ازمة وانفراج ..وصدور المرسوم التنظيمى

أزمة جديدة … وانفراج

مرت أربع سنوات وكانت الأمور جيدة، والمناقشات العلمية مستمرة، والإقبال يزداد على الدار, والخريجون يتوزعون على الجامعات وتتنافس شعب الدراسات الإسلامية على تعيين من فيها، فقد أنشئت هذه الشعب حديثاً وبجهد محمود، وأحدثت هذه الشعب توازناً داخل الجامعات بين التيارات الفكرية والسياسية، وأصبح التيار الإسلامي موجوداً ويؤدي مهمته في مواجهة التيارات العلمانية التي كانت قوية، وقد أُحدثت هذه الشعب للتأكيد على أهمية العناية بالثقافة الإسلامية، والمغرب بلد مسلم،  والإسلام عميق الجذور في المجتمع المغربي، إلا إن الطريقة التي يقدم بها الإسلام كانت تقليدية، وكانت العناية بالتربية الإسلامية في المدارس ضعيفة ،  وارتبطت صورة الإسلام في نظر الشباب بالتقاليد التي كانت سائدة في الأعياد والمناسبات الدينية والعبادات والتمسك بالقيم القديمة المحافظة سواء في مجال الأسرة أو في الحياة العامة ..

وحاولت دار الحديث الحسنية أن تسهم في تغيير صورة الإسلام في المجتمع من خلال اهتمامها بالقضايا الفكرية المعاصرة وأسهم أبناؤها في تقديم صورة مضيئة للإسلام، وأن تهتم بالبحوث العلمية وأن تحظى باهتمام الباحثين المغاربة، وأراد السيد وزير التربية والتعليم العالي أن يوجه الاهتمام إلى شعب الدراسات الإسلامية الجديدة عن طريق التضييق على خريجي دار الحديث من حملة الشهادات العليا، وكان عددهم يتكاثر في كل عام، وامتلأت شعبة الدراسات الإسلامية بأبناء الدار الذين يحملون الشهادات التي تؤهلهم للتدريس.

وكان الوزير يعتبر دار الحديث خارجة عن نطاق وزارته، وإنه يجب إضعافها وإرباكها لكن لا تكون منافسة للجامعات الأخرى ، ولم تكن الدار حتى ذلك التاريخ تملك مرسوماً معتمداً ينظم الدراسات والمناقشات والامتحانات، وكنا نطالب الوزارة بذلك ولا تستجيب، وكنا نسير وفق قرارات إدارية داخلية ليس لها سند قانوني معتمد، وكنا نعرف ذلك ونعمل لإصدار المرسوم المنظم للدراسات…

ولما شعر الوزير  المختص أن دار الحديث تسير بشكل طبيعي بغير قانون وجه رسالة رسمية إلى إدارة الدار يطالبها بتوقيف أية مناقشات علمية في الدبلوم و الدكتوراه لعدم وجود مراسيم منظمة لهذه الشهادات، وكان بإمكاني الاستمرار في المناقشات وتقديم شكوى إلى الملك في الموضوع، وهذا ما أجمع عليه أساتذة الدار، ولكنني كنت مخالفاً لهم، ووجدت الفرصة للعمل عني إصدار المرسوم الوزاري. وأوفقت المناقشات فوراً وأبلغت الوزير بذلك وطالبته بتشكيل لجنة لإعداد المرسوم، وتشكلت اللجنة، وكنت أحد المشاركين فيها، ووضعنا المرسوم التنظيمي كما نريده أن يكون, وأدخلنا كل الاصلاحات والقرارات التي كنت أتخذتها في السابق ضمن المرسوم،, ونص المرسوم على اعتماد كل الإجراءات والاصلاحات  والشهادات التي صدرت سابقاً , وكانت هذه خطوة كبيرة، وفيها تستكمل كل خطة الاصلاح، ونعطي لدار الحديث حماية قانونية دائمة، بحيث لا يمكن بعد ذلك التعرض لها، لأنها أصبحت محمية بالقوانين والمراسم الرسمية التي يقرها المجلس الوزاري

ولما اطلع الوزير على مشروع المرسوم لم يصادق عليه، وكنت أصر على اعتماده كما هو، وبخاصة ما يتعلق بالاعتراف بكل القرارات السابقة والشهادات المعتمدة، واتخذنا قراراً بايقاف كل الرسائل والأطروحات العامية إلى أن يصدر المرسوم ، ولم يضايقني هذا  التوقف مهما طال أمده لأنني كنت أدرك أن هذا هو الطريق الوحيد لإصدار المرسوم، وبدأت الضغوط الكبيرة على الوزير لإصدار المرسوم ، وأصبح الوزير يجد معارضة في كل مكان وانتقاداً حيث ما ذهب، والكل يسأله عن أسباب إيقاف المناقشات بدار الحديث، وضاق بما كان يلقاه من ضغوط، وكنت انتظر ولم أخاطب الوزير قط في هذا الأمر مع أنني كنت ألقاه في اجتماع الأكاديمية باستمرار ، وكان يريد أن اطلب منه إصدار المرسوم ولكنني لم أفعل ، وزاد التعاطف مع الدار، وأدرك معظم الناس أن المؤسسة تتعرض لضغوط مستمرة للنيل منها وإضعاف مسيرتها، وانتظرنا ثلاث سنوات والمرسوم لم يوقع، وبلغت أصداء ذلك إلى الملك، وأكبر الملك موقفي في التعامل مع هذه القضية، وعرف الملك ماأريده منه ..

وذات يوم، وكنا في شهر رمضان حيث تكون الدروس الحسنية، وناداني الملك ثم نادى الوزير الدكتور عزالدين العراقي وسألني عن دار الحديث فقلت له هذه الدار بخير مادامت الرعاية الملكية قائمة، ثم قال لي: هل استأنفتم المناقشات قلت له , نحن بانتظار المرسوم، وأشرت إلى الوزير، والتفت الملك إلى الوزير وسأله متى يصدر المرسوم قال له: سيدي سيصدر المرسوم بعد أسبوع، وانتهى اللقاء، وبعد أسبوع أحيل المرسوم إلى المجلس الوزاري وتمت المصادقة عليه..

وكان انتصاراً كبيراً للمؤسسة، فلقد أصبحت قوية الجذور محمية بالقوانين، ولا يمكن لأحد بعد الآن أن يمسها أو يتعرض لها، وهذا ماكنت أريده، لقد استمرت عشرين سنة فى انتظار إصدار قانون لها ، والآن بدأت مرحلة جديدة ..

 

( الزيارات : 801 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *