أهمية المرجعية الإسلامية الموحدة

كنت أؤمن بأهمية المرجعية الإسلامية الموحدة، المرجعية القادرة على جمع الكلمة ولم الشمل والتقريب بين المذاهب والطوائف، لم أكن ارتاح إلى ذلك الواقع المؤلم وذلك التشرذم المذموم  سواء على نطاق البلد الواحد أو على نطاق العالم الإسلامي، جماعات إسلامية متعددة تتصارع على أرض واحدة، ليس لها أهداف مشتركة، ولا يجمعها جهد مشترك، تتصارع وتتنافس، كل منها تدافع عن ذاتها ووجودها أو مصالحها، قضاياها صغيرة، وهي غافلة عن قضاياها الكبيرة، هي قضايا المجتمع كله في دفاعه عن وجوده وكيانه..

 وليس هناك أسوأ من أن يستغل الدين لتحقيق أهداف بعيدة عن مقاصده ومناقضة لقيمه الإنسانية، لا يمكن أن يستغل الدين لحماية أنظمة سياسية ولا لإقرار ظلم اجتماعي، ولا لترويج ثقافة مضرة بالمجتمع، ولا لحماية فكر يكرس التخلف..

ومن ابرز ما كنت اطمح فيه أن تكون هناك حركة ثقافية فاعلة ومؤثرة وقائدة وموثوق بفكرها واختياراتها، ليست أداة لتبرير ما هو قائم على مستوى السلطة من تجاوزات، وليست أداة لتبرير ما هو سائد في المجتمع من قيم هابطة وسلوكيات خاطئة، كنت أريد ثقافة نهوض وتحرير وتقدم، ثقافة تنطلق من ثقافة الإسلام وتسهم في تحرير المجتمع من مخلفات عوائد التخلف، ما كنت اطمح فيه ذلك الأفق الأعلى الذي يتطلع إليه كل مواطن، لم أكن أريد ثقافة التبرير لما هو قائم ولا ثقافة القداسة لكل ما هو قديم، ولا ثقافة الاستسلام لكل ما هو جديد، وإنما كنت أريد ثقافة عقلانية متحررة من قيود التخلف ينتجها جيل مؤمن بدينه ملتزم بقيمه متطلع إلى المستقبل يحسن فهم واقعه، ويؤمن بالحوار لا المواجهة، ويثق بنفسه ويخرج من عزلته، ويبني حاضره بجهد أبنائه…

هذا ما نريد وهذا ما يجب أن يكون، لأجلنا ولأجل أبنائنا، إذ لا يمكن أن يظل مجتمعنا كما هو في حالة ركود وجمود وتخلف، إننا نعيش على ذكريات الماضي، ولا زلنا نتغذى منه لأجل البقاء، ولكن لا يمكن للمستقبل أن يبنى من الذكريات، فالماضي لا يبني الحاضر ولا المستقبل، ولا بد من توفر شروط النهضة، النفسية والمادية، فالمجتمع الذي لا يشعر بحاجته للنهوض لا ينهض أبدا، والمجتمع الذي لا يعد نفسه للتضحية لا يحقق النصر الذي يريده، ومازالت أسباب التخلف قائمة وراسخة ومتحكمة، فكرنا مازال كما كان راكد لا تحركه طاقات العقول، وهو كماء في مستنقع انقطعت عنه كل القنوات التي تمده بالماء الجديد، وثقافتنا مطوقة بأسوار عالية وليست لها نوافذ تمده بالنسمات التي تبعث فيها نضارة الحياة…

كنت أبحث عن البيئة الاجتماعية والثقافية التي يمكن أن تنمو فيها هذه الآمال، والتي يمكن لها أن تستوعب الجديد من الأفكار، وهذا الأمر يحتاج إلى إعداد كبير لتكوين ذلك الاستعداد النفسي، فالمجتمعات العربية مجتمعات تخاف من الجديد وتنكره وتخشى منه، لأنها ليست مهيأة نفسيا للتغيير، ما زال الفكر التقليدي هو المسيطر وله رموزه التي تحميه وتدافع عنه، ويستجيب العامة لدعوة الحفاظ على القيم السائدة، وبخاصة وأن المثقفين يعيشون في عزلة عن المجتمع في أبراج عالية، ويكتفون بما هم فيه..

أحيانا كنت أتساءل عن سر انصراف المجتمع عن الثقافة، هل بسبب ضعف هذه الثقافة التي تقدم للناس أو بسبب شعور المجتمع بعدم حاجته لهذه الثقافة…

ومما كان يؤلمني أشد الألم ما كنت ألاحظه من عزلة المثقف وشعوره بالضعف، وكنت اسمي المثقفين بالبؤساء، وهم بؤساء حقا، لأنهم اختاروا الثقافة في مجتمع لا يقبل على شراء هذه السلعة ولو بأبخس الأثمان، هناك ثقافة رائجة في المجتمع ولا يريد الناس غيرها، ولا بد من إعادة التصحيح والنهوض بمستوى منابر الجمعة، وتكوين الخطباء ثقافيا وإعدادهم لمهمة النهوض بمستوى خطابهم الديني والثقافي لكي يكون أداة لتكوين وعي اجتماعي بأهمية الثقافة لتوفير شروط النهضة المرجوة..

( الزيارات : 1٬534 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *