الاهتمام بالدراسات الاجتماعية

الاهتمام بالدراسات الاجتماعية:…

يحظى ابن خلدون بمكانة كبيرة في الغرب الإسلامي، ويستشهد بكلامه في كثير من اللقاءات العلمية،وهذا مما شجعني على قراءة “مقدمة ابن خلدون” من جديد، و كانت قراءة متأنية و فاحصة، واكتشفت عمق ما اشتملت عليه هذه المقدمة من أفكار عميقة، وتتبع دقيق لطبائع النفس البشرية وهذا مما شدني إلى المقدمة، وكنت في لحظات فراغي أقرأ بعض فصول المقدمة، في التاريخ والبداوة والحضارة والعمران والدولة، وبعد أن انتهيت من دراسة المقدمة حاولت كتابة بعض أفكار المقدمة ..

وكتبت كتابي الأول عن الفكر الخلدوني(1)، ثم قمت بإعداد كتابي الثاني عن الفكر الإقتصادي عند ابن خلدون، ثم أعددت كتابي الثالث بعنوان القوانين الاجتماعية عند ابن خلدون، وقد طبع كل من الكتاب الأول والثاني، وما زال الكتاب الثالث قيد الطبع ……..

واعترف أنني قد استفدت من فكر ابن خلدون، وأعجبت بقدرته على إلتقاط الظواهر الاجتماعية، واعتماده المنهج العقلي في التحليل النفسي والمنهج …

(1)

كتاب “الفكر الخلدوني” نشرته “مؤسسة الرسالة ” ببيروت، وكتاب

” الفكر الاقتصادي عند ابن خلدون ” نشرته ” دار التراث العربي ” بحلب…. 

 

النقدي في الرواية التاريخية، وإن الحدث التاريخي لايخرج عن أصول العادة وقواعد العمران، ولعله أراد بهذه القاعدة الهامة أن يصحح الروايات التاريخية وان يقف في وجه المبالغات في هذه الروايات، والمبالغة هي ظاهرة شائعة في كل ثقافتنا الاجتماعية، ولا يملك مجتمعنا القدرة على التمييز بين الممكن العقلي وغير الممكن، ويصدق كل ما يسمعه من الروايات، وما لا يستسيغه عقله يقبلهعلى أنه من الكرامات وخوارق العادات وأدت هذه الظاهرة إلى شيوع ثقافة يغلب عليها السذاجة ومما ساعد على انتشار هذه المبالغات قبول المجتمع لها بسبب الأمية والجهل ومثل هذا المجتمع يصدق كل ما يسمعه مهما كان ومن أي جهة كان ومن المؤسف أن الثقافة الدينية المنتشرة في بعض المجتمعات التي تكثر فيها الأمية مليئة بمثل هذه المبالغات في الروايات غير المواثقة وبخاصة بما يروى عن كرامة الصالحين وقدراتهم المميزة في المواقف والسلوك الاجتماعي وهذا يؤكد أهمية إيجاد منهج نقدي للنهوض بثقافتنا العامة لكي تكون ثقافة ناهضة بمجتمعاتنا إلى الأفضل ومفيدة ومشجعة له على التمييز بين الصحيح وغير الصحيح والمقيد وغير المقيد ولايتحقق مثل هذا الأملإلا باستخدام المنهج العقلي وتعميق ثقافة المواطن وتأهيله بطريقة أفضل لقبول الثقافة المفيدة ونحن نحتاج لإعادة النظر في كثير من الروايات التاريخية لكي تكون واقعية ومنسجمة مع المسار التاريخي العام ولايمكن أن ننظر إلى التاريخ نظرة قداسة فلا مبرر للقداسة في رواية التاريخ ولاقداسة للماضي ولالرموزه من الحكام والدول والاعلام والغاية من رواية التاريخ هي الاستفادة من تجربة السابقين لكي لا نفيد احداث الماضي وفي ظل تزييف الوقائع فلا يمكن الاستفادة واستطاع ابن خلدون ان يحلل طبائع النظر البشرية في دفاعها عن مصالحها بطريق ايجاد روابط اجتماعية في اطار القبيلة والعشيرة واحيانا باسم الطائفة والمذهب والدين لإشعارالآخر بالقوة وتقوم هذه العصبيات بالمدافعة أولا ثم بالمقابلة والبؤس يصنع خلف البأس والبؤساء اقدر على التلاحم والتناصر للدفاع على المصالح المشتركة حتى اذا تمكنت هذه.

وهذا مايأنس به أهل السلطة والمجد وهذا الشعور الداخلي يفسر كثيرا من السلوكيات والمواقف الاجتماعية التي تبدوغريبة لمن لم يحسن فهم طبائع النفوس البشرية , واعتقد أن اكتشاف قوانين النفس البشرية يساعد على فهم السلوك الإنساني في المواقف المختلفة بحيث يلتمس للناس العذر فيما هم فيه في لحظات المجد والشعور بالتميز بسبب السلطة أوالمال أو في حالات الشعور بالضعف والانكسار والفقر والمرض واليأس وقوانين النفس كقوانين الطبيعة في سيطرتها ووجوب فهمها وأهميةاكتشافها في المواقف المختلفة وبالرغم من أن العقلاء والحكماء يحاولون السيطرة على تطلعات نفوسهم في لحظات سيطرة الغرائر الفطرية على الاختيارات السلوكية فإن من الصعب التحكم في اندفاعات النفوس وراء إشباع شهواتها في أيام السير والسيطرة على الرغبة في الانتقام والخصومة في لحظات الغضب وقد وجدت تكاملاً فيما وجده ابن خلدون مع ما كتبه  ابن مسكويه والغزالي في تحليل النفس و بيان طبائع الإنسان في المواقف المختلفة، وكنت أستمتع بما كنت أراقبه من سلوكيات الأنسان في حياته سواء على مستوى أهل السلطة والمجد او على مستوى المستضعفين والمستذلين والتلقائية التي تعبر عن مشاعرهم الداخلية … ولا يمكن فهم التاريخ بطريقة صريحة إلا في إطار فهم الطبائع البشرية، وفي ظل هذا الاستيعاب بجب ان يلتمس العذر لكل الأطراف فبما يصدر عنهم من مواقف، في حالات النصر والهزيمة، وأيام المجد وفي لحظات المحن والهزائم، والطغيان من طبائع النفس في حالات الشعور بالقوة والرغبة بالسيطرة ولا تقاوم القوة إلا بالقوة، لا يتوقف الطغيان إلا بمقاومته، ولا شيء أشد خطراًعلى الإنسان من القوة المولدة للطغيان، والطغيان سلوك حتمي للنفوس ، وقد يخفف الدين من أثره، وقد تضعف التربية الأخلاقية من خطره، الا أن النفوس البشرية لا يمكن السيطرة على مشاعرها الفطرية عند شعورها بالقوة وتطلعها للسيطرة .. 

 

( الزيارات : 1٬013 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *