وحدة الفقه الاسلامى

ذاكرة الايام..وحدة الفقه الاسلامى
ما زلت اتذكر دراستنا الاولى فى حلب , كنا فى درس الفقه ننقسم الى مجموعتين : الشافعبة والحنفية , وكل مجموعة تدرس فقه المذهب الذى تنتمى اليه , كنا ندرس الفقه الشافعي وننظر الى زملائنا الحنفية الذين يدرسون الفقه الحنفى نظرة سلبية وكانهم هم الاخر الذى ينتمى الى فقه اخر ومذهب آخر ..كنت اتساءل عن سر ذلك التباعد النفسى بين اتباع مذهبين لا يفصل بينهما الا خط صغير لا يكاد يبين , لو تدخلت السياسة بين المذهبين لاشتعلت الحرب بينهما ..
أليس الفقه الاسلامى هو الفقه الجامع لكل الاراءوالمناهج الاجتهادية , اليست الاصول واحدة والمصادر واحدة ..اذا تعددت الاراء فهذه التعددية لا تبرر الاختلاف فى اداء العبادات فى المساجد , فلم يختلف الائمة فى الاصول , وانما اختلفوا فى الفروع الصغيرة التى لا يترتب عليها اي خلاف فى اداء العبادات ..كم كنت اتمنى ان تكون البداية من النص ثم يكون التفريع من منطلق النص كما فعل ابن رشد فى كتابه بداية المجتهد ..كم نحتاج الى ذلك التقارب بين المذاهب الفقهية السنية اولا والترجيح بينها انطلاقا من الادلة فى القران والسنة ويكون العمل بمقتضى الراي الراجح , وهذا اولى من الخلاف المذهبى فى اداء العبادات فى المساجد او تعددية الفتوى فى المسالة الواحدة , لا احد من هؤلاء الائمة على خطا فيما ذهب اليه , والراي المخالف ليس خاطئا لانه يعتمد على دليل , ومن اتبع الاهواء فلامكان له فى مجالس العلم ..متى نفتح شرايين التواصل الفقهي بين المذاهب الفقهية السنية اولا كما فعلت قوانين الاحوال الشخصية التى استمدت احكامها من المذاهب الفقهية المختلفة ومن اراء الفقهاء الاخرين من امثال الليث بن سعد والاوزاعي وابى ثوروابن القاسم والحسن البصرى وجعفر الصادق وعطاء ,ومن اراء تلاميذ الائمة من امثال ابى يوسف ومحمد بن الحسن الشيبانى والمزنى والبويطى وعبد الرحمن بن القاسم وسحنون وابى زيد القيروانى ..ما اجوجنا اليوم الى فقه اسلامي واحد يشمل علماء مدرسة الحديث وعلماء مدرسة الراي فى مختلف العصور من علماء الحنفية والمالكية والشافعية والحنبلية , وان تكون تعددية المناهج الاستدلالية بعيدة عن التعصب والمذهبية الضيقة التى اساءت وفرقت وفرطت وتعصبت وضيقت الخناق على المجتهدين , وان نستفيد فى نفس الوقت من فقه ائمة المذاهب الاخرى الاباضية والزيدية والجعفرية والظاهرية ومن اراء من جاء بعدهم من امثال الغزالى وابن تيمية وابن القيم والشيخ خليل والشاطبى وابن عبد البر والونشريسى , اننا نحتاج اليوم الى فقه اسلامي واحد يتسع لاراء الجميع لا تعصب فيه لمذهب دون اخر, ولا عداء فيه , ولا خروج فيه عن الثوابت الفقهية الاصيلة الجامعة التى اتفق عليها علماء السلف من الصحابة والتابعين ..
اذا لم نبتدئ رحلة التصحيح من ايجاد القواسم المشتركة الجامعة لكل المذاهب الفقهية فلن نتمكن من التغلب على التحديات التى ستكبر مع الايام والتى بدانا نعانى منها اليوم وسنعانى منها اكثر فى المستقبل وندفع ثمن الانقسام والتعصب والجهل بحقيقة الدين ومقاصده المرادة من احكامه الفقهية..

( الزيارات : 1٬530 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *