كانت حياتي الاجتماعية في المغرب مليئة بالنشاطات، وكنت أشارك في كثير من المناسبات الاجتماعية، من منطلق  رغبتي في مشاركة المجتمع المغربي في مشاعره وقضاياه وأفراحه  وأحزانه، وكان الكل يفرح لذلك، وهذا مما شجعني على مواصلة هذا التواصل مع جميع طبقات المجتمع، ومع مختلف مكوناته ..

ولم تقتصر هذه الحياة الاجتماعية على الطبقة المثقفة وأساتذة الجامعات والمهتمين بقضايا الفكر، وإنما امتدت لتشمل معظم الفئات الاجتماعية، السياسية والاقتصادية والأسر المغربية المعروفة بتراثها العلمي ومواقفها الوطنية، وكانت لي صلات قوية مع شخصيات مغربية من مختلف المدن المغربية في منطقة الشمال مثل طنجة وتطوان ومنطقة الجنوب مثل أغادير ونارودانت ومنطقة الوسط مثل فاس ومكناس والدار البيضاء ومراكش ومنطقة الشرق مثل وجده والناضور بالإضافة إلى منطقة الصحراء المغربية، وقد زرت مدينة العيون عدة مرات وألقيت عدة محاضرات فيها وتربطني صلة صداقة بعدد من الأسر الصحراوية ..

وقد وجدت ترحيباً كبيرا من المجتمع المغربي، ودخلت معظم البيوت التي كانت تربطني بها صلة الصداقة، واعترف أن الشعب المغربي شعب أصيل وذو قيم عالية، وهو شعب وفيّ وكريم ويعتز بالقيم الإسلامية الأصيلة، والسلوك المغربي سلوك حضاري، ويدل على تاريخ حضاري وأصالة راسخة ..

والشعب المغربي يحب الأفراح والحياة الاجتماعية، وينفق بقدر استطاعته على أفراحه، ويحب الموسيقى ويتفاعل معها ويحفظ نغماتها ويردد كلماتها، وتحظى الموسيقى الأندلسية بمكانة كبيرة في الحياة المغربية، وهناك عادات راسخة في الأفراح والأعياد والمواليد والمناسبات الأسرية والأضاحي ومناسبات العزاء، وهناك تكافل اجتماعي بين الطبقات الاجتماعية، ولا زالت بعض أوجه هذا التكافل مستمرة في البيوت المغربية الكبيرة، بالرغم من تراجع هذه التقاليد الأصيلة بتأثير الحياة الحديثة ..

والمحزن في نظر المغاربة لفظة محفوظة وتتردد في كل أوجه الحياة الاجتماعية، وتطلق على سلطة الملك والقصر وكل ما يحيط بهذه السلطة من مهابة واحترام، والمحزن لا يتنازل عن هذه الهيبة، ولا أحد يمكنه أن يتصدى لسلطة المحزن أو يحرج عن طاعته، وما زالت تتردد ألفاظ الطاعة والإمامة وأمارة المؤمنين والبيعة والولاء والمقام العالي، والدعاء لأمير المؤمنين في خطب الجمعة والمناسبات الرسمية والحفلات الاجتماعية ..