العاملون إلى طريق الآخرة

ذاكرة الايام..كتاب الرعاية للمحاسبى
عندما عكفت على تأليف كتابى عن التصوف الاسلامى قبل عشرين عاما اثار انتباهى علم من اعلام التربية النفسية والروحية وهو الامام المحاسبى صاحب كتاب الرعاية لحقوق الله وهو من ابرز الكتب التى اشتهرت باهميتها , وموضوعاتها وعمق ما اشتملت عليه , وقد تكلمت عن هذا الكتاب الهام الذى يستحق ان يشاد به , والمحاسبى هو الامام ابو عبد الله الحارث بن اسد المحاسبي المتوفى عام 243 من الهجرة وقد ولد فى البصرة وعاش فى بغداد وكان ينتمى لا سرة ثرية وعاش حياة مترفة , الا انه احب حياة العلم والزهد والتقى والورع واتجه بكل همته للاستزادة من العلم اولا والاهتمام بما كانت النفوس قد انصرفت عنه من الاهتمامات الدنيوية , كان المحاسبى يبحث عن الاستنارة القلبية والطمانينة والسكينة فى عالم مترف انشغل اهله بالتنافس والتغالب والاطماع والملذات والاهواء , ما اشد غربه هؤلاء الرجال فى مجتمعهم , انهم يبحثون عن شيء اخر , قلة من الناس يفهم عن هؤلاء ما يريدون , انهم غرباء فى مجتمع الغفلة , لم يستسلم المحاسبى لشهواته ولم تشده حياة الترف والمال , انه يبحث عن عالم جديد , اثارت حياة المحاسبي اهتمامى واخذت اتتبع كيف تسير سفينته فى ذلك البحر الهائج المضطرب , , اتجه الى العلم فلم تشغله اهتمامات المعتزلة وهم يحكمون عقولهم فى كل ما ثبت لديهم من النصوص والروايات وقد شغلهم الجدل وعلم الكلام , واتجه الى اهل الفقه والاصول فخاب ظنه فيما انصرفوا اليه من البحث عن الدلالات اللفظية والتخبط فى المعانى الافتراضية التى تبعدك عن المعانى المستفادة منها بتكلف واضح , وكان يتساءل مع نفسه اين هي اخلاقية الفقه وقد انصرف الفقهاء عن ثمرات الفهم وهي التقوى والاستقامة , رآهم جميعا يتغالبون على الدنيا والجاه ويتجادلون فيما يبعدهم عن الحق , , وبحث عن اهل الرواية والنقل وقد انصرفوا عن المتون الى الاسانيد واهتموا بمقاييس التوثيق , كان يقول فى نفسه ما ابعد كل هؤلاء عن ربهم , اتجه المحاسبى الى تاليف كتابه الرعاية وهو من اهم الكتب واكثرها شهرة فى علم التربية الروحية , واخذ يبحث عن مجتمع نظيف من اهل العلم الذين لا تشغلهم دنياهم عن ربهم , وهؤلاء هم الذين اجتمعوا على محبة الله ومرضاته وينصحون مجتمعهم بما يحببهم فى الله تعالى ويقربهم اليه , هؤلاء ليسوا من اهل البدع والاهواء والضلالات وليسوا من المحبين للجدال , ولا للمغالاة , واخذ يبحث عن هذا المجتمع فوجده وقال عنهم : فتبين لى فضلهم , واتضح لى نصحهم , وايقنت انهم العاملون فى طريق الاخرة والمتأسون بالمرسلين وهم المصابيح لمن استضاء بهم والهادون لمن استرشد بهم , ثم قال بعد ذلك عن هؤلاء: لا اعدل بهم سببا ولا اوثر عليهم احدا : ففتح الله لى علما اتضح لى برهانه وانار لى فضله , ثم قال : فاعتقدت به فى سريرتى , وانطويت عليه بضميرى وجعلته اساس دينى وبنيت عليه اعمالى ..
ما احوجنا ان نتعلم من هؤلاء الاعلام معنى الدين وما يريده الله من عباده ان يكونوا رجالا صالحين واهل تقوى وصلاح لكي لا ننحرف بالدين عن الدين ثم ندعى اننا ندافع عن الدين

( الزيارات : 1٬331 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *