الاخلاق والعقل

 كلمات مضيئة..الاخلاق والعقل

سؤال يتردد فى اذهاننا فى كل مناسبة عن العلاقة بين الاخلاق والعقل , معظم الفلاسفة المحدثين من انصار الحداثة يرون ان العقل يمكننه ان يغنينا عن الاخلاق بمفهومها الدينى , وبالتالى فمن اليسير الاستغناء عن الدين بالعقل , ويمكن للعقل ان يقودنا الى ماتقودنا اليه الاخلاق من الرحمة والاحسان والتسامح , والقانون هو الذي يتكفل بتنظيم تلك القيم الاخلاقية من خلال معايير عقلية , والانسان من خلال ادراكه لمصالحه يمكنه ان يلتزم بالاخلاق من منطلق شعور الانسان بحاجته الى تلك الاخلاق , هذا افتراض جميل ولكن هل يمكن الثقة به والاعتماد عليه , العقل يمكنه ان يتوصل الى اهمية الالتزام بكل ما يحقق له الامن الاجتماعى وهو حاجة يدركها العقل ويمكنه الالتزام بها ,  ومهمة الدولة ان تترجم هذه المصالح المتبادلة من خلال القانون الذى يقاوم الظلم ويحمي العدالة , هذه الثقة المطلقة بالعقل تتجاهل تكوين العقل , فالعقل تتحكم فيه المعايير المادية المتمثلة فى المصالح المتبادلة , ولا يمكن للعقل ان يدرك بعض القيم الانسانية التى تقتضى التضحية لاجلها بجزء من المصالح , مكونات العقل ليست واحدة وتتحكم فيها المعايير الشخصية , فمفهوم العدالة لا يمكن ان يكون واحدا لدى كل الناس , والكل يرفع شعار العدالة وينتصر لها , وكلما ارتقى الانسان روحيا ارتقى مفهومه للعدالة من الانانية الى الغيرية ومن الفردية الى الجماعية , لا احد اليوم لا يرفع شعار العدالة , ولكن كيف تتحقق العدالة وما هو ميزانها , هل يمكن للعقل المجرد ان يدرك المعنى الصحيح للعدالة ومتى يكون الظلم , نحتاج الى معيار اكثر عدلا ندرك به معنى العدالة , الاخلاق الناتجة عن الدين هي التى تنمى الشعور بالعدالة مقترنة بالرحمة والاحسان والعطاء , كيف يمكننا ان نحقق العدالة مع انتفاء اسباب العدالة , القانون يقر ماهو قائم من المفاهيم ولكنه لا يمكن ان يخترق حدود المسسلمات العقلية التى هى وليدة واقعها من انتفاء اسباب العدالة , اين العدالة فى ظل قيم التمييز والتفاوت فى القدرات والامكانات , العقل يقر ما هو واقع , ولكنه لا يمكنه ان يغير ذلك الواقع , كيف يمكن للعقل ان يقبل مفهوم العدالة فى ظل التفاوت الطبقى,  فمن يملك القوة فانه يملك مالا يملكه فاقد تلك القوة المادية والاجتماعية وكيف يمكن ان تكون هناك عدالة تنافسية بين متنافسين يملك احدهما مالا يملكه الاخر من امكانات التنافس , دولة اليوم ليست هي وليدة واقعها , لا يمكن للعقل ان يتحرر من المؤثرات التى تسهم فى تكوينه , دولة اليوم ليست مثالية ولا عادلة ويتحكم فيها الاقوياء ويحرم فيها الضعفاء , ليس عدلا ان يتوارث البعض اساب القوة من المال والسلطة والمكانة الاجتماعية ولا يملك البعض الاخر وهم الاكثر الحد الادنى من اسباب التنافس , ليس المهم ان يكون القانون عادلا فقط مع تجاهل الواقع المتغير والتفاوت الجائر , ولكن المهم ان الاهداف التى يريدها القانون يجب ان تحقق العدالة المرجوة من القانون , من اهداف القانون والقضاء ان يحقق العدالة بالكيفية المناسبة لكل واقعة ولكل مجتمع , بعض العدالة ليست عادلة وقد تكون ظالمة وقاسية وتفتقد الشعور بالانسانية , العقلانية المطلقة لاتعنى ان تكون انسانية , مصادر الرحمة لا تدركها العقول , ما يميز الانسان هو انسانيته والعقلانية صفة فى الانسان ولكن صفة الانسانية اسمى دلالة وارقي تعبيرا وبها يكون التفاضل والتراحم والتمايز , الانسان مخاطب ومكلف ومؤتمن وبمقتضى التكليف فهو مطالب بان يفعل ما يليق به كمالا وما به يكون اقرب الى الله طاعة وقربا , مهمة الدين انه يجعل الحياة ذات رسالة وهدف وان الانسان يجب ان يفعل الصالحات من الاعمال وان يحسن فيما يفعل لان الله تعالى يحب المحسنين ولا احد يتقرب الى الله الا بما احسن فيه من العمل , مفهوم التكافل الكونى لاجل الحياة هو الذى يعطى للحياة معنى الحياة وسعادتها ..

( الزيارات : 847 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *