التعددية ليست سببا للتنافر..

ذاكرة الايام..التعددية ليست سببا للتنافر..

عندما كنت اكتب كتابى المدخل للتشريع الاسلامى كان من الضرورى ان تكون الصفحات الاولى منه عن نشأة الفرق الاسلامية , وقد نشأت  قبل نشأة المذاهب الفقهية باكثر من قرن , وقد كانت البداية فى منتصف القرن الاول الهجرى بعد الخلاف السياسي الاكثر اهمية الذى اعقب مقتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان على يد طائفة من الثائرين عليه , ولما تولى الامام علي بن طالب الخلافة خرجت طائفة من اتباعه عليه وسمي هؤلاء بالخوارج الذين حاربوا الدولة الاموية , وبعد مقتل الامام الحسين بن علي ظهرت الفرقة الثانية وهي الشيعة الذين اعلنوا موقفهم المؤيد لأل البيت الذين اضطهدوا على يد الامويين وطوردوا فى كل مكان , وتعاطف الفرس نكاية بالدولة الاموية معهم ضد الدولة الاموية العربية وغالوا فى محبتهم والدفاع عنهم , وهناك الفئة الثالثة وهي اهل السنة الذين تمسكوا بظاهر القرأن والسنة ورفضوا ما ادعاه الشيعة من فكرة الامامة وما ادعاه الخوارج من مواقف واراء تختلف عن اراء اهل السنة الذين وقفوا موقف الحياد فى هذا الصراع على الحكم والتزموا برأي جمهور اهل العلم  , سواء فى مجال العقيدة اوفى مجال الفقه , ثم اختلف الشيعة وانقسموا الى طوائف مختلفة واحيانا متنافرة بسبب خلافاتهم حول الامامة ومن هو الامام الاحق بالامامة , وظهرت الزيدية والجعفرية والاسماعلية وهناك طوائف باطنية اوغلت فى التاويل وانحرفت عن جادة الاسلام بادعاء ات باطنية تخالف ما ذهب اليه الاخرون , ثم ظهرت المذاهب التى اهتمت بمسائل العقيدة وسميت بعلماء الكلام وسمي علم الجدل بعلم الكلام , وكثرت المناظرات لكسب العامة عن طريق التفوق فى الحجة والاستدلال , واشتهرت الاشعرية والماتريدية والمعتزلة , وظهرت المذاهب الفقهية السنية وهي منهج اهل الرأي ومنهج اهل الحديث والمنهج الوسطى الذى نسب الى الامام الشافعي الذى كتب كتابة الاول عن علم اصول الفقه لضبط منهج المجتهدين , وكان كتاب الرسالة هو الكتاب الاهم والاول فى اصول الفقه , وما زلت اذكر اننى وقفت حائرا مترددا امام هذه المذاهب المتعددة والمتنافرة والمتعارضة وكدت اتوقف عن الكتابة وشعرت بالحزن وانا اخوض هذه المجاهل فى غابات متداخلة لاتكاد ترى منها شمس النهار او ضوء القمر, وكان لكل فريق علماؤه وكتبه واصوله وفقهه وادلته وليس من السهل ان تنكر على من اعتقد شيئا انه على غير هدى من امره , وتذكرت اننى فى دراستى الاولى كنت ادرس الفقه الشافعي وانتمى كما كان يطلق على مجتمعنا اننا ننتمى الى المذهب الاشعرى , وقد اضيف الى كل هذا ذلك الخلاف بين الصوفية والسلفية , والصوفية ليست واحدة ,  وهناك طرق كثيرة  ومتنافسة  فيما بينها على المشيخة  ولو فى نطاق الاسرة الواحدة ولكل طريقة شيخها ومنهجها ومفاهيمها الخاصة بها , منها ماهو صحيح ومنها مالااصل له فى الدين وهووليد اعراف نمت وترسخت حتى اصبحت من ثوابت الدين والطريق , وهناك السلفية العلمية التى ترفض ان يضاف الى الدين ماليس منه من المفاهيم والاحكام وهناك السلفية الوهابية وما تفرع عنها من سلفيات لا تخلو من شطحات وانزلاقات وتطرف فى الاحكام يصل الى تكفيرواتهام بالشرك  لكل الاخرين ,  وكنت اخاطب نفسي وانا اتأمل فيما اراه من هذه المذاهب والطوائف , واقول هامسا :

 اين الحق واين السداد والصواب , هناك كتاب الله وسنة رسوله فلماذا نختلف ونتباعد ونتنافر , لقد جمع الاسلام ما تباعد من القوميات والشعوب وجعل كل المسلمين امة واحدة , الا تكفينا كلمة الاسلام , لو تخلينا عن مطامعنا , ولو اخلصنا النية لله تعالى لما اختلفنا على السلطة والحكم وارادة التميز عن كل الاخرين , من حق الجميع ان يختار لنفسه ما يترجح له بالحجة والدليل , كنت  ارى كل طائفة لها ماتنفرد به , فمحبة ال البيت  والتعاطف معهم ضد من ظلمهم امر لاخلاف فيه , ولم اجد من اهل السنة من يبغض اهل البيت او يفرح بمحنتهم ,  فلماذا نغالى فى تلك المحبة ونسيء الى كل الاخرين ممن لم يكونوا معهم فى هذا التنافس على الحكم , ومنهج المعتزلة له اصول وله ثوابت ولا نستطيع ان ننكر عليهم ماهم على حق فيه , وقد اطلعت على اهم كتبهم فى العقيدة والفقه ولم اجد فيه ما يمكن ان يكون من المنكرات وقد كانوا اهل تقوى ودين وعلم وقد  اجتهدوا فى امرهم وبالغوا فيما ذهبوا اليه  , وقد التقيت بأئمة الفقه الاباضى فى سلطنة عمان وكنت انصت لهم وافهم جيدا ما يقولون , ولهم منهج يستحق الاهتمام فى موضوع الحكم والشورى , اما الزيدية فلا تكاد تجده مختلفا عن منهج الفقهاء السنة ولهم منهج اصولي متميز فى الفهم ولهم كتبهم المعتمدة , وقد نقل ابن رشد المالكي  فى بداية المجتهد  الكثير من اراء علماء ال البيت فى معظم الاحكام الفقهية , وقد عشت فى بيئة صوفية اصيلة وعرفت الكثير من مفاهيمها ومناهجها التربوية  من مصادرها  المعتمدة  , كما التقيت بائمة السلفية الوهابية وكنت استاذا فى اهم معاقلها فى الرياض وهي جامعة الامام والتقيت باعلام هذا المذهب من علماء ال الشيخ , ولم اجد تنافرا يستحق هذا التباعد والتنافر والتباغض ولو انصت كل فريق للاخر لما كان هذا التنافر , لوحسنت النيات وانصف الجميع  وكانوا  اكثر اخلاصا واقل تعصبا فى المواقف واستقل اهل العلم عن اطماع السياسيين  وارتقوا وصدقوا  لما كان التباغض والتباعد   ولما اساء كل فريق الى الاخر , كانت السياسة والصراع على السلطة من اهم الاسباب التى ادت الى هذا التنافر والتباعد , الدين يجمعنا والسياسة تفرقنا والاطماع الدنيوية تجعلنا اسرى لاهوائنا , من حق كل فريق ان يعبر عن رأيه واختياره وان يكون له منهج فى الفهم , التعددية الثقافية والفقهية والمذهبية والتعددية القومية واللغوية ليست سببا للتفرق والكراهية والبغضاء ,الاسلام يجمع ولا يفرق وليختر كل فريق ما يترجح له انه الحق ويجد له الدليل والحجة , ما ضقت يوما بأخر  ابدا مادام الاسلام يجمعنا , من حق كل مسلم ان يفكر وان يأخذ  بما يترجح له الحق بشرط الايخالف ما امر الله او رسوله به من ثوابت الدين  , دعونا نختلف وفى كل ذلك خير, من كان قادرا على معرفة الدليل من اهل العلم فيجب عليه ان يأخذ بالدليل , ومن لاقدرة له على الفهم فعليه ان يجنهد في تقليد من يترجح له انه على حق وصواب , المهم ان نؤمن بالله وان نعمل صالحا يحقق المنهج الذى اراده الله لعباده , وهو منهج يدعو الى مافيه الحياة واحترام الحياة واحترام الانسان فى كرامته والا يكون هناك ما يحرمه الله من الشرك والظلم والعدوان , مازلت اتطلع الى هذه المنهجية الاخلاقية والانسانية التى تجعل عالمنا الاسلامى اكثر تماسكا وتقاربا وتكافلا واكثر قوة وقدرة على الصمود فى وجه العواصف التى تهدده من كل الاخرين الذين يريدون ان يفرضوا وصايتهم على شعوبنا وعلى ارضنا وعلى مصالحنا المشروعة فى الامن والسلام ..

( الزيارات : 1٬155 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *