الخطاب الشرغي والمخاطب به

كلمة اليوم
ثوابت الفكر الاسلامى
كل العلوم الاسلامية انطلقت من كلمات اصولية ثلاث :
المُخاطَب والمُخاطِب والمُخًاطَب به ..
وقال الاصوليون :الحاكم والمحكوم عليه والمحكوم به.
فما المراد بهذه المصطلحات التى اختلف العلماء فيها قديما وحديثا , لو انطلقنا من هذه الثوابت لضاقت دائرة الخلاف فيما بيننا ولكان الخلاف فى الفروع لا فى الاصول..ساحاول ان ابسّط الحديث فى شرح هذه الكلمات الاصولية الركنية الاساسية التى قام عليها اهم علم شرعي وهو علم اصول الفقه..
الكلمة الاولى : المخاطِب بكسر الطاء.. وهو الله تعالى فلا مخاطب سواه وسبيل هذا الخطاب هو الوحي الالهي الذى انزله الله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم , والرسول هو المبلغ لذلك الخطاب والمؤكد له والمخصص لما كان عاما منه والمقيد لما كان مطلقا والمبيّن لما كان مجملا , وكل ما جاءت به السنه النبوية فهو من باب البيان وما انفردت به فلابد الا ان يكون مبنيا على اصل فى القران الكريم ..ولا ينبغى ان يكون هناك اي خلاف فى هذا الركن , ومن المؤسف ان معظم الخلافات الكبيرة وقعت فى قضايا العقيدة واصولها وادت الى تلك الخلافات العميقة بين الطوائف الاسلامية بالرغم من وضوح الثوابت فيها وامكان التوصل فيها الى الحق فلا.يجوز الخلاف فى هذا الامر المرتبط بسلامة العقيدة واستقامتها والاخلال بها من الكبائر المخلة بالايمان ..
الكلمة الثانية : المُخاطَب بفتح الطاء, وهو الانسان المكلف المخاطب بالخطاب الشرعي , فمن هو هذا الانسان المخاطب , ومتى يكون مخاطبا , والخلاف فى هذا الركن اقل من الركن الاول , وهو فى الفروع , والمخاطب بالخطاب هو المكلف بالفهم والتفسير والتأويل , وهذا المخاطب متجدد فلا يخاطب بالخطاب الا من هو مكلف به وموجه له , والاحياء هم المخاطبون وكل جيل مؤتمن على فهم الخطاب بما يراه محققا لاهداف ذلك الخطاب ومؤديا لمقاصده المرجوة فى حماية المقاصد الشرعية الخمسة حفظ الدين والنفس والمال والعقل والنسب , ومن تخطى اوامر الدين فى حفظ هذه المقاصد فهو آثم ومعاقب ومسؤول , ولا عذر لمقلد فيما يعلم , ومن علم فيجب عليه ان يعمل بعلمه وهو مثاب ولو اخطأ فيما راى فيه الصواب وهو مكلف بالنظر وليس بالصواب فلا احد يعرف الصواب , واساس التكليف هو العقل وهو المخاطب , وهو اداة الفهم والتمييز , فمن عطل العقل او استخف به فقد خالف منهج التكليف , ومن حق العقول وهي مختلفة فى ادراكها ان تختلف فى الفهم وان تتعدد اراؤها , ولا احد يمكن ان يحتكر الحقيقة والصواب او يدعي معرفة مالا يعرفه الاخرون او يدعى معرفة الغيب الذى لا يعلمه الا الله او يرى نفسه يمتلك الحقيقة دون غيره , وكل انسان مطالب ان يجتهد فيما هو قادر على معرفته ويقلد من هو اعرف منه فيما هو عاجز عنه فى كل الامور الدينية والدنيوية .ويستانس بتجربة السابقين وارائهم واجتهاداتهم , وهذا لا يلغى مسؤولية كل جيل عن فهم الخطاب الموجه اليه فيما يتعلق بتحقيق المقاصد الشرعية بما يلائم كل عصر وجيل ..
الكلمة الثالثة . المُخَاطَب به وهو المحكوم به عند الاصوليين وهو النص وما يستنبط منه من الاحكام الذى خوطب به الانسان عن طريق الوحي والنبوة , ولاحكم خارج هذا الخطاب , و مهمة الانسان ان يفهم ذلك النص عن طريق فهم الدلالة اللغوية له من غير تجاوز لها او خروج عن مدلولها المستفاد منها , والدلالات اللغوية ليست واحدة فقد تتعدد بحسب فهم المخاطب لها , واقربها للصواب ما كان اقرب للمعنى المراد بها وهذا هو اقصى جهد يملكه الانسان , وكثرة الاراء الفقهية دليل على حرص الفقهاء على بذل جهدهم للاسهام فى التوصل الى الحق الذى اراده الله وهو مراد الله تعالى , فى العبادات والاحكام , وما زال طريق الفهم مفتوحا ولا يمكن اغلاقه ابدا لتجدد الحاجة الى تحقيق المصالح الشرعية المعتبرة , وما يصلح لعصر قدلا يصلح لغيره لاختلاف مفاهيم العدالة ومعاييرها وتعدد اساليب الظلم فى الحقوق وسلوكيات السفه ووسائل الطغيان , فى المعاملات والمبايعات والانظمة المالية والاجتماعية والسياسية , وكلما تطور وعي الانسان وتعمقت ثقافته الاسلامية ونمت معارفه ومفاهيمه للدين ومقاصده المرجوة منه كان اكثر وعيا بحقوقه وتمسكا بها ودفاعا عنها , وقد اختلف الفقهاء قديما وحديثا وتعددت اراؤهم فى فهم الدلالات , وهذا امر حتمي وظاهرة ايجابية وتدل على سعة العقول بما تفهمه وسعة الصدور بما تراه صوابا وهذا التعدد حق ثابت لكل المؤهلين للفهم من العلماء , وهذا هو سبب الاختلاف الفقهي بين ائمة المذاهب الفقهية . وهذا من اسباب اغناء الفكر الفقهي بجهود الاجيال المتلاحقة من العلماء فى مختلف عواصم العلم فى بلاد الاسلام ..
اننا مدعوون اليوم الى تضييق دائرة الخلاف فى الثوابت المرتبطة بالعقيدة والحقوق الاساسية لكيلا لا يؤدى الخلاف الى التباعد والتفرقة والتصارع , والكل مؤتمن على الاسلام ولا عذر لاحد فيما اسهم فيه من اضعاف الاسلام عن طريق التعصب والجهل والتنافس والتصارع , ولا احد خارج المسؤولية امام الله عما اسهم فيه , فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا 

( الزيارات : 1٬429 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *