الشك هو الطريق الى اليقين .

كلمات مضيئة..الشك هو الطريق الى اليقين.

كلمة الشك كلمة مريبة وغير محببة لدى معظم الناس لانها ارتبطت بفكرة الشك فى المعتقدات وثوابت الايمان , وهذا مفهوم خاطئ ومتسرع , فالشك ليس هذا هو معناه , معظم الذين اشتهروا بالشك من الفلاسفة فى مرحلة من حياتهم كانوا مؤمنين , ومن ابرزهم الامام الغزالى فى كتابه المنقذ من الضلال , الايمان موطنه الفطرة او القلب وهو الذى يجعله مختلفا عن الافكار والمعارف والعلوم التى موطنها العقل , هناك قلة من الفلاسفة استولى عليهم الشك فى كل شيء ,  وقادهم ذلك الشك الى ليل لا فجر له , وتلك محنة انسانية  تقود الى شيء من العدمية التى تجعل صاحبها فى غاية القلق والشقاء , ما اقسى ما يعيشه اولئك الذين يعيشون ذلك النوع من الشك فى كل شيء والشك اقسى من الانكار , ما اريده بالشك هو الشك الذى يقود صاحبه الى اليقين , كل الباحثين عن الحق عاشوا تلك المرحلة من حياتهم ,  انهم باحثون عن الحق فى مستودع مغلق يضم كل شيء من المقتنيات , منها ما هو ثمين ومفيد , ومنها ما هو سقيم ولا قيمة له ولا يرجى منه نفعا , مهمة العقل ان يمكن صاحبه من اختيار ما هو صالح ونافع , ليس كل ما كان محتفظا به يمكن ان يكون ثمينا و مفيدا , لا شيء من جهد العقول من الافكار فى غير المعتقدات الايمانية خارج منهج التامل فيه , وكل شيء يحتمل الصواب والخطأ , لكل انسان صندوقه الخاص به ويجب ان يضع فيه ما يراه الافضل والمفيد من جهد الاخرين من الافكار , ذلك شك فيما هو مسلم به من الافكار المتداولة التى ترسخت باثر الاعتياد والتقليد  , وهذا التسليم يتنافى مع معنى التكليف الالهي للانسان , عندما يكون الانسان مخاطبا فعليه ان يفهم الخطاب التكليفى بما يراه اقرب الى المراد منه بما يناسب مقاصده , الشك لا يعنى الانكار للمسلمات , وانما ينصب الشك على منهجية العقل فى التفكير , لكل انسان خصوصيته الخاصة به , وعليه ان يختار الثوب الذى يليق به ويكون به اكثر كمالا ,  انصت لكل الافكار واختر منها ما تراه الملائم لك والذى يعبر عنك , العقول متفاوتة فىما يلا ئمها , الانسان كالنحل يطوف فى كل الحقول ويتوقف عند كل زهرة باحثا عما يراه الاحلى له ويمتص من تلك الازهار  رحيقها ثم يخرج منها عسلا شهيا , والعقول كذلك , ليست متما ثلة ابدا , اختر منها ما تراه الافضل الذى يعبر عنك , انت لست كالاخرين فى بدنك واوصافك , فليكن فكرك كذلك لكي تكون به  انت , تاملت فى تجربة الامام الغزالى وهو يتحدث عن رحلة البحث عن الحقيقة , كان فقيها واصوليا وفيلسوفا , وكتب فى  كل العلوم ولم يقلد غيره , كان يبحث عن الطريق , لا يعنيه ما كان عليه غيره ممن سبقوه , لم يقلد احدا , كان يبحث عن المعرفة من خلال مناهج الفلاسفة , وقرا ما كتبوه , ولما استقام طريقه واستنار قلبه بما اطمان اليه رد على الفلاسفة فى كتابه تهافت الفلاسفة , واستطاع ان يهدم حصون الفلسفة ولم يستطع من جاء بعده ان يعيد بناء ما تهدم ,  كل الحكماء مروا بمرحلة الشك , وكانوا يتساءلون عن مدى قدرات العقل على التوصل الى المعرفة , ليس من حق الانسان ان يبحث عن الحقيقة المطلقة فذلك امر لا يمكن للعقل ان يصل اليه , ما يمكن للعقل ان يتوصل اليه  هو المعرفة التى تهتم بالانسان وتسهم فى رقي ذلك الانسان , ولولا ان العقل يملك كل قدرات الفهم لما كان مكلفا ومسؤولا , وكنت اكدت كثيرا ان المعرفة الالهية طريقها الفطرة او القلب او الروح وهي التى تقود الى اليقين الايمانى ,  وهذه قوة خفية فى الانسان ليست هي العقل ولا تدرك بالحواس , فالحواس جند العقل وتاتمر بامره , واحيانا تتمرد عليه , وتخضع لسلطة الاهواء والغرائز , وتلك قوى كمال فى الانسان ولذلك كانت المجاهدات , الايمان موطنه الفطرة , اما الاحكام فاداة فهم دلالتها ومقاصدها وما يراد بها هو العقل , والعقول تخطئ وتصيب وتتحكم فيها تلك الاهواء والعواطف والرغبات , ولا يمكن الثقة بما تراه , ولهذا تعددت الاراء والاحكام ومناهج المجتهدين , لا احد هو اولى بالحق من الاخرين , الايمان واحد والمعرفة الالهية يقينية ولا مجال لاخضاعها لمنهج العقول , اما ما يتعلق بالحياة والانسان والنظم والاخلاق والمثل وشؤون المعاش فهذا من اختصاص الانسان والمجتمع , كل جيل مؤتمن على قضاياه , وما يترجح له انه الحق فهو اولى به , وكل مجتمع مسؤول عن اختيار الاصلح له بما يحقق له مصالحه , ومن كان مكلفا فيجب الثقة به , ولولا قدرات الانسان على حسن الاختيار لما كان مخاطبا ومؤتمنا , ولا ينبغى ان نضيق بكلمة الشك , فالحقيقة تكمن فى الشك كما يقول بعض الفلاسفة المسلمين , الشك لا يعنى الانكار ابدا , عندما يقودك الشك الى اليقين فسوف تشعر بالانتصار والبهجة لانك استطعت ان تصل الى الحقيقة , اليقين الناتج عن الشك هو منهج الحكماء , وعندما يكون المنطلق هو الانسان فان من اليسير ان نفهم المعرفة من خلال ذلك الانسان , فالاشياء ليست بحسب ذاتها وبوجودها المادى فى عالم الواقع وانما هي بادراك الانسان لها ومعرفة قوانيها الطبيعية , وهذا لا يعنى انها ليست موجودة قبل الانسان , فكل شيء له وجود ذاتى مستقل ,  ولكن الانسان هو الذى يدركها ويعطيها معنى الوجود , وما خفي على الانسان مما لم يكتشف فهو موجود  ولكنه ليس مدركا ..وهذا لا يعنيه ولا يختص به ..

( الزيارات : 1٬261 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *