السيد النبهان فى العراق

ذاكرة الايام.. السيد النبهان فى العراق 

ما زلت اذكر ذلك اليَوْمَ فى بداية الخمسينات من القرن الماضى في قرية الجابرية. القريبة من حلب التي كان السيد النبهان طيب الله ثراه يقضي فيها. الصيف  مع اسرته وكان يستقبل كل يوم الزائرين الذين كانوا يزورونه فى تلك القرية ، وكانت قرية صغيرة جدا , ويسكنها عدد قليل من الاسر التى كانت تعمل فى زراعة الارض ، وكانت القرية تضم الكثير من البساتين الجميلة التي كان نهر قويق.وعينً مبارك. يجري في وسطها ، فيمنحها جمالا خاصا وروعة   ، وكان السيد النبهان يحب ان يذهب اليها بعد عصر كل يوم. ، ويمشئي فيها. الي ما بعد الغروب مع بعض اخوانه المحبين ، كان يتكلم. وهو يمشي ،. عندما يتكلم. يقف ويلتفت اليهم. ويخاطبهم.ويشرح لهم فكرة  ، ثم يواصل السير ،. وكنت يومها في. العاشرة من عمري. وطلبت منه ان يشترى لى خروفا ارعاه لاننى احب ذلك فاشتري لي اربع غنمات وكنت ارعاهم. في تلك البساتين واعود بهم الي القرية فى المساء  وانا سعيد باغنامي ، كنت اتذكر كل ذلك , واحيانا كنت اذهب الي البيدر وهو المكان الذي يتم في. جمع. سنابل القمح. بعد حصادها  ويتم. تفكيك السنابل  عن طريق. عربات خشبية  برؤوس حديدية  حادة . تقوم. باستخراج القمح من تلك. السنابل. وما يبقي يسمي التبن الذي يعطي كطعام للحيوانات ، وتذكرت. انني انني كنت اقف عند باب البيت ,  وؤأيت  سيارة قادمة من بعيد باتجاه القرية ،. وتوقفت السيارة ونزل منها رجل لم اكن اعرفه من قبل وكان يضع عمامة علي راسه ويرتدي  جب  ، ولَم يكن معتادا ان يقود العالم سيارة وهو يضع العمامة على راسه ، وسألني اين السيد النبهان ، قلت له : انه في البستان. القريب ، قال : ارجو ان تأخذني اليه ، وركبت معه في سيارته ، وسرنا باتجاه. البستان ،. وكان يبعد اكثر من الف متر عن القرية ، واستقبل السيد النبهان الضيف بحفاوة. كبيرة ، وسأله عن العراق ، واهل العراق ، وتابع السيد حديثه  الذي كان  يتحدث فيه. واخذ الرجل ينصت  باهتمام واخرج من جيبه دفترا واخذ يسجل فيه ما يسمع ، وكنا نسمى تلك الاحاديث بالمذاكرة  وكان الكل ينصت بادب ..  اهم ما يقع الحديث عنه عن محبة الله والوجود والانسان. ، موضوعات ليست معتادة , وجلس الرجل. ينصت باهتمام  ، ما زلت اذكر هذا الموقف. , ، كان هذا الضيف هو الحاج محمود مهاوش الكبيسي الرجل الذى احب السيد وتعلق به واقام فى حلب قرابة عشر سنوات , وكان يصاحب السيد وقريبا منه ، وهو اول رجل من العراق يزور السيد النبهان ، كان الرجل ينصت باهتمام كبيرواعطى الصحبة حقها  ، كان ذلك اليَوْمَ هو اليَوْمَ الاول. الذي رأيت فيه. ذلك الضيف من العراق ، وبدات صلة السيد المهاوش بالسيد النبهان فيما بعد تكبر وتتسع ، كان احد ابرز تجار العراق , كان علما وتاجرا ، وافتتح محلا في خان النحاسين. في المدينة ، واقام في حلب الي جانب السيد  النبهان ، و كان يصحبه احد اصدقائه وهو السيد الحاج جاسم الفياض من الفلوجة. الذي اصبح فيما بعد من اهم اخوان السيد الذين صاحبوه الى يوم وفاته واتسعت صلة آل الفياض جميعا بالسيد النبهان وما زالت حتى اليوم  ، ولما عاد الحاج محمود الي العراق اخذ يتحدث عن الشيخ النبهان. في كل مجالسه. ، وبدأت الزيارات من العراق الي حلب ،. وما زلت اذكر الكثير من العلماء والتجار ومن كل طبقات المجتمع. العراقى  ، وبخاصة من الفلوجة ، والانبار ، وما زلت اذكر الكثير من الوجوه التي عرفتها , وكنت اقوم باستقبال الضيوف واحضر كل المجالس ، وعرفت الكثير منهم الي حقبة الستينات عندما غادرت حلب ، عشر سنوات. كنت قريبا من السيد في كل مجالسه وزياراته ، وكان من طبيعة السيد انه كان يحب الريف والاشجار.والمزارع  ، وكان يخرج كل يوم بعد العصر الي مزرعة. بالقرب من خان العسل، تسمى الكرم , وكان يصاحبه عدد من اخوانه ومن ابرزهم الحاج محمود. مهاوش ، والحاج جاسم الفياض والحاج فوزي شمسي والحاج احمد الصغير وابو عمر الدباغ والحاج محمود ناشد وفى يوم الجمعة كان معظم الاخوان يجتمعون فى الكرم ويتناولون طعام العذاء فيه الى المغرب ، وفِي بعض  الاحيان كان السيد يذهب الي احد بيوت اصحابه. ، ويقضي معظم المساء فيه في مذاكرات راقية المعانى , ولا شيء  من امر الدنيا يثير الاهتمام  , كان الكل ينصت  بادب وكان على رؤسهم الطير  ، وكثرت زيارات. اهل العراق. وبخاصة  من العلماء ، وعرفت الكثير منهم , وابرزهم من علماء العراق السادة امجد الزهاوي علامة العراق  ومحمود الصواف   الشخصية المعروفة  وقاسم القيسي مفتى العراق وعبد العزيز السامر ائي وعبد الستار الكبيسي  والحاج محمد الفياض. والشيخ ناظم العاص  والشيخ عبد الملك السعدي وحمد الكبيسي ، كان الحاج محمود هو الاول. ، وما ازال اذكر  تلك الايام ،. وبعد عشر سنوات انتقل الي دمشق , واستمرت صلته كما كانت قوية بالسيد ، وكان ينام احيانا. في الكلتاوية قبل المدرسة , وكانت له غرفة. فيها يقضي فيها فترة اقامته في حلب ، وسوف يظل اسم الحاج محمود مهاوش هو الاول من اخوان العراق فيما أذكر ، وفيما بعد اصبحت الوفود القادمة من العراق لا تتوقف على امتداد العام ، وكان السيد يحب اهل العراق ويكرمهم في مجالسه ويثني عليهم ، وكان يقول عن اهل العراق:  انهم اهل صدق ووفاء ، ويخص الفلوجة. واهلها بمحبة خاصة ،. ويجد فيها الكثير من الايمان والصدق والوفاء ، وكان من طبيعة السيد مهاوش انه كان يكتب ما كان يسمعه من كلام السيد واعد كتابا سجل فيه ما كان يسمعه ، انه الرجل الاول الذي وفد علي السيد النبهان ، وكل من جاء بعده كان بفضل جهده وصدقه ، كنت ار ي الوفود العراقية. كل يوم ، من العراق الي الكلتاوية ، ومن الكلتاوية الي العراق ، وفيما بعد ، وبعد خمسين عاما تفرغ الاج الشيخ. هشام الالوسي من العراق لجمع تراث السيد النبهان. والتعريف به واعد عدة ترجمات للسيد النبهان ، ولا اشك ان رحلة السيد الي العراق تستحق ان تسجل بدقائقها ، انها تتضمن الكثير مما يستحق ان يذكر.  ،باسم الرحلة العراقية ,  اعتقد ان الجيل المقبل سيكون اقدر علي فهم. الكثير من منهجية السيدالنبهان  التجديدية. في نطاق الفكر الصوفي كمهجية اصيلةً. خالية من. الشطحات التي. تراكمت واساءت الي حقيقة التصوف كمدرسة تربوية  ،. اعتقد ان ما نكتبه اليَوْمَ عن السيد النبهان ليس سوي مشاهدات. علي ما عشناه ورأيناه. ، وقد يحظي باهتمام الاجيال المقبلة. بطريقة. اكثر موضوعية وعلمية، وقد يبرز اثر ذلك. فيما بعد فى الفكر الصوفى ومنهجيته الروحية ،.اننا نسجل ما عشناه , وقد يجد الجيل المقبل فيما سجلناه من الاحداث ما يضيف الكثير من الاثار , لا اود ان اكتب الكثير , فالمعاصرة حجاب , وكل شخصية تدرك من اثارها فى مجتمعها , اتوقع ان تدرك اثار ذلك فى الربيع حيث تورق الاشجار وتزهر ..

( الزيارات : 553 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *