القدر.. والشقاء

القدر… والشقاء….

من كتب الله عليهم الشقاء ممن قست قلوبهم ، وعلم الله أنه لا خير فيهم ، ولا أمل يرتجى منهم ، فلا يمكن لهؤلاء أن تصل إليهم الكلّمة الناصحة ، فقلوبهم لا تفقه ما تسمع ولا تستجيب لكلّمة الحق ، وإذا سمعت كلّمة الحق ضاقت بما سمعت ، وكان هو الحرمان الحقيقي من رحمة الله ، ومن لم يهده الله فلا هادي له ، والشقي لا يصدر عنه إلا فعل الشقاء ، لأن الاستعداد للشرِّ راسخ فيه ..

ومن كتب الله له السعادة لطهارة وصفاء نفسه ، فإن الله يُهيِّئ له من يصحبه ويقوده إلى مجالس الصالحين ، ويشرح صدره لما يسمعه من كلام الله ، ويرقُّ قلبه وتنبت الورود في داخله ، فينتقل من الظلام إلى النور في لحظة واحدة ، لوجود الاستعداد لديه ، ولا عبرة بما فعله من قبل وكأنه لم يكن ، ويتجه بصدق إلى الله وينسى ما كان فيه ، فمن علم الله فيه الخير ساق إليه من يقوده إلى الخير ، وليست العبرة في فصاحة الخطاب وإنما العبرة في الاستعداد للقبول ، وما يريده الله في مملكته يكون ، ولا مشيئة غالبة على  مشيئته ، والإنسان لا يفعل إلا ما يريده الله وماكُتب له في الأزل ، ومن اعتقد أنه يُحسن التدبير ويُحكمه فليعلم أن الله تعالى هو المدبر وهو الموجّه للإنسان وهو مُوجِدُ الإرادة,والإنسان يندفع بإرادته الظاهرة ، وباختياره لما كُتب عليه ، إلا أن الإنسان لا يعلم ما هو مكتوب عليه ، وهو يفعل ما يريد وما يختار ، ولا يختار إلا ما هو مقدر له ..

ومن كان في رحاب العناية الإلهية فإن الله تعالى يتولى أمره ، ويُيسره لليسرى ، ويشرح صدره لما يريده الله له ، فلا يُتعب الإنسان نفسه في التدبير ، ولست ممن يقول بإسقاط التدبير ، فتلك درجة قلبيّة عالية ، والإنسان مكلّف بحسن التدبير والاختيار, وهذا هو موقف ظاهر الشريعة ، والذي ينسجم مع التكلّيف ، فالإنسان مُكلّف ولا تكلّيف بغير اختيار ، وما هو مُقدر للإنسان لا يعلمه الإنسان ، ولو علمه لما أقدم عليه إلا باختياره ، ولا يُحتج بالحقيقة على الشريعة ، ولا تُبرر المخالفة بالقدر ، ولو كان القدر يُبرر سلوك الأشقياء والمنحرفين لسقطت المساءلة والمحاسبة ، ولما كان العقاب ,  فكيف يُعاقب المكلّف مع فقدان الاختيار ، فالقدر مجهول ولا يعلمه المكلّف إلا بعد الوقوع ، والمكلّف مخير في الظاهر فيما يفعله ، وهو مُسير في الحقيقة بحسب ما هو مقدر عليه ، وليس من المستحسن الخوض في هذا الأمر ، والتوسع فيه ، وهناك درجات ذوقية ، ومن أدركها بذوقه فيُلتمس له العذر فيها إن تكلّم فيها ، ومن تكلّم عنها مع عدم ذوقه لها فلا بد إلا أن تقوده إلى الضياع والحيرة ، وأخطأ كثير من المتصوفة ممن خاض في هذه المرتبة من غير معرفة ، والتمسك بالشريعة والتكلّيف يعصم صاحبه عن الخطأ ..

( الزيارات : 668 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *