ادب العبادة

أدب العبادة…

العبادة ليست مجرد حركات ظاهرة يؤديها المسلم عندما يدخل في الصلاة ، وإنما هي حالة وجدانية وانفعال داخلي يولد شعوراً دافئاً بلقاء الله والوقوف بين يديه ، ومناجاته بقراءة القرآن والشعور بالشوق والحبّ والسعادة لهذا اللقاء ، والمسلم الصادق يتهيأ لهذا اللقاء بالطهارة البدنية أولاً وبالطهارة القلبية ثانياً ، والتحرر من التعلقات الدنيوية التي تشغل القلب عن ربه ، والتعلقُ بالدنيا بأيِّ متاع من متاعها أو بكلّ ما يمثل حب الدنيا من مال وسلطة وجاه وقرابة قريب ومحبة حبيب,وكلّ هذه التعلقات حُجُبٌ عن الله ، فمن تعلق بشيء حُجِب عن غيره ، ومن أراد الله فلا يمكن له أن يتعلق بأيّ حجاب ، ولا يشغل قلبه بأي شيءٍ إلا الله ، وعندما يكون القلب صافياً وطاهراً وخالياً من المشاغل يكون مستعداً لقبول الحقيقة ، ويكون القلب كالمرآة التي تتراءى فيها صورة الحقيقة ، وتتجلى في كيانها على شكلّ نورٍ يشرق في القلب ضياءاً وشعوراً بالمحبة والرحمة والتعلق بالكمال ، وكراهية كلّ سلوك يعبر عن النقصان ، والنفس الكاملة لا تحتمل النقصان ، بل لا تحتمل كلّ ما ينافي الكمال ، والكامل يفعل الأولى والأرجح ويضيق بكلّ ما هو خلاف الأولى .

ومن أراد العبادة فعليه أولاً أن يتهيأ للعبادة ، فهو على موعد مع ربه ، والمؤمن يشتاق لهذا اللقاء ويعد نفسه له بالهيبة والرجاء ، والنظافة هي الخطوة المادية المنظورة ، والغاية منها طهارة البدن ، التزاماً بأدب العبادة ، ثم يقف بين يدي الله وهو في حالة الاستعداد والتضرع ، وعليه أن يخرج من قلبه كلّ التعلقات المادية والدنيوية ، لكي لا تشغله عن لقاء الله, وعليه أن ينسى كلّ ما حوله ، فلا يفكر في زوج أو ولد أو تجارة أو جاه فإن فعل ذلك لتحقيق غرض من الأغراض الدنيوية دخل في مرتبة الرياء وخرج من دائرة الإخلاص ، وكلّ من لاحظ الخلق فيما يفعل دخل في الرياء ، وهو التظاهر بالصلاح والورع لإرضاء الناس ، وهذا يفقد العبادة خصوصياتها الروحية فتكون كالشجرة غير المثمرة تكبر في نظر الناس ولا تثمر ، ولكلّ عبادة ثمرة ، ولا تكون العبادة إلا بإخلاص النية والتوجه إلى الله بالكلّية ، فليس المراد إسقاط الفريضة وإنما المراد الحصول على الثمرة المرجوة من العبادة ، وهي طهارة القلوب ، فمن أخلص العبادة له حسنت خواطره وارتقت همته ، ورأى الله في كلّ عمل من أعماله يراقبه ويحاسبه ، ومن راقب الله كان الله معه يرعاه ويسدد خطواته ، وإذا ابتلي بأي ابتلاء رأى الابتلاء من الله وهذا مما يخفف عنه ألم الابتلاء ، فإذا صبر على الابتلاء أكرمه الله بمرتبة القبول ، فما يفعله الله في مملكته فهو من باب الحكمة ، والله يصنع في ملكه ما يشاء ، يعطي ويمنع بحكمته ، والمؤمن لا يضيق بما يصيبه ، وهو راضٍ بقضاء الله ، ويدعوه تعبيراً عن مرتبة العبدية ، وهو مسلم أمره لله ، والأدب شرط لقبول العبادة عند المقربين ، ولا تثمر العبادة في قلب المؤمن إلا بالأدب مع الله في الحال والمقام .

( الزيارات : 2٬518 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *