ادب الكبار

أدب الكبار

الأدب من صفات الكبار الذين لا يرضون أن يصدر عنهم إلا الأفعال التي تليق بالكبار ، فالكبير يكبر بأدبه في نظر الآخرين ، ويصغر إذا صدر عنه فعل الصغار ، وأفعال الكمال تصدر عن الكبار ، ولا يصدر النقص إلا عن الصغار ،  ، ومن رأى نفسه كبيراً فإنه يخجل أن يصدر عنه الفعل الناقص ، ومن تواضع لله تعالى وتحقق بعبديته له ألبسه الله ثوب الهيبة والعزة والكرامة ، والأدب صفة لصاحبه ، والأديب يصدر منه سلوك الأدب مع الصغار والكبار ، ومع الصالحين والفاسدين ، مع من يستحق ومع من لا يستحق ، لأنّه لا يرضى أن يصدر عنه غير الكمال ، فلا يسيءُ لأحدٍ وإن أساء إليه ، ولا يتلفظ بلفظةٍ نابيةٍ وإن وُجهَت إليه ، ولا يغدر وإن غدر به ، ولا ينقض عهده وإن نقض الآخر العهود ، ولا يحقد وإن حقد الآخرون عليه ، فهو مترفع عن الأفعال الناقصة التي يخجل أن تصدر عنه أو تنسب إليه .

ومن رأى نفسه كبيراً فعل ما يفعله الكبار ، ومن رأى نفسه صغيراً فعل ما يفعله الصغار ، والكبير هو من يرى نفسه كبيراً ويراه الآخرون كبيراً ، ولا يراك الآخرون كبيراً إلا إذا رأيت نفسك كبيراً ، والكبير يكبر بأفعاله وخصاله ومواقفه ولا يكبر باستكباره وإعجابه بنفسه ، فهذا من صفات صغار العقول ، فالمتكبر مريض ومتوهم ويحتاج إلى العلاج وهذا من أمراض القلوب ، وأول مظهر للكبار أنهم يحترمون الآخر حيث كان ، وينزلونه المنزلة التي يستحقها والتي يرى نفسه فيها ، والكبير يستوعب كل الاّخرين بأدبه ويتسع قلبه لهم ، ويتعامل معهم بالأدب ، ولو كانوا من السفهاء والجهلاء ، ويلتمس العذر لهم وإن سلكوا سلوك السفه ، فهو ليس وصياً عليهم ,فإذا وثقوا به فتحوا له قلبهم ، وسمعوا كلّامه ونصحه ، وزاد إعجابهم به ، وانقادوا له ، لأنهم رأه كبيراً في مواقفه وسعته ، والأب العاقل يكون أديباً مع أولاده ولو كانوا صغاراً ، ويخاطبهم بالأسماء التي يحبون ، ويحنو عليهم ويلتمس العذر لهم إذا قصروا في واجبهم معه ، ويتجاهل أخطاءهم ولا يظهر انزعاجه من تقصيرهم ، وهو بهذا يعلّمهم الأدب ، والعذر لهم واضح إذا أساؤوا ، ولا عُذر له إذا أساء ، فالعاقل لا يجوز أن يُسيء ، ويعامل الأب أبناءه بالإحسان إليهم ولا يعاملهم بالعدل فالإحسان في مقابل الإساءة ,وهكذا يفعل الكبير مع زوجته وأفراد أسرته وأصدقائه ، فهو الوفيّ لهم في المواقف وهو المتسامح المتنازل عن حقه ، فلا يقابل الإساءة بالإساءة ، والكبير لا يحقد ولا ينتقم ، فالانتقام من أفعال الصغار ، والقوي يعفو ويتسامح ويصفح ، ولا حدود لعطاء الكبار ، ولا يكبر الإنسان بجاهه أو ماله أو سلطته ، وإنما يكبر باستقامته ونزاهته وترفُّعِهِ عن أفعال الصغائر التي يخجل منها الكبار .

( الزيارات : 1٬954 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *