ردود الدكتور النبهان على مناقشة اعضاء الاكاديمية عن الامام الغزالى

  • ردود العضو الزميل السيد محمد فاروق النبهان :….

أشكر الزملاء الأعزة على هذه الإضافات القيمة والملاحظات المفيدة التي أغنت الموضوع، وأعطته أهمية، وأفادتني وفتحت لي آفاقا من المعرفة جديدة كنت اتطلع عنها  وزاد اهتمامي بها في الجوانب الأخرى من شخصية الإمام الغزالي.

لاشك أن كتابه “المستصفى” من أهم الكتب الأصولية ولكني ما أردت أن أدخل في الجانب الفقهي، ولا الجانب الأصولي، ولا الجانب الفلسفي.

ركزت على قضيتين، على كتاب “الإحياء، والأسباب المهمة جدا التي حاولت أن أقرأنصوصها كما سجلها بنفسه  ، في موضوع التجربة الروحية التي قادته.وحاولت أن أرسم ملامحها كلوحة فنية جميلة تصلح أن تكون فعلا  لوحة معبرة عن هذه المرحلة التي مر بها.

ويبدو أن معظم رجال التصوف عاشوا هذه المرحلة التي سماها الإمام الغزالي “لحظة العدم”. أي لحظة الياس من واقع كان يعيشه … هل هي لحظة الانكفاء إلى الذات ؟ الحالة التي مر بها الإمام الغزالي خاصة بالتصوف. عندما نجد ذلك الصوفي ابراهيم بن أدهم، وهو ابن ملك من الملوك، خرج إلى الصيد، وهو في ملابس الملوك، يصطاد مع حاشية له . .. تحدث عن نفسه قال :سمعت صوتا في داخلي يناديني ما لهذا خُلقتَ يا إبراهيم !»

الصوت بدأ يتعالى، يتعالى.. وهو لا يدري من أين هذا الصوت. إلى درجة أنه لم يعد يحتمل هذا الصوت.

وخلع ملابسه ووجد راعيا , وقال لهذا الراعي: أعطيك هذه الملابس وأعطيني ملابسك. فلبس ملابس الراعي ومشى لا أحد يعرفه، لم يعد إبن ملك.

كان يقول:«لو عرفت الملوك ما نحن عليه من اللذة لحاربونا عليه بالسيف».

هناك عشرات من الرجال الذين عاشوا هذه التجربة الروحية. ..هذا المنعطف في حياة الإنسان، في لحظة ما، يحدث هذا الذي تحدث عنه الغزالي، وهي تجربة واقعية. وقد  وصف هذا الحال الذي مرّ به إلى درجة أنه لم يعد يستطيع أن ينطق بكلمة واحدة.,امام طلا به ..اعتزل الناس و جلس في غرفة منعزلة  نحو ثلاث سنوات.

ربما سنقول :  هذه أزمة نفسية قد مر بها وسيشفى  منها أو مرحلة انكفاء على الذات، ليس برغبة  الإنسان أن يختار هذا !

ولا شك أنه كان يجد سعادته في هذا! وأنه لم يكن بالإمكان أن يترك كل ما كان فيه

أنا الان أحاول أن أصور هذه الحالات النفسية التي كان يمر بها في تلك المرحلة.

كتب الغزالي الاخرى لم تشتهر. بالرغم من اهميتها  ، عندما نرى كتاب المستصطفى وكتب أخرى. لكني ركزت على كتاب “الأحياء”، والحديث الذي تحدث عنه والأسباب التي أدت إليه.

في النقطة الأولى اعتمدت على كتاب  “المنقذ من الضلال” وهو وصف هذه الحالة. ..في كتاب الإحياء لم يصف ما جرى له ولكن في كتابه “المنقذ من الضلال”، هناك البحث عن اليقين.

وكما تفضل الدكتور محمد الكتاني، موضوع الحسيات والعقليات  والنتقال بينهما

نحن نُسلِّم بإمكان الممكنات  ، وإستحالة المستحيلات. ولكن من قال لنا أن هذا سيكون يقينا؟

قال: اليقين هو الذي يصل إلى درجة لا يكون معه ريب أبداً.

فهو وصل إلى هذه المرحلة. لا شك أنها مرحلة تستحق الدراسة والتأمل.

لم يشتهر بآرائه الفقهية. ولم ينفرد باجتهادات خاصة   ولم يشتهر بكتابه المستصفى

هو اشتهر بهذا الكتاب ..”الإحياء”.نقطة مهمة أن فيه جانب من النقد لعصره. ولمنهج فقهاء عصره الذين ابتعدوا عن حقيقة الدين بانصرافهم الى ظاهر الاحكام

عندما تكلم عن الظاهر والباطن، وأن هذا الظاهر كله لا يمثل شيئاً إذا لم يقع الاهتمام بتكوين  الباطن النقي الصافي!

الشخصية الإسلامية، مهما كانت إذا افتقد الجانب  الروحي، لا تجد له أثرا  في الحياة إطلاقاً ولو كان علامة الدنيا!

أكبر فقيه فى الفقه لا يختلف عن رجل القانون. ما الذي يميّز هذا الفقيه؟ يميّزه تلك الخصوصية التي يملكها روحياً. , ذلك الدّفء الروحي الذي تقترب منه فتجد فيه دفئاً لا تجده في غيره.

زفقيه عظيم  كان من أعلام العصر وكتب عشرات الكتب الخ… ..جالسته ووجدته يتكلم كأي شخص. احر .. يسب  زميلا له ينافسه.. فوجئت وأنا طالب فى القاهرة  أمام هذه القمة من العلم، وبدأت أتأمل: هل يمكن لإنسان في هذه القمة من العلم أن يتكلم عن زميل له بهذه الطريقة؟ وقد شعرت بالإحباط! وقلت أين الأخلاقية؟ أين السلوك؟ أين الإنسان الذي يسمو ويرتقي؟ أين الدفء الروحي ؟

 لما تجد شخصيته وتجد فيه الدفء الروحي، وهذا موجود.فى بعض الأشخاص الذين التقيت بهم ..عندما يتكلمون تجد أنك تستفيد منهم. تستفيد من أدبهم. تستفيد حتى من صمتهم.

هناك من تحدث عن العلم والعمل. قال:«العلم لا يقود إلى العمل ولا العمل ثمرة للعلم».

هناك درجة بين العلم والعمل لا أحد يدركها. وهي حال يأتيك. ..أحدهم يعطيك نصيحة لا تستجيب لها، وفي لحظة ما، طفل صغير قد يقدم لك نصيحة، وتنصت إليه كأنك لأول مرة تسمعها. وقد يحدث التحول في حياتك وتنتقل من حال إلى حال.

هذه المرحلة، سماها الإمام الغزالي حال يأتيك.

فكلنا نسمع القرآن، وفي لحظة ما نقول هذه الآية أسمعها لأول مرة ولو أنك سمعتها مائة مرة !

وكثير من الناس يحدث تحول في حياتهم من خلال هذه المنعطفات ! تماما مثل هذا المنعطف الذي حدث في حياة الغزالي.

 فهذا المنعطف هزه هزة عنيفة جداً ولولا هذا، ما كانت فتحت له أبواب. روحية جديدة

«لما أغلقت جميع الأبواب وفي لحظة عدم، باب صغير يظهر دون أن نتوقعه. وكلنا نعيش هذه الأزمة. تمر بك أزمة كبيرة، وتغلق جميع الأبواب وجميع النوافذ، وتكاد أن تُسلم امرك  ولا خيار؛امامك  وهذه لحظة العدم ».

فجأة، .. نافذة صغيرة تضيق بها ولا تريد أن تدخلها. وتدخلها مرغماً، وإذ ا بها تقودك إلى حديقة غناء جميلة!

 كل منّا مرّ بهذه المرحلة. وعند الصوفي يقول إنه عندما يأتي الابتلاء، وتغلق جميع المنافذ، وإذ أنت تسير في طريق لا تريده،وتكتشف  فيه الخير.

عندما تتذكر بعد سنوات، تقول: لولا ذلك المنعطف،ما كنت وصلت إلى تلك النتيجة التي وصلت إليها. هذه التجربة نحتاج نحن أن نستفيد منها.وأن نقول إن الإسلام ليس فقط أحكام آمرة.

هذا ما أراده الغزالي،

نريد أن يرتقي الإنسان إنسانيا في علاقته  مع الاخرين  لكي يكون دافئاً ومحبا ورحيما وشاعرا بمشاعر الانسان ، وقريباً من القلوب. لكي يكون إنساناً تشعر بأثر إنسانيته في حياتك ولو كنت مخالفاً له… ولكنك تحبه وتجد له مكاناً في قلبك. واثرا فى نفسك واكر ر شكرى لكم وتقديري لكل ملا حظاتكم القيمة ……

( الزيارات : 1٬014 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *