مع السيد النبهان

ذكريات الايام.. مع السيد النبهان
صحبت السيد النبهان طيب الله ثراه منذ طفولتى الاولى , لم يكن بالنسبة لى جدّا فقط ولم اكن بالنسبة له حفيدا , كان بالنسبة لى قدوة ومربيا ومرشدا , وتعلمت منه الشيء الذى لم اجده فيما بعد فى الكتب والعلوم والمدارس والجامعات , تعلمت الشيء الذى لم اكن من قبل اعرفه عن الحياة والدين والقيم والمفاهيم والاخلاق والتربية , لا يمكن للكتب وحدها ان تعلمنا ما نحتاج اليه , ولا بد من القدوة التى نتمثلها فى حياتنا , هناك معان وقيم وكلمات لم اكن افهمها عندما كنت اسمعها منه , ولكننى اصبحت افهمها فيما بعد بطريقة افضل , وما زلت حتى اليوم اتمثلها فى حياتى وتمنحنى قوة وتنير لى كثيرا من المفاهيم والقيم والمعانى , قلت لطلابى يوما فى قسم الدكتوراه : لقد فشلنا فى مهمتنا لاننا منحناكم العلم وعلمناكم قواعده واحكامه واصوله وفروعه ولكننا فشلنا فى تعليمكم اخلاقية العلم وروحية العلم وادب العلم , فلا علم بلا اخلاقية ولا اخلاقية بغير ادب مع الله ومع الناس , فالادب هو ثمرة العلم ومن الادب ان تحترم حقوق الاخرين فى كرامتهم وحرياتهم وخصوصياتهم فلا تفرض عليهم ما تراه صالحا لهم , ودعهم يختارون ويتعلمون , والكبير حقا هو الكبير فى مواقفه وسعة فهمه , فالسيد ليس هو الذى يرى نفسه سيدا , وانما السيد هو الذى يراه الناس سيدا بخدمته لهم واشعارهم بالرعاية , وكان السيد النبهان يقول دائما : نزّلوا الناس منازلهم لا كما ترونهم انتم ولكن كما يرون انفسهم , فعاملهم بما يرون انفسهم به فان كانوا كبارا فى نظر انفسهم فعاملهم بما يرون به انفسهم , ولن يقبلوا منك نصيحة او كلاما الا اذا اعطوك قلوبهم فاذا اعطوك قلوبهم , فقل لهم ما تشاء ان تقول, فسوف يسمعون منك , واذا اعرضت قلوبهم عنك فلن يسمعوا لك قولا .. ومهمة المربى ان ياخذ بيد المخطئين والجاهلين والعصاة والمنسيين والتائهين الى طريق الخير والصلاح والهداية , قرّب البعيد اليك واعد العصاة الى ربهم بالكلمة الطيبة التى تنشرح لها القلوب , ولا تخيفهم من الله ولا تنفّرهم من الدين وحبب اليهم الايمان والعمل الصالح , فالله ارحم بهم منك فلا تتعالى عليهم بما تراه فى نفسك من صلاح فقد يشرح الله قلوبهم للهداية , وقد يصبحون من المقربين اليه تعالى ..
كم كنت اسعد بما كنت اسمعه من السيد النبهان وهو يحدثنى فى كل مناسبة عن الله تعالى , كنت صغيرا لم اكن افهم بعض المعانى والدلالات التى ظلت راسخة فى ذاكرتى الى اليوم ..
كم نحتاج الى ذلك الدفء الروحي فى رحلتنا فى الحياة , كم نحتاج الى اعادة صياغة المفاهيم الدينية لكي نكون اكثر انسانية ورحمة ومحبة واحتراما لخصوصية كل الاخرين ..هذا هو مفهوم التجديد الدينى ان نحيي المفاهيم الدينية الاصيلة وان نوقظ القلوب من غفلتها وان نعيد الصفاء والنقاء الى الانسان لكي يكون مستعدا لخلافة الله فى الارض يعمرها ولا يفسد فيها ولا يسفك الدماء , هذا هو الانسان الذى تعهده الله بالرعاية , وقال لملائكته عندما وصفوا الانسان بما لا يليق به : انى اعلم ما لا تعلمون ..

( الزيارات : 857 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *