ادب العلماء

أدب العلماء….

الأدب صفة خلُقية ، وهيئة في النَّفس البشريّة ، تَصدر الأفعال عنها من غير تكلّف ولا رويّة ، والأدب صفة لصاحبه ، ويصدر عن صاحبه من غير تكلّف ولا تفكير ، فإن تكلّفه فقد خرج عن دائرة الصفة الخُلُقية ، ودخل في دائرة الأفعال التي يتكلّفها أصحابها ، وهناك صفات اخرى كالشجاعة والعفة والحكمة والعدل, وهذه صفاتٌ ذاتيةٌ لا تكلّفَ فيها ، فلو تكلّف الشجاع الشجاعة لما كان شجاعاً ، ولو تكلّف الحكيم الحكمة لما كان حكيماً ,ولو تكلّف العفيف العفة لما كان عفيفاً ، والأدب كذلك ، فلا يمكن تكلّفه من غير استعداد لذلك .

والعلماء هم أولى الناس بالتزام الأدب ، لأن العلم يرفع من مستوى وعي الإنسان وإدراكه ، ولا عذر لعالم فيما يرتكبه من أخطاء سلوكية ، لأن العلم كالعقل كلاهما يمكّن الإنسان من معرفة أنواع السلوك الصالح والفاسد ،و قد يُلتمس العذر للجاهل فيما يصدر عنه من أفعال السفهاء ، ولا يُلتمس العذر للعالم إذا صدرت عنه أفعال السفهاء ، فالعالم لا يكذب ولا يخون ولا يظلم ولا يسرق ولا تصدر منه أفعال السفهاء ، فإن فعل ذلك فقد سقط من عليائه في نظر نفسه وفي نظر مجتمعه ، والعالم السفيه هو شر الناس ، ولا يُقبل عذره إذا ارتكب أي فعل من أفعال الجهلة ، لأنه رمز الكمال ، ولأنه يعلم مالا يعلمه الآخرون ويُدرك ما لا يدركه الآخرون ، فهو مؤتمن على الحق والحقيقة ، فإذا أخطأ عن اجتهاد فعذره مقبول ، وإن أخطأ متعمداً فلا عذر له ، ويجب أن يلتزم الأدب في عبارته وفي حواره وأن يلتزم الحق في مواقفه ، وأن يلتزم العدالة في قضائه ، وأن يلتزم الصدق في شهادته ، وأن يلتزم الورع في فتاويه ، وأن يقول كلّمة الحق إذا تكلّم ، وألا يُدافع عن الظالمين ، وألا يُنافق للأقوياء من أصحاب السلطة والنفوذ .      

والعالم قدوة لغيره في أدبه وخُلُقِه ومعاملاته ، فلا يجوز أن تصدر منه كلّمة نابية بحق الآخرين ولو كانوا خصوماً له ، ولا يشتم ولا يقذف أحداً بسوء ، ولا يُسيء الظن بالآخرين ، ولا يتكلّم عن أحد بسوء ، والعالم الذي لم يؤدبه علمه لا خير في علمه ، فالعلم يؤدبْ ويهذبْ ويرفع من مستوى الإنسان إلى درجة الكمال ، والصغير لا يكبر بالعلم إلا إذا تخلق بأخلاق العلم والعلماء ، وصغار النفوس قلَّما يكبرون ويُذَلُّ العلم بعلماء السوء ، ويعُز العلمُ بالعلماء الصادقين المخلصين .

( الزيارات : 786 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *