مؤتمرات علمية واهتمامات ثقافية خلال الحقبة المغربية

الدكتور النبهان فى مناقشة دكتوراه دولة والى جانبة الاديبة المشهورة الدكتورة بنت الشاطئ عائشة عبد الرحمن

الدكتور النبهان فى مناقشة دكتوراه دولة والى جانبة الاديبة المشهورة الدكتورة بنت الشاطئ عائشة عبد الرحمن

خلال الحقبة المغربية شاركت في أكثر من مائة مؤتمر وندوة ولقاء ثقافي، وكنت احرص على تقديم ورقة في كل لقاء، اعبر فيها عن رؤيتي للقضايا المطروحة للحوار، وما أكثر ما كان يطرح للحوار، موضوعات شتى هي قضايا معاصرة، وهي جديرة بالبحث والحوار..

أهم هذه اللقاءات والندوات كانت لقاءات الأكاديمية الملكية المغربية، سواء كانت اللقاءات العامة في دورتي الربيع والخريف، أو في اللقاءات  الأسبوعية في مقر الأكاديمية، وهناك اجتماعات المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية (مؤسسة آل البيت) وكنت عضوا عاملا في هذا المجمع بقرار من الملك حسين، ويجتمع أعضاء المجمع في كل سنتين في عمان…

وهناك مؤتمرات المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في القاهرة، وكنت احرص على تقديم بحث في كل مؤتمر أشارك فيه، بالإضافة إلى مؤتمرات أخرى في الرياض وطهران وجامعة الصحوة الإسلامية في المغرب والمؤتمرات التي تنظمها رابطة الجامعات الإسلامية، أو المنظمة الإسلامية  للثقافة و التربية والعلوم، أو المنظمة الإسلامية للطب الإسلامي..

معظم ما قدمته في هذه اللقاءات منشور في المجلات العلمية أو في الكتب التي تصدرها الجهات المنظمة لهذه اللقاءات، والقليل منها لم ينشر، وكنت احرص على أن تكون مشاركتي معبرة عن رؤيتي الشخصية كما أراها في ضوء المعطيات المعاصرة، وكنت احرص ألا أتجاوز الخطوط الحمراء المرسومة لكل لقاء، لئلا يكون هناك إحراج، وليست الغاية الإحراج وإنما الغاية إيصال الكلمة المطلوبة التي تحدث الأثر المطلوب..

أحيانا تتسع دائرة الحرية في بعض القضايا المطروحة وأحيانا تضيق بحسب المكان والزمان، وكلهم يضعون الخطوط الحمراء إلا أنهم يتفاوتون في مدى قدرتهم على إخفائها، فقد تكون واضحة للعيان مثيرة للانتباه وقد تكون مخفية تحت ستار يقف خلفه جند الرقابة… وفي معظم الأحيان يدرك المشاركون في هذه المؤتمرات واللقاءات ما هو مطلوب منهم فيستجيبون لذلك راضين، وقد يتمرد بعضهم فيتصدى له من هو معد للدفاع عن قداسة السلطة..

ليست هناك لقاءات لأجل الدفاع عن الحق، كل لقاء تدفع إليه غاية مرجوة تحقق مصلحة للسلطة، في إقرار فكرة أو تأكيدها أو دفع شبهة أو إنكار موقف أو التنديد به، وأحيانا تكون الغاية استعراضية لتأكيد الولاء للسلطة..

معظم هذه اللقاءات ليست مفيدة ولا تضيف شيئا، وأحيانا تصدر بيانات وتوصيات مكتوبة سلفا ومعدة بعناية، والكل يدرك انعدام الجدية في هذه التظاهرات الثقافية..

لو أريد لهذه اللقاءات أن تكون نافعة لكانت كذلك، ولو أريد لها أن تضيف الجديد من فكرها إلى فكر السابقين لكانت كذلك، ولو أعطي للمشاركين فيها حرية كاملة لأسهموا بجهدهم في إغناء المعرفة الإنسانية..

ولكي أكون منصفا في حكمي فالمسؤولية لا تقع على عاتق السلطة وحدها، فالسلطة لا يعنيها أمر الثقافة التي لا تمس مصالحها، ولا تقف في وجه الفكر الذي لا يتصدى لها، وليست السلطة هي المسؤولة دائما، فقد يكون الضيق ناتجا عن تخلف المؤسسات الثقافية وجمود العقلية التي تتحكم في مسار الثقافة…

وفي الوقت ذاته فيجب ألا نتجاهل الدور السلبي لبعض الشخصيات الثقافية التي تريد استغلال هذه التظاهرات العلمية لترويج أفكار مشبوهة أو لإثارة فتنة مقصودة، كل ذلك قد يكون ممكنا في مثل هذه اللقاءات.

كل عاصمة ترفع شعارها، وتأتي موضوعات لقاءاتها الثقافية معبرة عن هذا الشعار ومنسجمة معه، وهذا أمر طبيعي، فتصورات المجتمع نابعة من قضاياه، وهذا أمر بديهي، فالقاهرة تعيش أزمة التطرف والعنف لدى الجماعات الإسلامية وبالتالي فان موضوعاتها تنصب حول قضايا التطرف والعنف والقيم الإنسانية والحوار الحضاري بين الإسلام والغرب وبين الإسلام والمسيحية، والأردن يرفع شعار الإصلاح ولذلك فانه يشجع إبراز الرؤية الإسلامية لمفاهيم الحقوق الإنسانية والشورى في الحكم وحقوق المرأة، وطهران ترفع شعار التقريب بين المذاهب الإسلامية وتختار الموضوعات التي تحقق هذه الغاية، والمغرب يرفع شعار التسامح الإسلامي والحوار بين الإسلام والغرب ولذلك يختار الموضوعات التي تعالج هذه القضايا، وفتحت الرياض أبوابها لفكر لم يكن مألوفا ومقبولا من قبل بتأثير الضغوط التي بدأت تحدث التغيير في المواقف والمفاهيم، وبدأت قضايا جديدة تثير اهتمام المجتمع السعودي مثل قضايا المرأة والحريات العامة والحوار الحضاري ومفهوم الإرهاب والإصلاح السياسي…

ليس من شك أن الثورة الإسلامية في إيران كانت البداية لإحداث ذلك الزلزال الكبير في المنطقة العربية كلها وفي العالم الإسلامي كله، ثم كانت حرب الخليج الأولى التي حررت الكويت وأضاءت في المنطقة كلها المصابيح الحمراء المنذرة بالعواصف والزلازل والكوارث، تلك كانت البداية لإزالة الأقنعة، وكشف الستار عن الوجوه الحقيقية…

وجاء غزو العراق المفضوح والمذموم والمدان لإحكام السيطرة على المنطقة العربية وإذلالها بكل الوسائل والتدخل في شؤونها الداخلية والتحكم في مواقفها، وزعزعة استقرارها واستنزاف مواردها وإرهابها تارة بالجيوش أو بالشرعية الدولية…

واختلطت الأوراق وتداخلت المواقف، وأصبح الكل في حالة خوف ورعب من المستقبل، واهتزت الأنظمة وتساقطت هيبة السلطات، وابتدأت سلسلة التنازلات وبغير حدود، واخذ الكل يساوم ولا يقاوم، واخذ القوي يخفي سلاحه لكيلا يسلب منه، ويدعي الضعف لئلا يخشى جانبه، ويطفئ أنوار داره في الليل لئلا يتهم بالذكاء واليقظة…

كنت ارقب كل ذلك واحزن لمصير أمتي وما أصابها من هوان في رابعة النهار، وأخذت أتساءل: أين الرجال وأشباه الرجال الذين كانوا بالأمس يرفعون سيوفهم بالتحدي ويعلنون عن رغبتهم في منازلة خصومهم…

لم يبق في الساحة سوى أفراد قلائل، وقفوا في منتصف الساحة يتحدون، ولا احد يسمع ما يقولون، في ذلك الزحام يبحث كل إنسان عن ذاته ويدافع عن مصالحه، لقد تفككت العلاقات بين أفراد المجتمع، ولم يعد التناصر لأجل الحق قائما، وانتشرت الأنانية، وحرصت السلطة على تفكيك المجتمع لكي يكون ضعيفا لا يقوى على الدفاع عن كيانه…

ما أقسى ما كان يجول في خاطري في لحظات التأمل، ولا أجرؤ على التعبير عنه، كنت أحيانا أخشى أن أفكر لئلا يرى اثر ذلك اليأس على ملامحي فيدفعني إلى الإفصاح عنه، واقع كنا نعيشه، وهو واقع مخيف ومرعب.

أحيانا كنت اترك لنفسي حرية الكتابة لأعبر عما في نفسي، فأرتاح لما اكتب، وعندما اقرأ ما كتبت بعد حين أمزق ما كتبت، لا لأنني كنت مخطئا في وصف الواقع، ولا لأنني كنت في لحظة انفعال يائس، ولكن لأنني كنت اشعر بخطورة الكلمة الصادقة، كان الأذكياء يخفون ذكاءهم لئلا يكتشف، وكان المبصرون يغمضون أعينهم لئلا يؤخذوا بجريمة الإبصار…

كان المطلوب أن يكون الكل نائما لا يدرك ما يجري حوله، وليس هناك اخطر من أن يكون الغباء هو الشهادة التي تؤهل صاحبها للثقة بكفاءته…سواء على مستوى الفكر أو مستوى العمل السياسي…

واكتشفت فيما بعد أن رموز الثقافة لا يختلفون عن غيرهم ممن يبيعون سلعتهم في الأسواق التجارية، فقد كانوا يملكون الأقلام التي تكتب، وهذه سلعة تشترى، ويقبض المثقف ثمن سلعته مالا أو مصلحة أو جاها أو منصبا، وأصبحت المنابر بيد من يحسن استخدامها وتسخيرها، إما للتملق للحكام أو لإلهاء العامة وتخديرهم بما يسعدهم سماعه من القصص التي لا أساس لها من الصحة، وإذا كان لها أساس فإنها تروى على غير ما جاءت به لإلهاب مشاعر العامة واستدرار دموعهم.

لم تكن اهتماماتي العلمية ذات الطابع الأكاديمي لتصرفني عن متابعة ما يجري على الساحة الثقافية والساحة الاجتماعية من أحداث، فقد كانت التفاعلات قوية، ولم يكن المثقف حاضرا على المسرح، وأريد للثقافة أن تغيب، لكي يظل المسرح مظلما تتحرك فيه الأشباح وتسيطر على كل شيء…

وكنت أتساءل مع نفسي في حوار داخلي وهو الحوار الأصدق، انه حوار بين الإنسان وذاته، ليس فيه ذلك التكلف المزيف الذي نتظاهر به في حوارنا الخارجي مع الآخر، الحوار الداخلي يريحنا لصدقه، ولكن لا يفيدنا إلا إذا أعطى نتائجه وهو إيقاظ صاحبه من غفوته، وصحوة ضميره لكي يعيد صياغة مواقفه بما ينسجم مع قناعاته، وقلما يحدث ذلك لان الضمائر لم تعد حية، لقد أماتتها المطامع وأثقلت كاهلها المطامح، وأصبح الإنسان يبحث عن الدنيا وينسى الآخرة، ويبيع آخرته بدنياه، ويخفي قناعاته الوجدانية لئلا تحرمه من مصالح يتطلع إلى تحقيقها…

كنت التمس العذر للجهلة والأميين الذين لا يعرفون الحقيقة أو يجاملون لأجل ما يطمحون فيه، ولكنني لا التمس العذر لرموز الثقافة والمعرفة إذا خالفوا قناعاتهم وباعوا ضمائرهم، وأحيانا كنت أرى لدى أولائك البؤساء والمهمشين والمبعدين في الأحياء الشعبية المنعزلة والنائية من نقاء المواقف وصحوة الضمائر ما كان يثير إعجابي، وأجد في بعض هؤلاء من المشاعر الوطنية والعواطف الدينية ما كان يفرحني ويعيد إلى نفسي الثقة بمستقبل تحميه إرادات مؤمنة وتسهر على حمايته قلوب طاهرة

( الزيارات : 1٬775 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *