مفهوم الدولة بين الماضى والحاضر

كلمات مضيئة,.الدولة بين الماضى والحاضر

لم تعد الدولة اليوم كما كانت فى الماضى , دولة الماضى كانت للاقوى عصبية والاكثر عددا , كان الغالب هو الحاكم ويملك كل شيء بغير حدود , والمغلوب هو المحكوم والمستذل ولا خيار له الا ان يرضخ ويطيع , اراد من اراد , ومن رفض هذه المعادلة رفع  شعار العصيان والتمرد , ثم تكون المغالبه بين الطرفين ويكون الحكم للغالب الى ان يتمكن من هو اقوى منه من ازاحته , هذا ما اكده ابن خلدون ان الحكم للغالب , لا اهمية للشعوب ولا ارادة لها , ولا خيار لها الا ان ترضخ وتطيع , ليس المهم من يكون الغالب , هذا تاريخ كل العالم , ولعل بعضه مازال , وربما يكون الحاضر كالماضى ولكن طبيعة المغالبات قد اختلف , كل من ادعى خلاف ذلك قفد توهم , والوهم قد يصبح حقيقة عندما يبنى الواقع على الاوهام , كانت البيعة فى الماضى تعنى الرضوخ , ومن رفض البيعة فقد رفع شعار المقاومة , لا شرعية للقوة , وما افتقد الشرعية فلايحق له ان يتكلم عن الشرعية , مفهوم الدولة قد تغير , ولم يعد ماكان فى الماضى مقبولا , كان الحاكم في الماضى يستخدم كل ما يمكنه تسخيره لترسيخ سلطته , الدين والاخلاق والعصبية وشراء الولاءات وكل وسائل الترغيب والترهيب , قلة كانوا يقاومون وكثرة كانوا يرضحون , والمستضعفون لا خيار الا الرضوخ فى البداية ثم التظاهر بالقناعة ثم المشاركة فى الغنيمة ولو بالقدر اليسير , مهمة الدين ان يدافع عن المستضعفين والمحرومين والجائعين , انهم خلق الله ويملكون ما يملك غيرهم من الحقوق , حق الحياة حق ثابت لكل انسان , ومن اعتدى على هذا الحق فقد اعتدى , والقتل ليس هو الجريمة الوحيدة , فمن حرم  انسانا من حقه فى اسباب الحياة فقد اعتدى عليه , كل الجائعين الذين حرموا من الطعام معتدى عليهم , كمن منع عنه الهواء فمات , ومثله ممن منع عنه الطعام , حق كل المستضعفين وكل المعاقين والعجزة والمشردين فى الحياة ثابت لان الله  ضمن لهم رزقهم الذى يكفيهم وسخر ما فى الطبيعة من ثروات لهم , لا احد من الخلق ينفرد بملكية حق ليس له , لا احد يملك الا قيمة جهده بالمعروف , ومازاد فهو ملك لكل المجتمع , الدولة مؤتمنة على تحقيق العدالة بين كل طيقات المجتمع , دولة الكل مؤتمنة ان تحمي حقوق الكل , والكل يحميها , لانها تدافع عن حقوقه ,  اما دولة البعض الناشئة عن طريق القوة واغتصاب السلطة واقامة دولة للمغتصبين فلا شرعية لتلك الدولة و استخدام القوة لا يمنح الدولة شرعية سوى شرعية القوة وهي شرعية التخلف  , اغتصاب السلطة كاغتصاب المال لا شرعية له ,  وان افتى المفتون بذلك , دولة اليوم هي دولة ناشئة عن ارادة تعاقدية بين من ينتمى لتلك الدولة لانشاء الدولة , وسكان الدولة يضعون لانفسهم ميثاقا تعاقديا يبينون فيه ما تعاقدوا عليه , وهم ملتزمون به , ومن يحكم الدولة فعليه ان يتعهد باحترام تلك الوثيقة التعاقدية التى يرجع اليها عند الاختلاف , ولا يقال دستورنا القران  لان القران هو مصدر لكل الدساتير فى كل الحقوق الانسانية  , وما جاء فى القران فلا تجاوز له فى مجال  الحقوق الانسانية , الدستور مهمته بيان ما وقع الاتفاق عليه بين السكان , ومن حقهم وضع ما يريدون من الحقوق والانظمة والضوابط والقيود , من رفع شعار دستورنا هو القرآن اراد به  التهرب من القيود والرقابة لتبرير الاستبداد والطغيان والعدوان على حقوق المستضعفين , ما اقره القران من الحقوق والثوابت فلا يمكن مخالفتها ويجب على الدستور تأكيدها بنصوص واضحة وملزمة , الانظمة الاستبدادية تبرر استبدادها باسم دستورية القران , لا امتيازات فى الحقوق ولا تجاوزات فى ممارسة السلطة تبرر الظلم واكل اموال الناس بالباطل , الدساتير متجددة ومتغيرة وتتطور باستمرار لتعبر عن طموح المجتمعات نحو مزيد من الحريات والحقوق الانسانية , كانت الدولة فى الماضى تمارس كل السلطات ولا رقابة على الدولة فيما تفعله من التجاوزات والمظالم , مجتمع اليوم اصبح اكثر فهما لحقوقه , وكل صاحب حق فمن حقه ان يطالب بكامل حقوقه , ومهمة الدولة ان تساعد المظلوم وتدافع عنه , والدين حليف المظلومين والمستضعفين , لا احد فى دولة اليوم فوق العدالة , لم يعد اغتصاب الحقوق مقبولا , الدولة مؤتمنة على الحقوق , دولة الكل لا تنحاز ولا تتعصب ولا تظلم ولاتغتصب وتدافع عن حقوق الكل , الشعوب هي صاحبة الحق فى كل امر من امورها ولا شيء خارج التفويض الارادى للشعوب , ليس عدلا ان نرفع شعار الدين لتبرير الاستبداد والطغيان واغتصاب الحقوق , من اهم ثوابت الدين ان تحترم ارادة الشعوب فيما هو من حقوقهم التى اقرها الله لهم , الدين يحترم ارادة الشعوب فيما يحقق لها مصالحها المشروعة , وليس من الدين ما يؤدى الى ظلم الانسان في اي حق من حقوقه , لا يستدل بالتاريخ على الدين , التاريخ ليس حجة , وروايات التاريخ ليست مؤكدة ولا موثقة وهي مصنوعة ومتكلفة , ولا ثقة بما يكتبه المنتصرون , لانهم يدونون فى كتبهم ما يريدون ولا رقابة عليهم فيما يكتبون , لا ثقة فى المرويات التاريخية وان ادعى اهلها الثقة بها , معظم المرويات تكثر فيها المبالغات وما يتوهمه المحبون فيما يمدحون  والمبغضون فيما يذمون , لا احد فوق النقد الموضوعي والنزيه من رواة الاخبار , ولا يمكن التوصل للحقيقة بما انفرد به احد الرواة مما يخالف به كل الاخرين , والاسانيد التى لم تضبط بعناية وتقوى لا يمكن الثقة بها , ما صح من التاريخ قليل , ويؤخذ به على سبيل الاجمال , وما تواترت رواياته وتعددت اخباره تقع الطمأنينة به , ولا يعنى انه وقع كما روي, الاوهام تكثر فى المرويات وبخاصة ما تقادم منها , ومن طبيعة النفوس ان تروى ما هو مثير وغريب مما هو غير معتاد من الاخبار , لا شيء من المرويات خارج السياق العام له المعتاد فى مثله الذى تقبله العقول ولا تنكره , اهمية التراث فيما بتركه من اثر فى الاخرين , ماليس صادقا فلا يقتدى به , وما ليس مفيدا فلا حاجة اليه , احياء التراث هو الاضافة اليه لكي يتجدد بعطاء الاجيال المتعاقبة , مالا يتجدد يتوقف ويستغنى عنه , والجيل اللاحق يختار من التراث ما يفيده وينهض به , التراث لفائدته لكي يكون ملهما ومعلما , عندما نكتب عما نراه الافضل , لا يعنى اننا نكتب الافضل دائما , من يأتى بعدنا هو الذى سوف يحكم ويختار ويرانا من خلال ما تركناه من افكارنا واثارنا , كل المفاهيم تتجدد باستمرار بما يناسب  عصرها وبما تحقق اغراضها , مهمة الدولة فى كل عصر ان تمسك بالمقود وتكون مؤتمنة على المصالح الاجتماعية والعدالة , الدولة اكبر من كل الافراد بما تملكه من سلطة التفويض , وتملك ما لا يملكه كل الاخرين ولو كانوا اقوياء واصحاب نفوذ وسلطان , الدولة ليست مجرد افراد وانما هي هيئة مؤتمنة مكلفة ومسؤولة , قوة الدولة ليست بقوة جيشها ولا بقوة القائمين بها , وانما هي قوية بهيبة الحق الذى تحميه وترفع شعاره  , وبقوة الشعب الذى تمثله وتخدمه , ان استقامت وعدلت كان الكل معها يحميها ويقف وراءها , وان انحرفت وظلمت وجارت ضعفت هيبتها وتخلى شعبها عنها وفقدوا الثقة بها , شرعية الدولة مستمد من التفويض الارادى , ومادامت تقوم بمهمتها بامانة فالثورة عليها جائرة وتقود الى الفوضى , واذا انحرفت عما هي مؤتمنة عليه وقصرت فيما هي مكلفة به فلا عصمة لها  وامرها فى يد من تمثله من شعبها , وهوصاحب الاختيار والقرار , دولة الشرعية محصنة باسوار الشرعية , اما دولة الاغتصاب فلا شرعية لها سوى ماتملكه من القوة , امر الدولة هو امر تتحكم فيه المصالح ولكل مجتمع اختياره الذى يناسبه ويحقق مصالحه , ولا سلطان على الشعوب فيما تختاره لنفسها ولا وصاية عليها فيما تراه مفيدا وصالحا لها , الدين لا يتدخل فى اختيارات الشعوب ويحترم ارادة تلك الشعوب , الدين يحرم الظلم والطغيان ويدعو الى احترام ارادة المجتمعات فيما تراه صالحا لها , اختيارات المجتمعات ترتقى وتنحدر , ويحسنون ويسيئون , وهذا امر طبيعى وحتمي ان يتنافسوا فى امرهم ويكون الحوار هو وسيلة التواصل والتقارب , الدولة هي ثمرة توافق ارادى على تكوين هيئة مؤتمنة على ما يعجز الافراد عن القيام به , واهم ماتحتاجه المجتمعات تحقيق العدالة وتوفير الامن والدفاع عن المصالح ومقاومة الفساد والتصدى لرموزه ومقاومة الجريمة ووضع القوانين التى تحمى الحقوق الفردية وتبين ضوابط الحقوق المتبادلة , واهم مهمة للدولة ان تحقق العدالة والمساواة بين جميع المواطنين ولا تسمح باي امتيازات جائرة لا ي فريق اوقومية او طائفة اومذهب , كل المواطنين سواء فى ظل الدولة , التعصب  المذهبي او الدينى اوالقبلى او الجهوي يولد الاحقاد ويعمق الخلافات , ولا يستقيم امر الدولة الا بالعدالة و مهمة الدولة ان تكون فى خدمة مواطنيها , ومهمة المواطن ان يكون مع الدولة فيما احسنت فيه , التعصب والتطرف والعنف والكراهية والاحقاد امراض اجتماعية غير مبررة , ولها اسبابها وبواعثها كشان كل الظواهر المرضية , العدالة تمنح الدولة هيبتها , وتؤدى الى استمرارها , كل تطور نحو الافضل فى فهم مهمة الدولة فيجب ان يجد التشجيع والتأييد , وكل ما يعمق القيم الانسانية ويسهم فى احترام ارادة الشعوب نحو مزيد من الحريات والحقوق الانسانية فهي من صلب رسالة الدين , وكل دعوة الى الفوضى والتعصب والعنف والظلم  والقتل والحرب والعدوان على الابرياء وترويع الامنين وتخويفهم واذلالهم فلا يمكن ان يقره الدين , ولا عذر لجاهل فيما اوصله اليه جهله من الفهم العقيم لمفاهيم الدين ومقاصده الانسانية التى ارادها الله لعباده ان تكون لهم منهجا فى الحياة ..     

( الزيارات : 842 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *