العقل هو ملك البدن

لكلّ دولة ملك يملك الأمر ، ويحكم سيطرته على أطراف دولته ، فلا يكون في هذه المملكة إلا ما يُريد ، والملك العاقل يُحسن تسيير شؤون مملكته ولا يسمح لأحد أن ينازعه سلطته ، أو يُصدر أمراً بدون علمه ، وإلا لاختلّ التوازن وساءت شؤون هذه المملكة ، ولا يمكن أن يُناط أمر المُلْك إلا بملكٍ يُحسن الفهم والتمييز ، ويمُسك نفسه في لحظات الغضب والانفعال ، لئلا يندم بعد فوات الأوان .

والبدن مملكة مستقلة ، وتملك من أسباب القوة والتنظيم والتماسك الداخلي ما لا تملكه الدول والممالك التي يضطرب أمرها لوجود خللٍ في تكوينها ، وتداخل في اختصاصاتها ، وفي هذه المملكة أجهزة متكاملة ، وكلّ جهاز يؤدي مهمته المرسومة له فإذا توقف أحد الأجهزة عن أداء مهمته اختل عمل الدولة وفقد الملك القدرة على الإحاطة بما يجري داخل هذه المملكة ، وكما أن الملوك يختلفون في مدى كفاءتهم وجدارتهم وحسن اختيارهم فهناك ملوك لا سلطة لهم على مملكتهم ، فلا يُحسنون التمييز في معرفة الأخبار وقد تُغتصب سلطتهم من عدو منافس يحكم قبضته عليهم ، فيجري في هذه المملكة من الخلل والفوضى والحروب ما لا يرضاه الملك المؤتمن على الدولة .

والعقل هو ملك البدن ، وليست كلّ العقول سواء ، وكما تجب العناية بتربية الملوك في الطفولة فإنه تجب العناية بتربية العقول ، وتكوينها بالثقافة والمعرفة والخبرة ، فبعض العقول لا تُحسن التمييز والفهم لنقص في تكوينها .

 وهناك جهاز للاستخبارات دقيقٌ ومحكمٌ وصادقٌ فيما يقول ، وجيش منضبطٌ ينفذ أوامر الملك وفقاً لما تبلغه إياه أجهزة الاستخبارات من معلومات ، وهناك سلطةٌ جاهلةٌ متمردةٌ معارضةٌ تريد أن تسيطر على القرار وتضع يدها على الجيش ، متحديةً بذلك سلطة الملك .

 فأجهزة الاستخبارات خمسةٌ تُبلغ العقل بما ترى وتسمع وتلمس وتشم وتذوق وهي الحواسّ الخمسة ، فإذا رأت شيئاً أو سمعت صوتاً وكلاماً أو ذاقت مرارة في طعامٍ أو شمت رائحة كريهة أو لمست شيئاً أبلغت به ,وعلى العقل أن يميز بين هذه المعلومات ويأخذ قراره المناسب ، فيأمر جيشه بتنفيذ الأمر ، ويتألف الجيش من ثلاثة أسلحة: اللسان واليد والرجل ، فاللسان ينطق بما يُؤمر به من ترحيب أو شتم ,واليد تُؤمر بالمصافحة أو المحاربة ,والرِجل تؤمر بالإقدام أو الإحجام, وتأتي الغريزة وهي القوة المنافسة للعقل ، فتأمر اللسان بالشتم وتأمر اليد بالقتل والانتقام بخلاف أوامر العقل ، والعقل الضعيف يستسلم للغريزة وهي القوة النفسية في لحظات الغضب ، ولذلك يجب تقوية نفوذ الملك وهو العقل على القوة النفسية لكيلا تحدث الفوضى في هذه المملكة ..

( الزيارات : 694 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *