الخاطرة هي البداية

كلّ سلوك إنساني يبتدئ بخاطرة ، والخاطرة مصدرها القلب ، والقلب يُنتِج الخاطرة التي تلائمه ، فهناك خواطر خيرٍ وخواطرُ شرٍ ، وخواطرُ نورانية وخواطرُ شيطانية ، فالقلب كالقِدر الذي يطبخ فيه الطعام ، فإذا وضعت في القدر طعاماً طازجاً ولحماً طرياً نظيفاً ونقياً فلابدّ أن يطهو القِدر طعاماً لذيذاً وطيباً ، وإذا وضعت في القدر لحماً فاسداً فمن المؤكد أن القِدر سينتج طعاماً كريهاً ورائحةً سيئة ، ولا يُنتج القدر من الطعام إلا ما وضع فيه .

والقلب العامر بالتقوى والدين النابض بمحبة الله يفيض بعواطف الرحمة واحترام الخلق ومحبة الخيرولا يمكن أن ينتج إلا الخواطر الحسنة ، كالرغبة في الإحسان إلى الضعفاء ، والوفاء للوالدين ولمن أسدى إليه معروفاً, والرحمة بالأيتام والعجزة والشيوخ ، والعطف على المظلومين والمحرومين ، والوقوف إلى جانب المنحرفين لإخراجهم من مستنقع القذارة ، وبعض هؤلاء الغرقى يمدُّ يده لمن ينتشله مما هو فيه ، فلا أجمل من مساعدة هؤلاء وإعادتهم إلى جادة الصواب والتوبة عما اقترفوه من سيء الأعمال .

أما القلب المملوء بالحقد والحسد وكراهية الناس والأنانية والكبر والعجب فلا ينتج إلا خواطر الشَّرّ والقسوة وإيذاء الآخرين وإذلال الضعفاء ، والطمع في أكلّ أموال الناس بالباطل والاعتداء على الحقوق ، فالقلب ينتج الخاطرة ، وتنتقل الخاطرة إلى إرادة في النفس ثم تنمو تلك الخاطرة وتتغذى بما هو موجود في القلب ، كما يتغذى الجنين في بطن أمه ، مما تأكلّه الأم من أنواع الطعام النظيف والفاسد ، والقلب الفاسد ينتج الخاطرة ويغذيها إلى أن تترسخ وتتمكن,وعند ذلك يعجز عن السيطرة عليها ، وتكبر إلى أن تجد الوقت المناسب لخروجها من الرحم إلى الحياة على شكلّ سلوك مدعوم بالإرادة والعزم ، ومن يعجز عن الإمساك بزمام خواطره المذمومة فإن من المؤكد أنها ستقوى وتنمو كالجرثومة القاتلة التي تنتشر في كلّ الجسم ..

ومهمّة التربية هي إصلاح القلب والعمل على طهارته وصفائه لكي يُنتِج خواطر الخير ، والدّين أهمُّ مُؤثر في إصلاح القلوب وتطهيرها في إصلاح القلوب وتطهيرها ، بما يُوجده في القلب من حوافز وما يدعو إليه من فضائل ، وقد نجحت التربية الروحيّة في العمل على طهارة القلوب عن طريق المحاسبة ومراقبة الله والتوبة عن كلّ سلوك سيء ، والإخلاص في العمل ومجاهدة النفس ومقاومة نزوعها لإشباع الغرائز الشهوانية والغضبيّة .

ومن أحبَّ الله أحب الخلق وامتلأ قلبه بالرحمة وحب الخير ، وتتولد الخواطر السيئة من الإحساس بالظلم والفقر والمعاناة إلى أن تُصبح الدنيا مظلمةً في نظر صاحبها فتتولد الخاطرة .

ولا يمكن إصلاح السلوك إلا بطهارة القلوب ، والسلوك هو ثمرة ما في القلوب ، وهو حتميٌّ لما هو في الواقع و طالما أن الداخل سيء فلا بدَّ من إنتاج السلوك السيئ ، والقانون يُعاقب المخطئ ولكنه لا يُصلحه لأن الخواطر السيّئة ستغذي السلوكيات السيّئة 

( الزيارات : 1٬438 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *