك فلا تشرك بالله احدا من خلقه مهما كانت مرتبة صلاحهم فى نظرك ولا احد يتجاوز عبوديته لله رب العالمين , ومهمة الدين ان يعلمك ما يجب ان تعرفه من حقوق الله عليك وحقوق كل الآخرين فلا تتجاوز عليهم بحق من حقوقهم ..

كنت اتاملفى ذلك وانا ابحث عما خوطب به الانسان المكلف والمخاطب ولا حدود للثقة بالانسان اذا كان باحثا عن الحق وملتزما به , الصالحون من كل الطوائف والمذاهب ومن كل الشعوب هم اقرب الى الله بصلاحهم واستقامتهم , والمعتدون الظالمون هم ابعد عن الله , الانسان هو خليفة الله فى الارض وهو مؤتمن على ما يريده الله من الحياة الانسانية ان تكون عليه وهي موطن امتحان لذلك الانسان فى كل الازمان ..

………………………………………………………………..

نفحات روحية… الخصوصية المحجوبة بالعقول.

مازالت الدراسات التى كان موضوعها الانسان هي الاكثر اهمية فى تاريخ الفكر الانسانى , فالانسان هو ذلك المجهول الذى يرى الظاهر منه ويخفى كل ماعداه , لا شيء من الانسان يمكن فهمه والتحكم فيه , من اليسير ان نرى الابدان الظاهرة وهي القوة الاولى التى يمكن التحكم فيها , ومعظم الدراسات الطبية اهتمت بها , ليست هي كل شيء , اهتم فقهاء الاسلام بما هو ظاهر وقيل عن فقهاء الاحكام بانهم فقهاء الظاهر وهو المدرك بالحواس الظاهرة , عظمة الانسان تكمن فى خصوصيته الانسانية التى تميزه عن الحيوان , فما هي هذه الخصوصية الانسانية التى اكرم الله بها الانسان , ما غاب عن ذلك الادراك هو غيب والانسان يؤمن بالغيب , والغيب يدرك بامرين الايمان به عندما يصلك عن طريق الوحي الالهي الذي يتنزل على الانبياء, وهذا حق لا شك فيه , وهناك طريق آخر ان تدركه عن طريق ادراك آثاره الظاهرة , وهذه هي القوى التى تخفى ولكنها تدرك وهي اكثر اهمية , قدرات الابدان محدودة وهي لا تتجاوز مقدار ما يحتاج اليه الانسان , فلا يمكن للبصر ان يتجاوز المسافة التى يحتاج اليها الانسان ولا يمكن للسمع ان يتجاوز مقدار الحاجة , ولكل حاسة اداتها الخاصة بها ما عدا اللمس فكل البدن هو حاسته , كل ما يهدد البدن مما يناقضه بزيادة او نقصان فانه يثير الاهتمام , فلو لمست باسفل قدميك حرارو او برودة فسوف تشعر بذلك لانه نقيض لك وكذلك الخضونة والنعومة في نقيض وتدرك سريعا فانت تحس بلمسة النقيض , القوة البدنية هي الاهم ويشترك الانسان والحيوان فى هذه القوة , كل الحيوانات تملك ما يملكه الانسان من الحواس الظاهرة , كل دراسات الفقهاء اتجهت الى ذلك السلوك الظاهر , مباحث الطهارة اهتمت بطهارة الابدان من النجاسات الظاهرة , العبادات اهتمت بالاداء الصحيح الذى استوفى كل الاركان فان لم تؤد بالطريقة الصحيحة فهي فاسدة , عندما اهتم علماء اصول الفقه بالتكليف كان اهتمامهم بالتمييز والتكليف الشرعي وله معاييره, واحيانا يتأخر الرشد عن موعده , لان الرشد يخضع لقوة اخرى ليست هي الكمال البدنى , احيانا يكون الكمال البدنى ولا يكون الرشد , وهنا نجد الاهتمام بالقوة الثانية وهي القوة العقلية , ومن اليسير ان نربط الرشد بالكمال البدنى , او ما هو مظنة للكمال البدنى , ولا يمكن لاحد ان يكتشف الخلل والمرض العقلى الا بسلوك خاطئ يدل عليه , معنى ذلك ان العقول تتصرف بطريقة واحدة ووفق معايير عقلية , هذا امر نسبي وليست المجتمعات سواء , معايير الصواب والخطأ ليست واحدة , ماهي معايير الاخلاق , ما الذي يحدد لنا ماهي معايير الصواب , كيف يمكننا ان نكتشف ذلك الخيط الرفيع بين الصواب والخطأ , لا بد من ميزان عادل وهي البوصلة التى تحدد لنا اين نحن فى رحلة التشابك بين الثوابت والمتغيرات وبين الحق والباطل , كنت اتاملفى كل ذلك ولا اجد الجواب , القرآن كلام الله جاء عن طريق الوحي ونقل الينا عن طريق التواتر النقلى والحفظ فى الصدور وهذا يجعل نصه فى مرتبة اليقين , ولكن تفسيره جهد عقلي متعدد ومتفاوت ,ليست كل التفاسير سواء وتتفاضل صحة وفهما وقبولا , التفسير جهد يتحكم فيه الانسان , والانسان وليد زمانه ومكانه وهوليس في مرتبة الكمال واحيانا تتحكم فيه اهواؤه , فيرجح ما يراه صوابا وهذا حق له , وكل الاجتهادات الفقهية هي جهد عقلي ناتج عن رؤية صاحبه متأثرا بزمانه ومكانه , القدرات العقلية متفاوتة وكل مخاطب مكلف ان يفهم ذلك الخطاب بما يترجح له انه الصواب , تعددت المناهج متأثرة بزمانها ومجتمعها فكانت اكثر تعبيرا عن حاجة ذلك المجتمع , لا احد اولى بالحق من الآخر , الخطاب الالهي عام لكل الخلق , لا احد اقرب الى الله من احد , العقول كالابدان ذات معايير ثابتة, العقل ميزان واداة للتمييز , ليست العقول على حق دائما وهي كالحواس محكومة بالمصالح تقبل وترفض ما تراه الاقرب لما هو مراد , الابدان تحتاج لوقود ذاتي , اذا لم يكن الوقود فلايمكنها ان تبحث عما تحتاج اليه من اسباب كمالها , وكان لا بد من القوة الثالثة المحركة وهي وقود الحركة الانسانية وهي القوة النفسية المزودة بالغرائز الفطرية للبحث عن الكمال , عندما تغيب تلك القوة او تتوقف يتوقف كل شيء فى ذلك البدن , قوة طلب الاشياء وهي قوة ذاتية مقتحمة وملحة ولا تعرف التوقف , تطلب ما تحتاج اليه , عندما تجوع تطلب الطعام والشراب وعندما تشعر بالبرد تطلب الدفء واللباس , وعندما يقع اي عدوان عليها تغضب وتنتفض للدفاع عن وجودها وماتعتبره حقا لها , وهذه القوة توجد فى الانسان والحيوان معا فالكل يبحث عن اسباب كماله , الفرق بين الانسان والحيوان ان الحيوان لا يميز بين ما كان له او ليس له اما الانسان فهو مخاطب وليس جديرا به ولا مقبولا ان يأكل مما ليس له , هذه القوى الثلاث يملكها كل الناس بدرجات متفاوته , لا احد يفضل الآخر فيها , ولكل قوة من هذه القوى الثلاث لها كمالها الخاص بها , ولكن اين يكمن ذلك الكمال , وكيف يمكننا ان نقول هذا هو الكمال , علماء الاخلاق يعتبرون الوسط هو الكمال , ولكن ما هو معيار الوسط , اين تكون النقطة التى يمكن اعتبارها هي الافضل والاكمل , احيانا نجد تناقضا فى المعايير , كنت انصت للجميع واجد ان لكل فرد قناعته فيما يفعل ويختار , كنت ادر ك ان هذه المرحلة هي الاشق , لاننى لا اجد الجواب عن الحيرة , لا احد لا اجد لديه جانيا من الحق فيما اختار لنفسه , كنت فيما مضى اكثر حماسا لما يترجح لى انه الافضل , اصبحت اكثر فهما للتاريخ وللمواقف المختلفة والتناقضات والمغالبات , كنت اقول لنفسي لوكنت فى مكان من انكر عليه فقد افعل ما يفعل فلما ذا الانكار , كنت ابحث عن تلك الخصوصية الانسانية التى تجعلنا اكثر رشدا فيما نختار , ماالذى يجعلنا نفعل الخير لانه خير , وما الذى يميز الانسان عن الانسان الآخر , كنت ابحث عن ذلك الصفاء القلبى الذى يمكننا ان نعتبره معيارا للتفاضل عند الله , هناك امر خفي عن القوى الثلاث لا ندركه وقد نحتاج اليه , كنت اجد الكثير من المفاهيم السائدة ليست واقعية وهي مجرد مثاليات تتحكم فيها الاوهام , كنت ابحث عن ذلك الانسان المجهول الذى لم نكتشف حقيقته بعد , كنت اقول لنفسي لا بد من وجود حقيقة هي اسمى من كل ما يشغلنا تجعل الانسان ارقى فهما للحياة وكنت ابحث عن ذلك الانسان الذى هو اقرب الى الله ويفهم عن الله ما يريد من الانسان , عندما اتأمل فى الحياة اجد فيها سرا لا يمكننا ادراكه , هناك قوة رابعة هي اسمى وارقى , ابحث عنها , كنت اجد كل ما فى الحياة يقودنا الى ذلك المجهول الذى لا يمكننا التوصل اليه , لعل تلك القوة هي قوة الانسان فى خصوصيته الانسانية وهذا سر الحياة اختص به الله وليس مما يجدر ان يهتم به الانسان.ز ..

…………………………………………………………….

نفحات روحية..مسؤولية الانسان عما يختار. .

مما لفت نظرىفىدراساتى العلمية وبخاصة فى دراسات الفقه واصوله وهو الجانب الاكثر اهمية نظرا لانه يرتبط بالحقوق الانسانية , هناك حقوق لله تعالى وهي التى امرنا الله تعالى ان نلتزم بها وان نؤديها كما امرنا الله , واهمها : الايمان بالله والشكر له والقيام بالعبادة التى هي حق من حقوق الله , ولا بد من الطهارة فى بعض العبادات وهي شرط فى الصلاة , والطهارة انواع منها طهارة الاجسام من النجاسات الظاهرة , وهناك الطهارة الاكثر اهمية فى مجالات التربية والتى يغفل امرها كثير من المهتمين بالدراسات الفقهية وهي طهارة النفوس من كل مالا يليق بالانسان المكلف ان يصدر منه مما يتنافى مع العبادة وادب العبادة , مما لا يليق بالانسان ان يكون صفة من صفاته , , معظم الكتب الفقهية اهتمت بالعلم الظاهر المرتبط بالاحكام وتجاهلت المراد من ذلك العلم وهو العمل الذى هو ثمرة من ثمرات العلم , غاية العلم هو العمل , ولا قيمة لعلم لا يثمر عملا وهو كالشجرة التىلاتثمر شيئا , مهمة العلم ان يمسك بيدك ويقودك برفق الى ما هو افضل لك وهو كالنور الذى يهديك الى الطريق , التقوى ليس ثمرة للعلم فكثير من اهل العلم ممن تخصصوا فى جانب منه وملكوا زمامه تنقصهم التقوى , ولا يتورعون عن افعال النقصان , التى لا تليق بكل انسان , ومن اليسير ان نجد الكثير من هؤلاء خلال التاريخ , التقوى امر مطلوب وهي الثمرة لكل علم اذا اذا حسن ولكل تربية اذا ارتقت , العلم وحده لا يكفى لكي يؤدى الى العمل الا اذا التزم به , العلم يحتاح الى عناية الله والتزام صاحبه بما يدعوه اليه من اخلاقية العلم وادبه , العلم وحده اذا لم تكن عناية الله فلا يثمر عملا ,, والتقوى تعنى الاستقامة بمفهومها الواسع , واهل التقوى هم اقرب الى الله بسبب استقامتهم , عندما نتكلم عن الانسان لا بد الا ان نهتم بعمله وسلوكه وما يصدر عنه , الانسان خليفة الله وهو مؤتمن على الحياة ومكلف بعمارة الارض وتيسير اسباب الحياة فيها لكل خلق الله , هذا الانسان لا يليق الا ان يكون افضل وارقى من كل المخلوقات , لكي يستحق هذا التكريم الالهي له , وطهارته الكاملة ليست من النجاسات الظاهرة فقط وانما طهارته من كل مالا يليق بالانسان من انواع السلوك , ولهذا كانت الفضيلة, والمراد بالفضيلة هي الزيادة المؤدية الى الكمال , وليست كل زيادة مؤدية الى الكمال فبعض الزيادات مؤدية الى النقصان , ليس كل غضب فضيلة مع ان الغضب زيادة ولكنه زيادة تؤدى الى النقصان , الانسان هو محور الاهتمام , والانسان هو موطن الاهتمام , اذا استقام الانسان استقام كل شيء , الانظمة والقوانين كلها ادوات بيد الانسان لكي يكون افضل , الانسان الاكثر رقيا يرتقى به مجتمعه وترتقى به قوانينه , وهو الذى يضع لنفسه القوانين العادلة , مهمة العلم ان ينير للانسان طريقه , احيانا يكون العلم مطية الانسان الجاهل لتبرير ظلمه وعدوانه , انه يستخدم علمه لكي يمكنه من العدوان او لتقويض النظام الاجتماعى , كل علم اسهم فى افساد الحياة الانسانية مذموم , افساد الحياة هو ثمرة للجهل والغفلة عن الله , الشر ليس اصيلا فى النفس الانسانية, وانما هو ثمرة لظروف اجتماعية كالظلم والبيئة المنحرفة والعادات الناتجة عن الجهل والتخلف , ومن طبيعة الفطرة انها ترفض الشر والظلم والعدوان فاذا استحلته واعتادت عليه فهذا دليل تربية خاطئة او شعور نفسي بالالم والحرمان والظلم , العلم الذى لا يقود صاحبه الى الافضل والاكمل ليس ميزة لصاحبه , طهارة النفوس تجعل الانسان اكثر خلقا وادبا وحكمة وعدلا واستقامة ونزاهة ورحمة ومحبة واقل قسوة وعدوانية وانانية وظلما , هناك عوامل مؤثرة فى سلوك الانسان هي المزاج والاستعداد, واليوم يتحدثون عن الجينات الوراثية المؤثرة فى السلوك , وهناك التربية والتكوين وهي عوامل مؤثرة فى السلوك , وهناك العادات والاعراف التى تملك قدرة مؤثرة على الانسان , هذه العوامل الثلاث تقود صاحبها الى الاعلى والى الادنى , فقد تسهم فى رقيه وقد تسهم فى انحداره اذا تمكنت منه , الانسان يملك ادوات تنفيذية وهي الاعضاء التى يستخدمها ويسخرها لما يريد, وهي لا تملك اي ارادة منفصلة عن ارادته , وهي اللسان واليد والرجل , فما يريده الانسان ينطق به لسانه وتؤدى يده ما تؤمر به , ويمكنها ان تفعل الخير والشر , والرجل تقوده الى المسجد والى الملهي , لا سلطان لهذه الاعضاء على ذلك لانسان , وهناك الحواس الخمسة كالبصر والسمع والشم واللمس والذوق هي التى تساعده على ان يفهم ما حوله , لا سلطان لهذه الحواس على الانسان , اما بدنه فهو يؤدى مهمته لكي يستقيم ذلك البدن ويكون صحيحا , الانسان هو صاحب الاختيار والقرار وهو المكلف والمسؤول والمخاطب ولا عذر له فيما اخطا فيه عن ارادة وعزم , وله كامل العذر ان اخطأ عن عذر او جهل فى بحثه عن الحق والصواب , والانسان يملك قوى مختلفة فى تكوينه تساعده على التوصل الى الكمال , ولولا هذه القوى لما كان الكمال , هناك قوة التمييز لديه التى تمكنه من حسن الاختيار والسداد , العقل الانسانى هو المستشار الذى يساعد الانسان على حسن القرار , ولكن هذا المستشار لا يملك سلطة الاجبار ولا وصاية له على الانسان , احيانا ينبهك هذا المستشار الى خطأ اذا فعلته ويحذرك مما ينتظرك , احيانا تتنكر لهذا المستشار ولا تنصت له واحيانا تستغنى عنه كليا فتفعل ما حذرك منه , فتقع فىالخطا ولا تجد سبيلا للخروج من ذلك المستنقع الذى قد تغرق فيه , هناك غرائز شريرة مغرية تلح عليك ان ترضخ لها وتستجيب , والنفوس المريضة تستجيب بسرعة , فاذا تمكن منها الغضب اساءت واعتدت وظلمت, واذا تمكنت منها الشهوات رضخت واستسلمت , ما اشد ضعف الانسان اذا تمكنت منه غرائزه واحكمت سيطرتها عليه , هنا تبرز اهمية الدين كعامل اساسي فى كبح جماح الانسان لكيلا يندفع بقوة نحو المنحدرات السلوكية المنحرفة , مهمة التربية الروحية والمجاهدات انها تمسك بزمام الغرائز لا لكي تميتها ولكن لكي تجعلها اقل مما هي عليه من القوة والسطوة , الشعور بالقوة عامل اساسي فى دفع الانسان نحو الهاوية, ومن اهم دوافعه ومهيجاته حياة الترف المذموم والسلطة الطاغية التى تشجع صاحبها على الشعور بالرغبة فى الاستعلاء, وهذا من اهم الاسباب التى تشجع الافساد فى الارض والعدوان والظلم , وكل هؤلاء ممن استعلوا فى الارض ضد المستضعفين لا بد الا ان يذلهم الله ولو بعد حين , وهذه هي التربية الايمانة والروحية التى تخفف من جماح الانسان عندما تتحكم فيه اهواؤه , وفى النهاية نحتاج الى الانسان الذى اراده الله ان يكون متميزا ومؤهلا لبناء الحياة , عندما نؤمن بالله ونثق بحكمته ونلتزم بما امر به نحترم كل لاخرين من الخلق ولو اختلفنا معهم فهم يملكون ما نملك وقد يكونون اقرب الى الله بعملهم الصالح من كل الاخرين ..

……………………………………………….

نفحات روحية..

عندما كنت اقرأ كلمة عن احد اعلام التصوف كنت اتساءل فى حوارى الداخلى مع نفسي عن كيفية التوافق بين المنهجية الصوفية الروحية ذات البعد المثالى وبين مطالب الحياة الواقعية واهمية ان يكون الانسان اجتماعيا ومتعايشا ومشاركا فيما هو مكلف به ومؤتمن عليه من المسؤوليات التى اناط الدين امرها بالانسان وجعله مؤتمنا عليها , كنت اتساءل هل هناك تعارض بين الامرين , وهل يعنى ذلك ان يترك الانسان الاسباب , وهي من العبادة التى امر الله الانسان بها , كنت اضيق بمن يرى ان الصوفية تعنى السلبية والعزلة والغاء التدبير العقلى , وكنت اتذكر ابن عطاء الله الذى كتب عن اسقاط التدبير , لم يكن لدى اي اشكالية فى ذلك التوافق بين المنهجين , وكنت ارى ان احد المنهجين لا يلغى الاخر ولا يتناقض معه , وكان يعجبنى ذلك المنهج الروحي الذى يطرق بابى بين الفينة والاخرى يذكرنى بما كنت غفلت عنه من المعانى الروحية , وتوقفت عند كلمة جميلة كنت اتذكر معناها فى كثير من الوقفات التامليةالتى كنت اعيشها فى منعطفات من حياتى الواقعية , هذه الكلمة لابي طالب المكىفى كتابه قوت القلوب فى الجزء الثانى منه :

فمن عقل عن الله حكمته كان مع الله لاتعالى فيما حكم , مسلما له ما شهده لانه سبحانه باختياره انشأ الاشياء , وبمشيئته ابداها …لا يكون مع نفسه فيما يهواه ولا مع معتاده وعرفه فيما يعقل ,..

تأملت فى هذه الكلمة التىمنحتنى شعورا بالراحة وشعورا بالسكون , وشعرت ان هذا الكون المحكوم بارادة الله وتدبيره يسير كما اراده خالقه ومدبره والحكمة فيما اختاره الله , وكلمة الرضا بما اختاره الله لا يعنى ان يرضى بالنقصان والتقصير, وهذا لا يدخل فى باب الرضا , ومعنى الرضا ان ترضى بقضاء الله من باب الادب مع الله والا تعترض عليه ولا يعنى هذا ان ترضى بالتقصير وتدعى الرضا في كسلك وتقصيرك, وهذا هو الجهل المذموم الذى يتنافى مع المعنى المراد , تلك تاملاتفى لحظات نراجع فيه انفسنا ولا بد لنا من تلك التأملات التى تجعلنا اكثر فهما لما نحن فيه واقرب الى فهم ما اختاره الله لنا وقد يكون الخير فيه عندما تكتشف الحكمة ..

……………………………………………….

 

نفحات روحية

التصوف منهج تربوي روحي يجعلك اكثر ايمانا بالله وما يختاره لك واقل خوفا من المستقبل  و اكثر صمودا في مواجهة المحن واقل استسلاما لأهوائك وهذا يحقق لك صفاءا يحببك بكل الاخرين ويجعلك اكثر رحمة بالمستضعفين ، الصوفي الحق كما افهمه لا يظلم ولا يعتدي ولا يقسو ولا يطغى ويكون اقل استعدا دا للشر واصدق ايمانا بالله وأقرب اليه،

………………………………………………………..

نفحات روحية

اذا احبك الله اراك نعمته عليك فجعلك اكثر سعادة بما اعطاك ،واذا غفلت عنه فقد يعطيك  السلطة والمال ويحرمك من رؤية ما اعطاك ومن لذة ما حسبت سعادتك فيه ، وسلط عليك ما أشقاك ، وشغلك بعدو لك فكبر به همك وثقل به حملك ، تحقق بعيوديتك لله ولا تكبر بثوب البسك الله إياه لكي تحمده وتكون عونا للمستضعفين من خلق الله .

………………………………………………………

نفحات روحية ..كمال يليق بالانسان.

النفس والعقل والقلب مصطلحات مختلفة ولكل منها دلالته الخاصة به ,

 النفس موطن الغرائز الشهوانية والغضبية , والغرائز عمياء لا تبصر ولا تفكر , انها تقتحم عالم الانسان مهما كان ذلك الانسان ولا احد خارج القبضة الغريزية , الغريزة قوة كمال ولولاها لما استقامت الحياة , فكل ما نطلبه من اسباب كمالنا يعود الفضل فيه الى الغريزة , لولا غريزة الشهوة لما طلبنا الطعام والشراب ولما كان هناك اي نشاط انسانى , ولولا غريزة الغضب لما دافع انسان عن اي حق من حقوقه , ولا تستقيم الحياة الا بتلك القوة ,وهي موجودة فى الانسان والحيوان معا , وفى الصغار والكبار فالطفل يطلب الطعام بقوته لغريزية , ليست الغاية من المجاهدات النفسية اماتة الغرائز والشهوات , ذلك تفسير خاطئ لمن اعتقده او سعى اليه , كمال الخلق بكمال استعداده لكل ما يحتاجه للحياة , ولكن القوة الغريزية نظرا لرسوخها وحاجة الانسان اليها واستعداد النفوس لقبولها قد تتحكم وبخاصة اذا تمكنت ووقع الاستسلام لها , الطفل عندما يستجيب لكل مطالبه تنمو لديه الانانية والرغبة فىاستحواز ما بيد اخوته الاصغر منه والاضعف , ولهذا تبرز مهمة المربى الذى يقوم بدور التأديب والترويض لكي يمسك الانسان بزمام غرائزه فلا يستسلم لها , من ملك القوة ولم يخضع لمنهج تربوى صارم فمن المؤكد سيكون اكثر انانية وعدوانية , الكبير يعتدى على الصغير والاقوى يعتدى على الاضعف , القوة والجهل يؤديان الى خلق السفه والرغبة فى العدوان وهذه هي ازمة السفه فى عصر السفه , كان الملوك يختارون الحكماء لتربية اولادهم , وهم المربون , والمربى ليس هو المعلم , التربية لا يحسنها الا الحكماء الذين تعلموا وملكوا الحكمة والبصيرة وهم قلة من كرام مجتمعهم , وغاية المجاهدات النفسية ان تجعل القوى الغريزية الشهوانية والغضبية اقرب الى الاعتدال فلا يتجاوز اذا غضب الى ما لا يليق به , ولا يعتدى على من هو اضعف منه اذا طمع فيه , والطمع هو وليد القوة الشهوانية وهو ثمرة من ثمارها ..

 اما العقل فهو امر آخر يختلف عن النفس انه مكرمة من الله للانسان لكي يميز به بين الخير والشر فيختار الافضل والاكمل , العقل قدرة تحتاج الى تنمية لكي يتمكن من حسن الاختيار وحسن القرار , والعقل له جناحان الاول هو الملكة الفطرية التى يملكها الانسان بدرجات متفاوتة , وهناك الجناح الاخر وهو الجانب الكسبي الذي يسهم الانسان فيه عن طريق العلم اولا وعن طريق التجربة الانسانية ثانيا , طريق العلم هو التعلم , ومكان العلم هو القلب وليس العقل خلافا لمن يرى خلاف ذلك , والقلب هو الذى يجعل العلم اكثر اخلاقية وانسانية , فاذا توقف العلم عند حدود العقل ولم يتجاوزه كان صاحبه اكثر عدوانية واقل انسانية وهو كالسيف بيد جاهل فقد يقتل به فى لحظة غضبه , والذين اخترعوا السلاح المدمر والقاتل هم علماء وعقلاء ولكنهم ليسوا انسانيين ولا اخلاقيين , ما اقسى ما يفعله العلم عندما يستخدم لتدمير الانسان , هناك علماء سفهاء كانوا اكثر ظلما ونفاقا وكانوا اداة بيد الظالمين والمستبدين , العلم عندما يكون موطنه القلب يكون اكثر انسانية ورحمة فلا يظلم ولا يقتل , غاية العلم لا ان تميز فقط وانما ان تستنير بالعلم وترتقي به فى مشاعرك وعواطفك فتكون اكثر استقامة وصدقا وتعاطفا مع المستضعفين , الحيوانات تملك عقولا وتختار وتنتقم وتهرب عندا يقع اي عدوان عليها ولكن ذلك العقل هو اقرب للغريزة لا انسانية فيه ولا رحمة , وعندما يكون الحيوان اكثر قابلية للتعليم والتدريب والتاديب كان ارقى من الحيوان الاخر فالخيول اكرم مكانة من الحيوانات الاخرى التى لا تحسن التعليم , الخيول تفرح بمن يمتدحها ومن يمسح على ظهرها تشجيعا وتكريما واعجابا , مهمة العلم ان يرتقى بمستوى العقل لكي يكون اكثر فهما لما يحيط به , الغاية من قراءة التاريخ ان تستفيد من تجارب السابقين , وهذا من العلم , العلم لا يعنى ان يكون صاحبه افضل , هناك من يعلم ولا يحدث العلم اي تاثير عليه فلا يستفيد من علمه وكانه جاهل , وهذا كثير و غاية العلم ان يوصل المعلوم الى القلب فيحدث اثره فيه وينعكس ذلك على السلوك فان لم يحدث اثره فى القلب فلاقيمة له , غاية العلم احداث المعرفة الانسانية فاذا لم تكن هناك معرفة فلا اهمية لذلك العلم , المعرفة اشمل وهي ثمرة العلم , ان تكون اكثر انسانية واخلاقية ورحمة , قساة القلوب هم الغافلون الجاهلون ولو كانوا ممن ملكوا العلم ظاهرا فكانوا به اشد قسوة وارسخ جهلا , العقول يمكنها ان تفهم العلاقات السببية وقوانين الطبيعة وقوانين النفس , ولا تتجاوز ذلك الى ادراك ما تجاوز ذلك من العواطف الانسانية التى تجعل الانسان اقرب الى الكمال الانسانى , كل الناس يمكنهم ان يشتهوا ما يحبون من المآكل والملذات, وقلة منهم يختارون منها ما يحقق الكمال لهم , وكثرة من الناس يغضبون وقلة منهم يمسكون بزمام غضبهم فلا ينتقمون ولا يعتدون ,

 عندما نحسن فهم قوانين الحياة نفهم جيدا ما نراه اليوم من سلوكيات الافراد والقادة والدول وكل الجماعات الانسانية , هؤلاء هم جزء من واقعهم يرتقون وينحدرون ويعبرون عن قيم مجتمعهم وتربيتهم , لن ننهض ابدا الا اذا ارتقت رؤيتنا للانسان لكي يختار الاكمل له , ليس الكمال ان تكون اكثر مالا واكبر مما انت سلطة ولا ان تكون اوسع علما وثقافة, وانما ان تخضع كل ذلك لمعيار اسمى للكمال وهو ان تحب الكمال لذات الكمال وهو الاستقامة اولا وان تحب العدالة ثانيا وان تكون اكثر رحمة ثالثا , وهذا هو الرقي الحقيقي والكمال الذى يليق بالانسان .

…………………………………………………………………

( الزيارات : 836 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *