الحقبة المغربية

الملك الحسن الثانى يتصفح احد كتب ادكتور محمد فاروق النبهان.. وحديث حول الكتاب

الملك الحسن الثانى يتصفح احد كتب ادكتور محمد فاروق النبهان.. وحديث حول الكتاب

من اليسير علي أن أعرف التاريخ الذي بدأت به الحقبة المغربية، ولكنه ليس من اليسير علي أن أعرف تاريخ نهاية هذه الحقبة، بدأت ولم تنته بعد، قد أعود يوما إلى مرابع الطفولة في مدينة حلب وهي المحطة الأخيرة، ولكن لا يعني هذا أنني سأنسى المغرب، ولا أظنني قادرا على ذلك..

عندما هبطت بي الطائرة في مطار الدار البيضاء مساء يوم 15 فبراير1977م تصورت أن إقامتي في المغرب لن تتجاوز ثلاث سنين في حدها الأقصى، فقد أغادر المغرب قبل ذلك..

مرت السنوات الثلاث سريعة بالرغم من أنها كانت السنوات الأقسى والأشق والأصعب، كانت الطريق أمامي غير معبدة، واصطدمت بصخور كبيرة، و ما كنت أريد ذلك، كنت أريد أن افعل شيئا يعبر عن محبتي للمغرب، ولم أكن اعرف ما يمكنه أن يكون ومالا يمكنه أن يكون، كانت الرؤية بالنسبة لي ليست واضحة، وافترضت أن الكل سيفرح لكل إنجاز يمكن لي تحقيقه، واكتشفت أن الأمور ليست بهذه البساطة، ولا بد لي أولا من معرفة المغرب أولا، ودراسة جغرافيته البشرية والنفسية والإحاطة بمنعرجاته الثقافية..

أردت السير بسرعة نحو تحقيق ما كنت أفكر فيه، وكان لا بد من مراعاة الثوابت والحساسيات والتوقف عند المنعطفات، وأنا مدين لهذه الظروف الصعبة التي مرت بي، لأنها أيقظتني بسرعة وتعلمت منها الدروس والعبر الضرورية، وأصبح الطريق معبدا، ولم تعد تخيفني منعطفاته…

أجمل الذكريات كانت في المغرب، تعلمت الكثير من الدروس، واكتشفت أن المغرب يختلف عن المشرق في مكوناته وانفعالاته، واهم شخصية أثارت إعجابي هي شخصية الحسن الثاني، رحمه الله، كان في قمة النبل في مواقفه وسعة أفقه وفي حسن تعامله، هذا ما رأيته بالنسبة لتعامله معي، قد يكون غير ذلك مع غيري، ولكنني أتكلم عما رأيت … ومن واجب الوفاء أن اذكره بما يستحق من التقدير، فقد كان يقود مسيرة بلده، وهو مؤتمن عليها، وتعرض لتحديات وأخطار ومؤامرات، وغدر به بعض من كان يثق به، ومن الطبيعي أن يكون قاسيا في التعامل مع خصومه..

و من أبرز خصاله الوفاء لمن اخلص له من أعوانه ومساعديه، ولم يكن يضيق بما يصدر عن هؤلاء من تجاوزات أو تقصير، وكان يراعي مشاعرهم وفاءا لإخلاصهم له، ويرعى أسرهم من بعدهم، كان كبيرا في مواقفه، ورأيت عظماء في ضيافته ممن غدر بهم الدهر من ملوك وأمراء سابقين، وكان يكرمهم وينزلهم منزلة التكريم ويدعوهم لحفلات عيد العرش وعيد ميلاده..

وما أزال أذكر شخصيات مغربية كانوا في غاية النبل والخلق في طباعهم وأخلاقهم، من أمثال الأستاذة الاصدقاء أبي بكر القادري ومحمد عواد ومحمد بوستة والمعطي بوعبيد ومحمد الحكم والجنرال محمد اشهبار واحمد الميداوي وجلال السعيد وسعيد بلبشير والحبيب المالكي و عبد اللطيف بنعبيد الجليل وادريس الخليل، ومحمد ميكو وعبد الوهاب بنمنصور وعبد العزيز بنعبد الله وعبد اللطيف بربيش وعبد الرحمن بوفتاس وعبد الله الازماني ومولاي إدريس العلوي واحمد رمزي وآمال جلال ومحمد بلبشير وعباس الجراري وعزيز الحبابي ويوسف الكتاني وعبد الرحمان الفاسي واحمد التوفيق وأول ما لفت نظري في المغرب هو أسلوب حل المشكلات، وهو أسلوب يختلف كليا عما اعتدناه في بلادنا في المشرق العربي، قد تكون الأنظمة السياسية متقاربة في حرصها على حماية ذاتها ومؤسساتها واختياراتها إلا أن أسلوبها في التعامل مع الأزمات قد لا يكون واحدا، وربما تكون الأنظمة الملكية بسبب استمرارها وخبرتها أكثر حرصا على استمالة الأغلبية الصامتة ومراعاة مشاعرها والتخفيف من اللجوء إلى الحلول الأمنية بقدر الاستطاعة..

ولغة الحوار في المغرب اقل حماسا وانفصالا مما هو شائع في المشرق العربي، وذلك لان الحماس الزائد يدفع صاحبه لسلوكيات ومواقف متطرفة، ونلاحظ هذا في الخطاب السياسي والخطاب الديني، فالحوار بين القوى السياسية لم يتوقف وبخاصة بعد فترة الثمانينات والتسعينات، ويختلف الأمر عما كان عليه الوضع قبل ذلك، وتحتل المعارضة موقعا معترفا به في المشهد السياسي، وكان فضاء حرية التعبير يتسع باستمرار ليخفف من حجم الاحتقان…

وتعلمت أشياء مهمة من خلال معايشتي للأحداث في المغرب، وأهم هذه الأشياء أن السلطة الواثقة من نفسها لا يخيفها الحوار، ولا تتردد في تطوير مواقفها وتقديم التنازلات الضرورية لحماية الاستقرار، وانه لابد من النظرة الواقعية والعقلانية، ولابد في ممارسة السياسة من مرونة في حدود الإمكان..

والخطاب الديني في المغرب اقل انفعالا وابعد عن التطرف، هذا ما كان عليه الحال من قبل، قد تغير الأمر بعد ذلك، و لكنني لا أظن انه سيتجاوز الحدود المقبولة، لأن المغاربة بشكل عام حريصون على استقرار بلدهم، وينفرون من التطرف الديني، وبخاصة ذلك الذي يشجع على العنف..

والمغاربة بشكل عام ينظرون للمسجد نظرة دينية وروحية، وهو أداة التعبير عن تمسكهم بعقيدتهم، ولا يريدون أن يكون المسجد منبرا للصراع السياسي أو الحزبي..

والإسلام عميق الجذور في الشخصية المغربية، ولا احد يمكنه أن يواجه الإسلام كعقيدة راسخة قوية، ويملك الملك شرعية دينية لدى المغاربة، وهو مؤتمن على عقيدة الأمة، ويدعو خطباء المساجد للملك ولولي عهد في خطبة الجمعة ولا يمكن تجاهل ذلك….ومن الملاحظ أن الخطاب الديني قد تطور كثيرا عما كان عليه الأمر قبل، في لهجته وأسلوبه وموضوعاته، وظهر جيل جديد من العلماء الشباب الذين يملكون رؤية معاصرة لمفاهيم الدين.

في السنوات الأخيرة من العهد الحسني بدأت أشياء كثيرة تتغير عما كانت عليه من قبل، بدأ قدر كبير من الانفتاح السياسي وذلك بمبادرة مباشرة من الملك، وبدأت سياسة التواصل بين القصر والمعارضة عن طريق الحوار غير المباشر وأحيانا الحوار المباشر، وتفهم القصر لمطالب المعارضة في الإصلاح والمشاركة الجادة في الحكم، وكانت المعارضة قد وحدت مواقفها وكونت جبهة واحدة  متماسكة، ويقودها حزبان قويان حزب الاستقلال وحزب الاتحاد الاشتراكي، ولم يكونا على خط واحد، ولكنهما التقيا في القواسم المشتركة، وكانا يمثلان الموقف الوطني، ولكل من الحزبين رصيد كبير من المواقف الوطنية منذ قيام الحركة الوطنية بالمطالبة بالاستقلال، ومعظم قيادات المعارضة كانوا من الرجال المشهود لهم بالوطنية والنزاهة، وقد كثف الملك الحسن الثاني جهوده لاستمالة المعارضة الموحدة، عن طريق الاستجابة لبعض مطالبها في نزاهة الانتخابات والإفراج عن السجناء السياسيين وتوسيع مجالات الحرية في مجال الصحافة، وأدت هذه المواقف إلى إشاعة روح التفاؤل وتنمية مشاعر الثقة التي بدأت ملامحها واضحة في المواقف والتصريحات، وكان الكل يتوقع أن تأتي المعارضة إلى الحكم، وكان الملك يريد ذلك ويشجع عليه، فالمغرب لا يمكن أن يستقر إلا بتوسيع قاعدة الحكم، وإشراك المعارضة في اللعبة السياسية وإقرار مبدأ التناوب في الحكم على أن تظل مفاتيح السلطة بيد الملك..

وأخيرا نجحت هذه السياسة في ظهور حكومة التناوب التي ترأسها عبد الرحمن اليوسفي الكاتب العام للاتحاد الاشتراكي، وتألفت الحكومة من الأحزاب المعارضة، ماعدا أربعة وزراء اختارهم الملك هم وزراء الداخلية والخارجية والعدل والأوقاف، وسموا بوزراء السيادة، وكانوا يستمدون سلطتهم من الملك مباشرة، ويملك كل واحد منهم من السلطة ما لا يملك رئيس الحكومة، وكان وزير الداخلية إدريس البصري هو العمود الفقري للحكومة والسلطة، ولا يكون هناك أي قرار إلا بأمره وموافقته، وأوجد هذا الواقع ارتباكا كبيرا، فقد كان وزراء السيادة خارج السرب الحكومي…

كانت فكرة التناوب التوافقي من أروع الإنجازات التي نجح فيها الملك الحسن الثاني، لأنها جاءت بالمعارضة من حصونها الغاضبة إلى الحكم، و كانت أسنانها قوية وأنيابها حادة، وسرعان ما اقتلعت السلطة تلك الأنياب المخيفة، واستبدلتها بأنياب مهذبة مكسوة بالذهب يخشى أصحابها أن يقتلع ذهبها إذا تمادت في لهجتها الخارجة عن التقاليد المخزنية ..

صفقة رائعة ربح فيها المغرب استقراره، فقد جرد الملك المعارضة من كل أسلحتها، وأصبحت أكثر ولاء من غيرها…ولما توفي الملك الحسن الثاني كانت المعارضة هي السباقة لمبايعة الملك محمد السادس بالملك نظرا لأنها تمثل الحكومة، وكانت البيعة إرادية ورائعة في تعبيرها عن إرادة المغاربة جميعا، وبذلك أصبحت حكومة التناوب حليفة القصر والمدافعة عن سياسة الملك والمؤيدة لمواقفه واختياراته…وبخاصة بعد أن أقصى الملك كل الرموز التي كانت المعارضة تضيق بهم وتخشى من نفوذهم..

في عهد الملك محمد السادس تغيرت صورة المغرب، و تبدل المشهد السياسي على مستوى التوازنات، وتراجعت أحزاب الإدارة التي كان العهد السابق يقويها ويغذيها ويرفعها إلى السلطة، ولم يكن لها أي قاعدة شعبية حقيقية، وأصبحت حكومة التناوب حليفة القصر، وبخاصة بعد أن ظهرت الجماعات الإسلامية و رفعت شعارات سياسية متطرفة .

كنت أرقب هذه التحولات السريعة التي فتحت المجال للصحافة أن تؤدي دورها في النقد، ورفعت شعارات الإصلاح السياسي ودولة القانون، وتشكلت هيئات للدفاع عن حقوق الإنسان…ودخل المغرب في مرحلة جديدة لم تكن معهودة من قبل، فقد كانت شخصية الملك الشاب مختلفة عن شخصية أبيه، و كانت نظرته للحكم مختلفة أيضا، وأدى هذا إلى ذلك الانفتاح السياسي الذي وفر للمغرب الاستقرار..

و لا أظن أن المغرب معرض لاهتزازات قوية على المستوى السياسي، بسبب وجود إجماع على أهمية الملكية كنظام قادر على تحقيق الوحدة الوطنية، وليس هناك أي نظام آخر يمكنه أن يحقق هذه الوحدة والاستقرار، بسبب ما تملكه الملكية من تأييد شعبي وشرعية تاريخية ودينية، قد ينصب الخلاف على طبيعة هذا النظام ومدى ما يمكن أن يمنحه الدستور للملك من صلاحيات، وهذه ظاهرة لاحظتها من خلال صلتي بمختلف القوى السياسية والحزبية، وأعتقد أن المغاربة لا يحبون الانفعال ولا يحبذون التطرف ويميلون إلى العقلانية فيما يتعلق بمستقبل بلدهم واستقراره..

ومن المؤكد أن الملك الشاب محمد السادس أكثر استعدادا لقبول المتغيرات الجديدة التي  تشجع  المؤسسة الملكية على  أن تتيح الفرصة لمتطلبات التغيير التي تفرضها الظروف الجديدة على المنطقة كلها..

والخطر الذي يهدد استقرار المغرب هو الظروف الاجتماعية والاقتصادية، وهي التي تضيق الخناق على المواطن وتدفعه لمشاعر اليأس والإحباط، ولا حدود لسلوكيات اليائسين والمحبطين في لحظات الانفعال، ومن الضروري تكثيف الجهود لتخفيف الضغوط النفسية على هذه الشريحة الاجتماعية الواسعة، وهي الشريحة الأقوى المؤثرة في تكوين ظروف عدم الاستقرار وقد وجه الملك محمد السادس اهتمامه الكبير لهذ..

ومن حق المغرب على مواطنيه وأبنائه ألا يفرطوا في استقرار بلدهم ولا في أمنه، فرصيد المغرب الأقوى هو الاستقرار، ولاشيء يعادل قيمة الاستقرار، ففي ظل الاستقرار تتعزز الوحدة الوطنية، ويقوى المغرب على مواجهة مشاكله الاجتماعية وأهمها البطالة والأمية والتفاوت الاجتماعي..

ومهما قيل في سلبيات الحكم وسلبيات الممارسة الديمقراطية فالمغرب يعتبر من الدول التي تحترم حقوق الإنسان بقدر ما تسمح به الظروف، وبما لا يهدد الاستقرار، ويستطيع أي مواطن أن يعبر عن رأيه وقناعته وان يمارس حقه في اختيار من يمثله في المجالس النيابية، وتمارس الصحافة دورها في النقد والرقابة ومناقشة القضايا المطروحة على الساحة السياسية بكل حرية..

كنت أتابع باهتمام ما يجري في المغرب، كان المشهد رائعا وممتعا، فكنت ارقب كل المواقف، وأتعلم الجديد من تجربة المغرب، والمغرب غني بتراثه السياسي الذي يمتد عبر القرون، وتتناقل الأجيال ذلك التراث من التقاليد العريقة..

و كنت أتساءل عن سر استمرار الملكية في المغرب، ولابد من وجود تفاعل بين العرش كرمز للسيادة والوحدة الوطنية والشعب كقاعدة عريضة يتكئ عليها الحكم لمواجهة التحديات..

كان الدين هو العمود الفقري للنظام السياسي، وهو العامل الأهم في استقرار الملكية، وهو الذي يعطي للملكية الشرعية الدينية، والتراث الديني حافل بالنصوص والقيم التي تفرض طاعة ولي الأمر، وتحذر من الخروج عليه ومخالفة أمره، انطلاقا من البيعة الشرعية التي تعتبر العقد الملزم الذي يتعهد فيه المحكوم بطاعة ولي الأمر، والعلماء في المغرب يحظون بمكانة الاحترام والرعاية والتكريم، ويقبل منهم ما لا يقبل من غيرهم، وكان لهم دور فعال في تاريخ المغرب السياسي، وكانوا دائما في ركب السلطان كوزراء ومستشارين نظرا لمكانتهم الشعبية والعلمية، ولما تراجع دور العلماء بتأثير تراجع مكانتهم الاجتماعية احتفظ المغرب لهم بهذه المكانة رعاية لهم، وهم يكتفون بالقليل من الرعاية بعد أن كانوا شركاء في الحكم، والسلطة تحترم القوة، وهي تريد أن تأخذ أكثر مما تعطي، والحاكم لا يضيع وقته بالعبث، ولا يستميل إلا الأقوياء، والضعفاء لا مكان لهم في مجالس الحكام، إلا عندما تقع الحاجة إليهم لمخاطبة العامة..

لقد فقد العلماء في المجتمعات الاسلامية مكانتهم في نظر العامة، ولم يعودوا كما كانوا رموز المواقف الوطنية وأبطال الجهاد والمقاومة وقادة المواكب المدافعة عن الحريات العامة والحقوق الإنسانية، وأصبحوا مجرد موظفين لدى الأوقاف يشرفون على أداء الشعائر الدينية ويفتون في قضايا الحلال والحرام ويتحدثون عن مواقف مؤثرة في تراثنا الديني، ويتجاهلون دورهم القيادي في المجتمع كدعاة للحق يناصرون المستضعفين ويسهمون في نهضة مجتمعهم..

في تاريخ مصر كان الأزهر قلعة الإسلام الحصينة، وكان علماؤه هم قادة الأمة ورجالاتها، إذا غضب الأزهر أو وقع تجاهله اهتزت الأرض وتحركت الجماهير لنصرته وخاف الحكام ورضخوا لإرادة العلماء، ولما أصبح الأزهر إدارة تابعة للدولة يتلقى القائمون عليه توجيهاتهم من الأجهزة الأمنية المختصة التي تأمرهم فيفعلون فقد الأزهر مكانته وهيبته في نظر المجتمع ولم تعد له مصداقية على مستوى العالم الإسلامي..

تاريخنا مليء بذكر أعلام كانوا بالنسبة لعصرهم رموز الكلمة الناصحة والمواقف الشجاعة، ورأيت نماذج من هؤلاء في جيلنا، وهم قلة، والقليل من هؤلاء يكفي، ومن أبرز من عرفت الأستاذ علال الفاسي في المغرب وكان من الرجال الذين يفخر بهم عصرهم جهادا و فكرا.

ومن المؤسف أن المواقف الجهادية التي كانت في الماضي مفخرة لأصحابها لم تعد اليوم كذلك، فقد اختلطت الأوراق وتعددت المصطلحات، وأطلق الإعلام الأوروبي قذائفه على معاقلنا التي لم تعد حصينة، فاختلط الحابل بالنابل، وتداخلت لفظة المقاومة بالإرهاب، ولم نعد نفرق بين ما هو صحيح وخاطئ، وبين ما هو مجاهد ومخرب، وتصدى بعض الجهلة بسبب سذاجة أفكارهم لرفع شعارات خاطئة ولارتكاب أفعال مخجلة، ووجهوا بنادقهم نحو مجتمعاتهم لنشر الفتنة والفوضى وتقويض الاستقرار..

ليست هذه هي المقاومة المشروعة، وليس هذا هو طريق الجهاد الصحيح، ولابد من وقفة عاقلة لتصحيح المفاهيم ووضع معايير سليمة للمقاومة التي تستهدف تحرير الأرض وتحقيق النصر..

ووقف العقلاء في زاوية منعزلة بعيدة عن المواكب التائهة في صحراء محرقة، يحذرون حينا وينصحون حينا آخر، ويرفعون أصواتهم العاقلة الرزينة فلا يسمع احد ما يقولون، وتسير القافلة التائهة، وهي لا تدري إلى أين تسير..

ليس هذا هو طريق الجهاد والمقاومة، وليس هذا هو منهج الإصلاح ودرب التحرير…لقد تداخلت الأمور والتبست المقاصد، وانعزل العقلاء وضاعت في الزحام صيحة الحكماء، ولم يعد هناك من قائد أو موجه أو ناصح أو كبير يحتكم إليه، وما يجري الآن على الساحة لا تستسيغه العقول، ولا يحقق فائدة مرجوة، كنت أتأمل ما يجري على الساحة العربية والإسلامية، وأرقب المشهد وأقف حائرا مترددا لا ادري أي الطرق هو الأصح والذي يقود إلى الحق…كل طرف يدلي بحجته ويدافع عن وجهة نظره، وعندما كنت أنصت لأي فريق التمس له العذر فيما سار فيه وأخذ به، قد أعاتبه على تجاوزاته ولكنني في أعماق ذاتي كنت أتفهم اختياره..

أليس جميع هؤلاء هم أفراد هذه الأسرة، أليسوا طرفا أساسيا في المعادلة، أليسوا هم أصحاب البيت، ويملكون من الحقوق ما يملك غيرهم، لو استشيروا في أمرهم لما خرجوا عن الجادة، ولو اعترفت الأسرة بكل أعضائها لما تمرد الصغار على الكبار ولما ارتفعت أصواتهم بالاحتجاج والإنكار.

شيء ما خاطئ في مسيرة هذه الأمة، خلل ما في جسد هذه الأمة هو الذي يرفع حرارة الأبدان، وقبل أن نمسك بالعصا والسيف والبندقية لكي نخيف بها المستضعفين اليائسين المهمشين علينا أن ندعو هذه الفئة الغاضبة المتمردة لمائدة حوار عائلية نسمع منهم ما يؤلمهم، ونصغي إلى ما يشتكون منه، نشعرهم بذلك الدفء العائلي الذي افتقدوه منذ نعومة أظافرهم..

هناك حقوق إنسانية لكل فئات الشعب، كبيرهم وصغيرهم، غنيهم وفقيرهم، حاكمهم ومحكومهم، قويهم وضعيفهم، ولا يمكن تجاهل هذه الحقوق، فالمستضعفون في حالة اليأس والإحباط هم الأقوى، والمحكومون إذا نفذ صبرهم بسياسات الإذلال يخيفون بأنيابهم الحادة أقوى الجيوش المحصنة بالأسلحة الفتاكة..

كنت أدين كل مظاهر العنف المخجل الذي يلجا إليه اليائسون المحبطون من أبناء هذه الأمة، وكنت أتألم لأولئك الأبرياء الذين يسقطون في الساحات العامة ولا يعرفون سببا لترويعهم والعدوان عليهم، ولا يمكن لعاقل أن يقبل هذه السلوكيات مهما كانت أسبابها، وفي الوقت ذاته كنت أسائل نفسي عن  الأسباب التي دفعت هؤلاء لهذه الأفعال المنكرة، وقد سدت في وجوهم كل النوافذ المضيئة ، وكممت أفواههم لكيلا تنطق بما ترى وتسمع، وجردوا من أي حق من حقوقهم، وسلطت عليهم أجهزة قهر وإذلال ترقب حركتهم في ليل ونهار تحصي عليهم أنفاسهم إذا استنشقوا هواء نظيفا..

ما اشق هذه المعادلة، والى أي فريق يجب أن ينحاز العقلاء والحكماء… فهل ينحازون إلى السلطة الحاكمة المستبدة المحمية بسيوف القوة حماية لمصالحهم المادية وطمعا في مكاسب يرتجونها أم يتعاطفون مع أولئك المهمشين المستضعفين المحبطين الذين تسمع أنينهم في الليالي المظلمة وهم يتألمون من الجوع والمرض..

أحيانا كنت ارفع صوتي في بعض المؤتمرات والندوات وفيما كنت اكتبه من مقالات مذكرا الحكماء بضرورة الالتفات إلى إصلاح الأوضاع وتصحيح المعادلات واحترام إنسانية هؤلاء الضعفاء ومراعاة مشاعرهم بالتخفيف من سلوكيات التحدي سواء بمظاهر الترف أو بتجاهل المطالب الضرورية في الحريات العامة..

عندما كنت أزور بلدا عربيا لحضور مؤتمر علمي والتقي بالطبقة الأولى من مفكري جيلنا المعاصر ومثقفيه كنت ألاحظ الفجوة الكبيرة بين ما نفكر فيه وما نعيشه، فما نفكر فيه لا يخرج عن إطار المنهج التقريري الذي لا علاقة له بالواقع وكأننا نحاور تراثنا في قضايا لا علاقة لها بالواقع، فما نقوله لا يعني جيلنا، ولا يعبر عنه، أما ما نعيشه فهو أمر ينظر إليه من عل، بأسلوب الاستعلاء والتجاهل لحقيقة المشكلات الحقيقية…

وأحيانا كنت أحاور أصدقائي وزملائي في هذه اللقاءات بما كنت اشعر به، واكتشف أن الكل يفكر بما كنت أفكر فيه، ولا احد يمكنه أن يعبر عن هذه الحقيقة مكتفيا بالقول: هذا ما يمكن أن يقال، ولا يمكن أن يقع تجاوز ما هو مرسوم ومخطط لهذه اللقاءات..

هناك شيء ما يراد أن يقال… وتعقد هذه اللقاءات لهذا الهدف، وعندما يقع تجاوز ما هو مرسوم سرعان ما يمسك المشرفون على هذه اللقاءات بالمقود ويعيدون القافلة الشاردة في بحار البحث عن الحقيقة إلى الشواطئ الآمنة معلنين بذلك نهاية الرحلة..

وليست بلادنا سواء في مدى قبولها لما تنتجه العقول من أفكار التصحيح والتجديد، ولا بد من التصحيح والتجديد، والتجديد لا يأتي إلا بخير على المدى الطويل، ولا بد من تحرير الأفكار من سيطرة أصحاب المصالح الذين يخشون على مصالحهم أن تنتقص أو يقع تجاوزها..

مؤتمرات وندوات ثقافية:

خلال الحقبة المغربية شاركت في أكثر من مائة مؤتمر وندوة ولقاء ثقافي، وكنت احرص على تقديم ورقة في كل لقاء، اعبر فيها عن رؤيتي للقضايا المطروحة للحوار، وما أكثر ما كان يطرح للحوار، موضوعات شتى هي قضايا معاصرة، وهي جديرة بالبحث والحوار..

أهم هذه اللقاءات والندوات كانت لقاءات الأكاديمية الملكية المغربية، سواء كانت اللقاءات العامة في دورتي الربيع والخريف، أو في اللقاءات  الأسبوعية في مقر الأكاديمية، وهناك اجتماعات المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية (مؤسسة آل البيت) وكنت عضوا عاملا في هذا المجمع بقرار من الملك حسين، ويجتمع أعضاء المجمع في كل سنتين في عمان…

وهناك مؤتمرات المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في القاهرة، وكنت احرص على تقديم بحث في كل مؤتمر أشارك فيه، بالإضافة إلى مؤتمرات أخرى في الرياض وطهران وجامعة الصحوة الإسلامية في المغرب والمؤتمرات التي تنظمها رابطة الجامعات الإسلامية، أو المنظمة الإسلامية  للثقافة و التربية والعلوم، أو المنظمة الإسلامية للطب الإسلامي..

معظم ما قدمته في هذه اللقاءات منشور في المجلات العلمية أو في الكتب التي تصدرها الجهات المنظمة لهذه اللقاءات، والقليل منها لم ينشر، وكنت احرص على أن تكون مشاركتي معبرة عن رؤيتي الشخصية كما أراها في ضوء المعطيات المعاصرة، وكنت احرص ألا أتجاوز الخطوط الحمراء المرسومة لكل لقاء، لئلا يكون هناك إحراج، وليست الغاية الإحراج وإنما الغاية إيصال الكلمة المطلوبة التي تحدث الأثر المطلوب..

أحيانا تتسع دائرة الحرية في بعض القضايا المطروحة وأحيانا تضيق بحسب المكان والزمان، وكلهم يضعون الخطوط الحمراء إلا أنهم يتفاوتون في مدى قدرتهم على إخفائها، فقد تكون واضحة للعيان مثيرة للانتباه وقد تكون مخفية تحت ستار يقف خلفه جند الرقابة… وفي معظم الأحيان يدرك المشاركون في هذه المؤتمرات واللقاءات ما هو مطلوب منهم فيستجيبون لذلك راضين، وقد يتمرد بعضهم فيتصدى له من هو معد للدفاع عن قداسة السلطة..

ليست هناك لقاءات لأجل الدفاع عن الحق، كل لقاء تدفع إليه غاية مرجوة تحقق مصلحة للسلطة، في إقرار فكرة أو تأكيدها أو دفع شبهة أو إنكار موقف أو التنديد به، وأحيانا تكون الغاية استعراضية لتأكيد الولاء للسلطة..

معظم هذه اللقاءات ليست مفيدة ولا تضيف شيئا، وأحيانا تصدر بيانات وتوصيات مكتوبة سلفا ومعدة بعناية، والكل يدرك انعدام الجدية في هذه التظاهرات الثقافية..

لو أريد لهذه اللقاءات أن تكون نافعة لكانت كذلك، ولو أريد لها أن تضيف الجديد من فكرها إلى فكر السابقين لكانت كذلك، ولو أعطي للمشاركين فيها حرية كاملة لأسهموا بجهدهم في إغناء المعرفة الإنسانية..

ولكي أكون منصفا في حكمي فالمسؤولية لا تقع على عاتق السلطة وحدها، فالسلطة لا يعنيها أمر الثقافة التي لا تمس مصالحها، ولا تقف في وجه الفكر الذي لا يتصدى لها، وليست السلطة هي المسؤولة دائما، فقد يكون الضيق ناتجا عن تخلف المؤسسات الثقافية وجمود العقلية التي تتحكم في مسار الثقافة…

وفي الوقت ذاته فيجب ألا نتجاهل الدور السلبي لبعض الشخصيات الثقافية التي تريد استغلال هذه التظاهرات العلمية لترويج أفكار مشبوهة أو لإثارة فتنة مقصودة، كل ذلك قد يكون ممكنا في مثل هذه اللقاءات.

كل عاصمة ترفع شعارها، وتأتي موضوعات لقاءاتها الثقافية معبرة عن هذا الشعار ومنسجمة معه، وهذا أمر طبيعي، فتصورات المجتمع نابعة من قضاياه، وهذا أمر بديهي، فالقاهرة تعيش أزمة التطرف والعنف لدى الجماعات الإسلامية وبالتالي فان موضوعاتها تنصب حول قضايا التطرف والعنف والقيم الإنسانية والحوار الحضاري بين الإسلام والغرب وبين الإسلام والمسيحية، والأردن يرفع شعار الإصلاح ولذلك فانه يشجع إبراز الرؤية الإسلامية لمفاهيم الحقوق الإنسانية والشورى في الحكم وحقوق المرأة، وطهران ترفع شعار التقريب بين المذاهب الإسلامية وتختار الموضوعات التي تحقق هذه الغاية، والمغرب يرفع شعار التسامح الإسلامي والحوار بين الإسلام والغرب ولذلك يختار الموضوعات التي تعالج هذه القضايا، وفتحت الرياض أبوابها لفكر لم يكن مألوفا ومقبولا من قبل بتأثير الضغوط التي بدأت تحدث التغيير في المواقف والمفاهيم، وبدأت قضايا جديدة تثير اهتمام المجتمع السعودي مثل قضايا المرأة والحريات العامة والحوار الحضاري ومفهوم الإرهاب والإصلاح السياسي…

ليس من شك أن الثورة الإسلامية في إيران كانت البداية لإحداث ذلك الزلزال الكبير في المنطقة العربية كلها وفي العالم الإسلامي كله، ثم كانت حرب الخليج الأولى التي حررت الكويت وأضاءت في المنطقة كلها المصابيح الحمراء المنذرة بالعواصف والزلازل والكوارث، تلك كانت البداية لإزالة الأقنعة، وكشف الستار عن الوجوه الحقيقية…

وجاء غزو العراق المفضوح والمذموم والمدان لإحكام السيطرة على المنطقة العربية وإذلالها بكل الوسائل والتدخل في شؤونها الداخلية والتحكم في مواقفها، وزعزعة استقرارها واستنزاف مواردها وإرهابها تارة بالجيوش أو بالشرعية الدولية…

واختلطت الأوراق وتداخلت المواقف، وأصبح الكل في حالة خوف ورعب من المستقبل، واهتزت الأنظمة وتساقطت هيبة السلطات، وابتدأت سلسلة التنازلات وبغير حدود، واخذ الكل يساوم ولا يقاوم، واخذ القوي يخفي سلاحه لكيلا يسلب منه، ويدعي الضعف لئلا يخشى جانبه، ويطفئ أنوار داره في الليل لئلا يتهم بالذكاء واليقظة…

كنت ارقب كل ذلك واحزن لمصير أمتي وما أصابها من هوان في رابعة النهار، وأخذت أتساءل: أين الرجال وأشباه الرجال الذين كانوا بالأمس يرفعون سيوفهم بالتحدي ويعلنون عن رغبتهم في منازلة خصومهم…

لم يبق في الساحة سوى أفراد قلائل، وقفوا في منتصف الساحة يتحدون، ولا احد يسمع ما يقولون، في ذلك الزحام يبحث كل إنسان عن ذاته ويدافع عن مصالحه، لقد تفككت العلاقات بين أفراد المجتمع، ولم يعد التناصر لأجل الحق قائما، وانتشرت الأنانية، وحرصت السلطة على تفكيك المجتمع لكي يكون ضعيفا لا يقوى على الدفاع عن كيانه…

ما أقسى ما كان يجول في خاطري في لحظات التأمل، ولا أجرؤ على التعبير عنه، كنت أحيانا أخشى أن أفكر لئلا يرى اثر ذلك اليأس على ملامحي فيدفعني إلى الإفصاح عنه، واقع كنا نعيشه، وهو واقع مخيف ومرعب.

أحيانا كنت اترك لنفسي حرية الكتابة لأعبر عما في نفسي، فأرتاح لما اكتب، وعندما اقرأ ما كتبت بعد حين أمزق ما كتبت، لا لأنني كنت مخطئا في وصف الواقع، ولا لأنني كنت في لحظة انفعال يائس، ولكن لأنني كنت اشعر بخطورة الكلمة الصادقة، كان الأذكياء يخفون ذكاءهم لئلا يكتشف، وكان المبصرون يغمضون أعينهم لئلا يؤخذوا بجريمة الإبصار…

كان المطلوب أن يكون الكل نائما لا يدرك ما يجري حوله، وليس هناك اخطر من أن يكون الغباء هو الشهادة التي تؤهل صاحبها للثقة بكفاءته…سواء على مستوى الفكر أو مستوى العمل السياسي…

واكتشفت فيما بعد أن رموز الثقافة لا يختلفون عن غيرهم ممن يبيعون سلعتهم في الأسواق التجارية، فقد كانوا يملكون الأقلام التي تكتب، وهذه سلعة تشترى، ويقبض المثقف ثمن سلعته مالا أو مصلحة أو جاها أو منصبا، وأصبحت المنابر بيد من يحسن استخدامها وتسخيرها، إما للتملق للحكام أو لإلهاء العامة وتخديرهم بما يسعدهم سماعه من القصص التي لا أساس لها من الصحة، وإذا كان لها أساس فإنها تروى على غير ما جاءت به لإلهاب مشاعر العامة واستدرار دموعهم.

لم تكن اهتماماتي العلمية ذات الطابع الأكاديمي لتصرفني عن متابعة ما يجري على الساحة الثقافية والساحة الاجتماعية من أحداث، فقد كانت التفاعلات قوية، ولم يكن المثقف حاضرا على المسرح، وأريد للثقافة أن تغيب، لكي يظل المسرح مظلما تتحرك فيه الأشباح وتسيطر على كل شيء…

وكنت أتساءل مع نفسي في حوار داخلي وهو الحوار الأصدق، انه حوار بين الإنسان وذاته، ليس فيه ذلك التكلف المزيف الذي نتظاهر به في حوارنا الخارجي مع الآخر، الحوار الداخلي يريحنا لصدقه، ولكن لا يفيدنا إلا إذا أعطى نتائجه وهو إيقاظ صاحبه من غفوته، وصحوة ضميره لكي يعيد صياغة مواقفه بما ينسجم مع قناعاته، وقلما يحدث ذلك لان الضمائر لم تعد حية، لقد أماتتها المطامع وأثقلت كاهلها المطامح، وأصبح الإنسان يبحث عن الدنيا وينسى الآخرة، ويبيع آخرته بدنياه، ويخفي قناعاته الوجدانية لئلا تحرمه من مصالح يتطلع إلى تحقيقها…

كنت التمس العذر للجهلة والأميين الذين لا يعرفون الحقيقة أو يجاملون لأجل ما يطمحون فيه، ولكنني لا التمس العذر لرموز الثقافة والمعرفة إذا خالفوا قناعاتهم وباعوا ضمائرهم، وأحيانا كنت أرى لدى أولائك البؤساء والمهمشين والمبعدين في الأحياء الشعبية المنعزلة والنائية من نقاء المواقف وصحوة الضمائر ما كان يثير إعجابي، وأجد في بعض هؤلاء من المشاعر الوطنية والعواطف الدينية ما كان يفرحني ويعيد إلى نفسي الثقة بمستقبل تحميه إرادات مؤمنة وتسهر على حمايته قلوب طاهرة

( الزيارات : 947 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *