متى ساعود..

كلمة اليوم
كم تالمت لذلك المواطن الاعزل التى اضطر لمغادرة داره على غير ارادة منه عندما رايت دموعه تذرف من عينيه بغزارة وهو يقف امام باب داره التى ولد فيها وعاش طفولته فى رحابها واحتفظ بكل زاوية من زواياها بذكرى من ذكرياته , هنا كنت العب مع اخوتى الصغار , وهناك كنت اقضى امسياتى الجميلة مع امي الغالية, وفى الركن المنعزل من تلك الدار كنت اتامل فيما احتفظت به من ذكريات الامس الجميلة..
ما اروع ما تحتفظ به الذاكرة من بقايا الماضى , انها جزء غال من حياتنا , تحلو بها الحياة ولو كانت ذكريات الم وحزن , ما اجمل تلك الساعة التى كانت مليئة باحلام الغد , كل غد يحمل بشرى لصاحبه يتوقع انه سيكون افضل من امسه , وبتلك الاحلام تصبح الايام ممتعة وننتظر الغد بامل كبير..
كل تلك الذكريات كانت تمربسرعة كشريط متتابع من احداث مصورة بملامح مازالت حية وناطقة ومعبرة , وتغالبها دموع حزينة يخفيها صاحبها تحت نظارة سوداء لئلا يكتشف من حوله ما بداخله من الم وحسرة وهو يتامل داره التى لم يرها جميلة مثل مايراها وهو يودعها بغير ارادة منه ولا اختيار , انها الدار الاجمل والاحب اليه من كل قصور الدنيا ..انها الوطن الذى يحن اليه اذا غاب عنه , لوكان يعرف انه سيغادرها يوما لامسك بها واخذ يقبلها صباح مساء , تمنى فى لحظة الوداع ان يخاطب تلك الدار باحب خطاب وارق خطاب , كل شيء فيها جميل ..بالرغم من كل الشحوب فانها مازالت فى نظره اليوم اروع الدوراناقة واكثرها جمالا ..
لم يكن احد ممن حوله يقرا ما كان يخطه خياله من كلمات وهو يودع تلك الدار , واخذ يردد بهمس والدموع تنهمر من عينيه, والله لانت اجمل الدور ولو خيرت باجمل القصور لما اخترت سواك مقاما ..
وامسك صاحبه بيده وهمس باذنه: لقد حان وقت الرحيل ..ودع ولاخيار لك الا ان تودع , ان الركب مرتحل ..
ومشى الرجل وهو يغالب دموعه و يردد فى كيانه :ساعود اليك يوما يااجمل الدور ويااحبها الى قلبى ..ما عرفت قدرك من قبل .. كنت اراك ولا ارى فيك ما اراه اليوم من روعة وجمال..

وغادر صاحبنا وطنه الحبيب الى مجهول لا يعلم من امره شيئا , وهو يتساءل فى سره :
متى سأعود ..

( الزيارات : 3٬268 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *