لا تستقيم الاحكام الا بادابها

   كلمات مضيئة..لاتسقيم الاحكام الا بادابها .

 لم اجد فيمن اطلعت على كتبه وفكره من الفلاسفة والمفكرين والفقهاء وكل العلماء الذين اهتموا بالعلوم والمعارف العقلية وكل المعرف العلمية من تنبه الى اهمية الترابط والتكامل بين الاحكام والاداب , وهناك من اهتم بالتربية الروحية واعتبرها علما مستقلا له علماؤه وكتبه واهتماماته , ولكن ذلك التلازم بين الاحكام والاداب هو ما انفرد به الامام الغزالى فى كتابه احياء علوم الدين , ولعل هناك من يتساءل عن معنى الاحياء وما المراد به , واين ماتنبه اليه الغزالى فى استخدام كلمة الاحياء , لم يتحدث الغزالى عن الاحكام كما تحدث عنها فقهاء الاحكام وهم علماء الظاهر , كان منهجهم هو الاستدلال والاستنباط , لم يتجاوز الفقهاء منهج الاستدلال العقلى ولم يتجاوز رموز المعرفة الالهامية ماهم فيه من القضايا الروحية , الغزالى تحدث عن الظاهر والباطن معا فى كل حكم من الاحكام , ففى كل حكم هناك ظاهر مستمد من النصوص وله منهجه الدلالى عند العلماء المختصين به , وهناك باطن هو ادب ذلك الحكم وما يراد به من المقاصد الاخلاقية التى تجعله متميزا عن الاحكام المادية المجردة عن البواعث الاخلاقية , ليس هناك حكم يخلو من الباطن ابدا فالباطن  هو الصفحة الخلفية غير المرئية , وذلك الباطن ليس امرا منكرا ولا سرا يصعب فهمه , وانما هو الكيفية الاخلاقية التى يؤدى بها ذلك الحكم , كل حكم يجب ان يؤدى بالكيفية التى تجعله ارقى دلالة واكمل اداءا وتحترم فيه المقاصد المرجوة منه , لا شيء مما نفعله فى الظاهر ليس له باطن وهو ادب ذلك الحكم , لكي يحقق الغاية المرجوة منه , هناك احكام الطهارة واحكام العبادات وهناك اداب الصوم والزكاة والحج , وهناك احكام المعاملات من البيوع وكل انواع العادات كالسفر والزواج والطعام والصداقة, هذه لا تكفى ابدا , وقد تؤدى بغير ما يجب ان تكون عليه , ولهذا خصص الغزالى الجزء الاول والثانى من كتابه الاحياء للبحث عن اداب كل باب من ابواب الفقه , اداب الطهرة واداب العبادات واداب العادات , ومنها اداب الصلاة والزكاة والصوم والحج والزكاة واداب الاذكار والدعوات وقراءة القران واداب الطعام والكسب والزواج والجوار والصحبة والسفر واداب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر واداب الاحتساب وهو مقاومة اوجه المنكر فى الاسواق والمساجد والسوارع والاماكن العامة , لا شيء مما كان من الاحكام الشرعية ليس له اداب وهي الكيفية الاخلاقية التى يؤدى بها ذلك الحكم , ما احوجنا الى تلك الاخلاقية الراقية التى تدفعنا لكي نرتقي باحكام الدين الى المستوى الذى يجعل عملنا راقي الاداء يحترم مشاعر كل الاخرين لا يستفز احدا ولا يشعر اي احد بالمهانة ويختار الكلمة المؤدبة والعبارة المهذبة , ونحن اليوم فى عصر نحتاج فيه الى الاهتمام بالاداب فى الكلمة الناصحة  التى تحترم انسانية المخاطب , عندما تصفو نفوسنا نقترب من كل الاخرين ولو كانوا مخالفين لنا , ما احوجنا الى تلك الاخلاقية فى المساجد والمدارس والشوارع وفى الاسواق والاماكن العامة , ماأحوجنا الى العالم الذى يحترم نفسه فلا يكذب ولا ينافق ومااحوجنا الى المعلم والطبيب والسياسي والادارى والتاجر والمهندس , كل فرد من هؤلاء يؤدى مهمته بادب واحترام والتزام  واستقامة , الباطن هو ان يكون ما نخفيه هو الصفاء والصدق ومحبة كل الاخرين واحترام مشاعرهم ومصالحهم , هذا مانحتاج اليه , وهذه هي رسالة الدين التربوية والروحية والاحلاقية , ليس المهم ان نتعلم ظاهر الاحكام , وانماان  نفهم ادابها وكيف نصل الى ما يريده الدين من تلك الاحكام , ما يظهر علينا من انواع السلوك يعبر عما فى داخلنا,  وخواطرنا هي وليدة ما هو فينا من مشاعر وانفعالات , من خشع قلبه خشعت جوارحه واستقام سلوكه وارتقت اقواله , وكل الانوار التى توجد فى قلوبنا هي التى تشرق فى ظاهرنا , ويعتبر الغزالى ان القلب وليس العقل هو الذى يجعل القلوب اكثر صفاءا والقلوب هي التى تولد الخواطر , فاذاكانت صافية طاهرة كانت خواطرها كذلك صادقة مؤثرة , واذا لم تكن كذلك كانت خواطرها كما هي عليه .. وخصص الغزالى القسم الثانى من كتابه للبحث عن الاوصاف المحمودة والمذمومة , وان مهمة التربية النفسية والمجاهدات هي مقاومة الاوصاف المذمومة التى تستولى على القلب وتتحكم فى سلوك الانسان وتبعده عن انسانيته التى اراده الله بها وهي الكمال كالكبر والطمع والحقد والقسوة والنهم , غاية التربية هي ان تنقلب تلك الاوصاف الى محمودة كالعفة والاستقامة والصدق والقناعة , كل وصف فى الانسان يصدر عنه مايلائمه من الافكار من خير او شر , افكارنا هي ثمرة لما فى داخلنا , ولا يمكن الثقة بما نفكر فيه الا اذا كان ما فى داخلنا سويا لا انحراف فيه , الافكار هي ثمار لما فى حدائقنا , قد تكون اشواكا اوزهورا , ليس كل فكر يمكن ان يقتدى به , انه يعبر عن فكر صاحبه , الحاقد ينتج فكرا حاقدا وقساة القلوب ينتجون فكرالعنف والتطرف والتمييز ضد المستضعفين , والمشبعون بقيم الرحمة والخير والمحبة ينتجون فكرا انساني الملامح والتوجهات , انه الفكر الذي ينهض بالانسان ويرتقى به لكي يكون  المثل الاعلى والاسمى لما يطمح اليه الانسان من التعايش بين الشعوب ولو اختلفت عقائدها وتعددت ثقافاتها وانتماءاتها , رسالة الدين هي رسالة الهية المصدر انسانية الملامح جامعة لما تفرق تدعو الى الايمان والاستقامة ومحبة الخير والسلام ..   

 

( الزيارات : 565 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *