الصوفية الحقة كما افهمها..

كلمات مضيئة ..الصوفية الحقة كما افهمها

ذكر الامام ابو نصر السراج الطوسي  المتوفى عام  378 فى كتابه اللمع وهو من اهم كتب الصوفية التى تحدثت عن التصوف الحق كمنهج تربوي روحي اهتم بتنمية الشخصية الاخلاقية التى تميز الشخصية الاسلامية وترتقى بها تربية وتكوينا , والصوفية كما وصفهم الامام الطوسي فى اللمع  بانهم امناء الله فى ارضه وهم الذين احيا الله بمعرفته قلوبهم , وزين بخدمته جوارحهم , والهج بذكره السنتهم , وطهر بمراقبته اسرارهم , وسبق لهم منه الحسنى فاستغنوا به عما سواه واثروه على ما دونه,  وانقطعوا اليه ورضوا بقضائه وصبروا على بلائه ,  وفارقوا فيه الاوطان , وهجروا له الاخوان وتركوا من اجله الاسباب وقطعوا فيه العلائق,  مستانسين به مستوحشين مما سواه …

تأملت جيدا في هذ الوصف لمنهج الصوفية ولا اود ان استخدم لفظة المذهب , فالصوفية منهج تربوى  وليست مذهبا مختلفا عن المذاهب الاخرى فى العقيدة او الفقه وليسوا من اهل المدارس الحديثية او مدارس اهل الرأي  , الصوفية لا تختلف عن مذهب اهل الحديث ولا تخالفهم في اي امر انفردوا به ,  والصوفية لا تختلف عن مذهب اهل الفقه والاستدلال ولم تخالفهم فى اي امر ذهبوا اليه,  والسلفية الحقة وهي منهج اهل السلف  ليسوا نقيض الصوفية الا عند الجهلة ممن لا يحسنون الفهم فى معنى المصطلحات , سلفية السلف ليست كسلفية الخلف ممن جعلوا السلفية شعارا ,  ويمكن القول بان اهل الحديث والرواية هم اقرب الى الصوفية الحقة من فقهاء الظاهر الذى وقفوا عند حدود الاحكام التى تؤديها  الحواس الظاهرة من الاركان والشروط , والمهم فى العبادة ليس اداؤها بكل اركانها وانما الاهتمام بقبولها بكل ادابها لكي تثمر عملا صالحا وتقوى وورعا  , هناك من اهل الحديث واهل الفقه من كانوا من ائمة الصوفية وهم الاكثر , ولم يخرجوا من دائرة التصنيف العلمى لما اختصوا به , التقوى هي ثمرة حسن الايمان وحسن الاتباع ومحاسبة النفس وطهارة القلب  , لانهم اخذوا بمنهجهم التربوى الروحي والتزمزا به فى حياتهم  , الصوفية ليست خلاف هؤلاء ولا نقيضهم ابدا , الصوفية منهج تربوى  يمكن لاي فرد ان يلتزم به سواء كان عالما او اميا , ويمكن للتاجر والعامل والصانع والمزارع ان يلتزم بهذا المنهج التربوى الروحي , بقدر ما يستطيع كليا او جزئيا ,  , فمن عرف الصوفية الحقة التزم بها فى حياته وفكره وسلوكه , ومن جهلها توهم انه من اهلها باتباع طقوس وتقاليد ظاهرة او متكلفة اومتوهمة واعتقد انها هي الصوفية , وهي ليست صوفية ابدا وليس كل ما اعتقده البعض صحيحا وبخاصة فى عصر انحرفت فيه المعايير والمفاهيم  , الصوفية اخلاق واداب وسلوكيات ومجاهدات واذواق لا تكلف فيها ولا ادعاء لها , وهي تهتم بسلوك الانسان بما هو غير مرئي  من افعاله  من المقاصد والدوافع والبواعث  , واهم ذلك  ان يكون العمل لله تعالى ولا شيء الا الله من الصدق والاخلاص والادب وتجويد الاعمال والتحكم فى الغرائز النفسية وطهارة القلب وصفاء النفس , والغاية من كل ذلك ان تكون اكثر استقامة فى عملك واكثر رحمة بالمستضعفين واكثر احتراما للاخرين , لا اهمية للعلم مهما كان صاحبه متمكنا منه اذا لم يتخلق باخلاق العلم , ولا اهمية لكثرة القيام بالعبادة اذا خلت من ادب العبادة والاخلاص فيها  , ولا ثمرة للاحسان اذا كان لغير الله وكان المراد به ان يحقق مصالح لصاحبه او اقترن بالمن والاذى او كان مقترنا برياء او غرور مسيء للمشاعر  , مانراه لدى العوام من اهتمامات بالكرامات والشطحات والانزلاقات والمتاجرات والمنافسات ليست من التصوف في شيء , تصوف اليوم بعيد عن حقيقة التصوف الحق , والذين ينتقدون التصوف انما ينتقدون ما يرون من الانحرافات الدالة على الجهل والتخلف .

 التصوف منهج تربوى اختيارى لمن اراد الله تعالى فى عمله من غير مصالح وانانيات ومتاجرات ومنافسات على الدنيا , الصوفية منهج للبحث عن الكمال , ولو بقدر يسير من الالتزام , الطامعون والحاقدون والحاسدون والمنافقون والفاسدون والظالمون وقساة القلوب لا مكان لهم فى مجالس الصوفية الحقة ولو ادعوها كذبا وتظاهرو ا بها , لا اهمية لما يدعيه المتوهمون ممن يرفعون شعار التصوف وليسوا منهم استقامة وسلوكا , الصوفية الحقة تعلمك ان تكون عبدا لله تعالى ولا تنحنى لغيره من الخلق ابدا طمعا فى الدنيا,  وان تؤمن بان الله تعالى قد اختار لك وهو خير من اختيارك لنفسك وان ترضى بما اختار , والصوفية الحقة تعلمك الادب مع كل الخلق مهما كانت انتماءاتهم وان تعاملهم بالاحسان والرحمة وان تمسك بيد المستضعفين وان تدل المذنبين على الله لكي يقتربوا منه , وان تكون اكثر رحمة لاتقسو ولاتعتدى , وان تحسن الظن بالناس والا تظلمهم ولو بخاطرة اثمة فلا سلطان لك عليهم  , وان تقول الكلمة الطيبة وان تقدم النصيحة المقترنة بادب النصيحة من غير اساءة او استفزاز , ليس كل ما ينسب الى الصوفية هو من الصوفية الحقة , ماتجاوز الاداب والاخلاق ومجاهدات النفس وتزكيتها للانتقال من الاوصاف المذمومة الى الاوصاف الحسنة وعمل الخيرات فليس من التصوف , المبالغات ليست من التصوف وهي جهد مجتمعات اضافت الكثير مما لا اصل له , اذواق النفوس ليست دائما على حق , المرضى لا يحسنون التذوق اذا ساءت صحتهم وقد يعتادون المرارة ويأنسون بالظلام , وفى مجتمعات الجهل والتخلف تختلف المعايير وتألف النفوس ماكانت تنفر منه من انواع المأكل والمشارب والعادات ,

تاملت كل ذلك وانا ارى الكثير من الاهتمام  بقضية التصوف تأييدا او انكارا , عندما نمسك بمصباح ينير لنا الطريق فمن اليسير علينا ان نميز بين الحق والباطل وبين الصحيح من الافكار والمزيف , لن نكون من هؤلاء ولا من هؤلاء , عندما نريد الدين كما هو فى كتاب الله وسنة رسوله فسوف نلتزم بمنهجه من غير انفعال ولا تعصب فالحق اولى ان يتبع , المبالغات فى المدح والذم ليست هي المنهج الصحيح للتوصل الى الحق , ما كان منكرا فيجب انكاره وما هو حق فيجب التمسك به والدفاع عنه , البحث عن الكمال هو منهج كل المكلفين , والكمال امر نسبي , وليس هناك كمال مطلق , فالكمال المطلق لله , وكل البشر مخاطبون ومكلفون وباحثون عن الكمال , ولا احد افضل عند الله ممن عمل صالحا وكان من المحسنين ,    

( الزيارات : 1٬182 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *