بيعة الارادة..

..

بيعة الإرادة

عندما انتقل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى اضطربت نفوس المسلمين في المدينة ، ولم يُصَدّقُوا الخبر ، وخشي عقلاؤهم من فوضى وفتنة والمجتمع الإسلامي الوليد لم يستقر بعد ، ولم يكن لهم تصوّر واضح عن الكيفية التي يمكن لهم اختيارها ، لتحفظ لهذا الكيان الناشئ ما حققه من وحدة هذا المجتمع الذي قرب الإسلام يبن قبائله المتناقضة والمتنافرة, وأقام الإسلام مجتمعاً متماسكاً قوياً لوحدته مؤمناً بالله محتكماً لشريعة الإسلام محباً لرسول الله متمسكاً بثوابته الإيمانية والسلوكية والأخلاقية ..

كان اجتماع السقيفة حدثاً موفقاً في توقيته وفي الحوار البناء الواعي في كيفية الانتقال إلى العهد الجديد ، وكان لابدّ من رمزٍ قيادي يتصف بالاستقامة والنزاهة والصحبة الصادقة ومواكبة مسيرة الدعوة من اليوم الأول إلى اليوم الأخير ، وكان أبو بكر الصديق هو الأجدر بالخلافة ولا يجتمع المسلمون على غيره ، ولولا قناعة الصحابة بأهليّته لما أسرعوا لبيعته ، فلا إكراه في البيعة ، ولا يستقرّ الأمن إلا بقناعة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن رشح للخلافة ، وهذا لا يعني أنّ البعض كان يتطلع للخلافة ولكن العبرة لرأي الجماعة ورأي الجماعة ملزمٌ ، ولولا ثقة أهل الحل والعقد من كبار الصحابة بحسن الاختيار لما كانت البيعة ولا استقر الحكم ولا استطاع الخليفة أن يواجه أقسى التحديات المتمثلة بحروب الردة التي تصدّى لها الخليفة بقوةٍ وشجاعةٍ وحزمٍ إلى أن قضى على الفتنة الخطيرة وأعاد توحيد المجتمع الإسلامي وتماسكه ورفع من شأن مركز الخلافة وهذا أعظم إنجازٍ في تاريخ الإسلام , ولما حضرته الوفاة رشّح عمر بن الخطاب كخليفة له ، وهذا الترشيح لا يُلزم الأمة , ويحقّ لها أن ترفض بيعة من اختاره الخليفة إلا أن الكبار أدركوا أن المرشح للخلافة يملك كلّ المقومات التي تؤهله للخلافة كالكفاءة والجدارة وحسن القيادة والعدالة والصحبة ,وهو من أعمدة عصر النبوة ومن المشاركين الأُوَل في كلّ المواقف والتضحيات فبايعوه وأطاعوه ووقفوا إلى جانبه , وأرسى بفضل شخصيته دعائم الدولة الإسلامية في هيبتها وأنظمتها وولاتها وفتوحاتها , وأحسن في أعوانه من الولاة والقواد وأنشأ الجديد من مؤسسات الدولة كبيت المال والدواوين وتوزيع المال واعتماد المعايير العادلة في ذلك ,واشتهِر في اجتهاداته الفقهية الواقعية والمفيدة والشجاعة بحيث تحقّق الغايات المرجوة المحققة للمصالح الاجتماعية والمقاصد الشرعية , واعتمدت اجتهاداته كآراء حظيت بالقبول من أئمة الفقه فيما بعد , واعتبروها من الاجتهادات التي تعبر عن روح النّص وغاياته .

ولما أشرف على الموت بعد الاعتداء عليه رَشَّحَ للخلافة من رآه الأفضل ممن توافرت فيه الشروط واختار ستةً من كبار الصحابة وهذا الترشيح لا يُلزم الصحابة ، ولكنهم وافقوه على الاختيار وبايعوا من وقع اختيارهم عليه من هؤلاء الستة ، وقد اشتهر عثمان بمثل ما اشتهر به أبو بكر وعمر فقد كان من السابقين الأولين ، وهو صاحب المواقف والتضحيات والأعطيات وكان يتمتع بخصال الوفاء والنزاهة والاستقامة ، ومن المؤكد أنّه لولا ترشيح عمر بن الخطاب لاختاره الصحابة ، وسارعواالى  بيعته بإرادتهم ومن غير إكراه ، وكان معروفاً بالسماحة ولم يكن يملك قوة من سبقه ولا هيبته ، وهذا ما دفع بعض الطامعين والجاهلين من عوام الناس لإعلان نقمتهم عليه ، وانتهى الأمر بقتله ، وهذه أكبر جريمة في تاريخ الخلافة الراشدة ، واضطربت الأمور بعد ذلك وضعف مركز الخلافة وبدأت الأطماع تزداد في الخلافة والولايات ولما تمت البيعة للخليفة الرابع علي ابن أبي طالب كانت الدولة في حالة فوضى وقويت سلطة الولاة في الأمصار البعيدة ، ولم يستطع أن يُحكِم سيطرته على ولاته ، بسبب الخلافات التي نشبت بين الصحابة وخرج بعضهم لحربه في معركة الجمل ، ثم نشب الخلاف بين الخليفة ومعاوية الذي كان يتطلع للسلطة ، وأَدَّتْ حادثة التحكيم إلى خروج بعض أصحاب الخليفة عليه ، وانتهى الأمر بقتل الخليفة الشرعي الذي كان من السابقين الأولين في الإسلام وممن أبلى بلاءاً عظيماً في الحروب والمواقف ، وكان زوج السيدة فاطمة الابنة المقربة من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأمّ الحسن والحسين ، لقد ظُلم الخليفة الرابع من أصحابه ولم يقفوا معه ، ولو ناصروه لما تجرأ خصومه على إضعاف مركز الخلافة ورمز القوة ..وبذلك انتهت الخلافة الراشدة ، وبدأت مرحلة جديدة من الحكم الوراثي..

( الزيارات : 2٬504 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *