الدروس الحسنية فى المغرب ظاهرة حضارية

كانت الدروس الحسنية هي الظاهرة الأهم التي هزت كياني عندما رأيتها لأول مرة، رأيت شيئا مثيرا وجميلا ورائعا، رأيت عظمة العلم وكرامة العلماء، رأيت عصر العباسيين ومجالس المأمون…

شيء رائع أن تخاطب الملك في قصره وأمام رجال دولته ووزرائه وشعبه، وتراه يصغي إليك ويسمع منك، ويثق باختيارك لأفكارك وانتقائك لعباراتك…

تمنيت من كل قلبي أن أرى هذه الظاهرة الأصيلة في قصور كل الملوك والأمراء والرؤساء، وان يجدوا شجاعة في دعوة العلماء للكلام في مجالسهم، ولو مرة واحدة في رمضان، أن هذا يسعد شعبنا على وجه التأكيد، ويخفف من مشاعر الإحباط في نفوسهم…

لقد اعتدنا أن نسمع حكامنا كلمات المدح والثناء واعتاد حكامنا على سماع ذلك، وضاق شعبنا بما يسمع من مبالغات في عبارات الإطراء والتملق، ولو التزمنا الجدية والموضوعية لكان لقاؤنا بحكامنا أكثر فائدة وهم بحاجة لكي يسمعوا صوت شعوبهم من حناجرهم المبحوحة، لا من حناجر المتزلفين….

وخلال مشاركتي في الدروس الحسنية سواء عندما كنت ضيفا زائرا قادما من المشرق أو عندما أصبحت مقيما مسئولا عن إدارة لم اسمع قط أي توجيه أو ملاحظة أو نصح يدفعني لاختيار موضوع أو تعديله أو التطرق لأي فكرة أو الإتيان بأي عبارة للمدح والثناء، وكنت اختار موضوعي وأفكاري وألفاظي بكل حرية، وكان هذا مما يشعرني بالمسؤولية الجسيمة…

وما زلت أعاتب نفسي على بعض الأفكار التي أدركت فيما بعد أنني يجب أن ابتعد عنها، لصعوبة قبولها وما يمكن أن تثيره من دلالات، واعترف بعد أكثر من ربع قرن أنني أخطأت في بعض المواقف، ورغم هذا فقد كان الملك الحسن الثاني في غاية النبل والشجاعة والسعة، كان يدرك أنني صادق فيما أقول، ولم اقل كلمة واحدة بنية الإساءة والنقد، معاذ الله أن افعل ذلك… ولكنني كنت أقول ما أؤمن به بحسب قناعتي الذاتية…

سيبقى اسم الدروس الحسنية كما كان، وستبقى هذه الدروس هي الظاهرة الأكثر روعة والمعبرة عن أصالة الأعراف المغربية، واعتزاز ملوك المغر

( الزيارات : 691 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *