كلمات مضيئة.. التاريخ وظاهرة المبالغات
الصادقون يعرفون بعد عصرهم من خلال اثارهم التي تركوها لمن بعدهم، احكام المعاصرين لا تخلو من التحيز بدافع التدافع الطبيعي بين المعاصرين , فمن تحبه تراه افضل مما هو فيه وتري فيه من الاوصاف ما لا يراه غيرك , ومن تكرهه تراه اقل مما هو فيه وتنكر عليه ما هو فيه ، تلك هي طبيعة النفوس في اقبالها واعراضها ، يعرف كل انسان بما تركه من بعده من افكار ومن اعمال ومن المواقف, فما كان من خير فانه يذكر به وينسب اليه , وما كان من سوء فانه يذكر به ، وهناك من لا يترك شيئا وهو الاكثر ، وأسوأ ما نراه في كتابة سير العظماء هو المبالغات. التي ترافق الاوصاف وتفقدها الكثير من المصداقية ، ولا مبرر للمبالغات فيما يروي ، وبخاصة في كتابة التراجم ، ولا بد من اخضاع كل المرويات لمنهجية نقدية تعتمد الي فاعدتين , الاولى : الثقة بالرواة استقامة واهلية وقدرة علي نقل الاحداث ،
والثانية : معقولية الرواية وفقا لمعايير زمانها ومجتمعها بحسب ما جرت العادة به من منطلق عقلاني ومنطقي يمكن فهمه ، فالاحداث هي جهد بشري يخضع لمعايير العادة وما يمكنه ان يكون ، وما لا يمكنه ان يكون فمن السذاجة ان يقبل او يصدق ، لكيلا تتحكم العواطف في الروايات المتناقلة وتكبر باستمرار في المجتمعات التي تستغني عن العقل وتعطله. وتكتفي بالتقليد كمنهج. للتفكير. ، كنت انكر كل ذلك واضيق به ، وما زلت اذكر انني كنت اناقش استاذي المؤرخ الكبير الدكتور يوسف العش الذي كان يدرسنا التاريخ الاسلامي والفرق الاسلامية ، وكان ينصت باهتمام الي ما كنت اناقشه فيه ، وكنت ا ري الاحداث في سياق منسجم ومتكامل , وان التاريخ يجب ان تخضع رواياته لمنهجية نقدية تعتمد علي عقلانية الرواية ومدي امكان وقوعها وفقا لمنطق العادة ، ولا يمكن فهم التاريخ الا في سياق الاسباب التي كانت تتحكم في. الاحداث وتوجهها ، وكان يعجبه ذلك الحوار ويشجعنى عليه ، وتوصلت الي نتيجة فيما بعد ان نقل الرواية التاريخية يحتاج الي علم ، اما فهم الرواية فيحتاج الي موهبة. خاصة تخضع تلك الرواية لموازين منطقية ، ومن هذا ما كنت الاحظه بنفسي وكنت اضيق بالمبالغات والاحكام المسبقة الناتجة عن مشاعر الحب والكره ، وكنت انظر للاحداث المعاصرة. التي كنت أشهدها بنفسي ، وكنت اشعر انني لست حياديا بالنسبة لها ، كانت هناك احكامً مسبقة ناتجة عن العواطف والمصالح ، وكل هذا قادني الي اعدة التأمل في كثير من المسلمات من منطلق اساسية وهي النسبية في الاحكام علي الاشياء ..
اترك تعليقاً