الدروس الحسنية فى الذاكرة

الدروس الحسنية في الذاكرة

ارتبطت الدروس الحسنية في ذهني بذكريات جميلة ، وستبقى هذه الذكريات حية في نفسي، وهي مصدر سعادة لي ، وكل حدث من أحداثها كان يشعرني بشيء ما في نفسي لااعرف تفسيره…..

وكان الملك يحب هذه الدروس ويحرص على حضورها يومياً قبل المغرب ويعطيها حقها من اهتمامه ,ويكرم المشاركين فيها من العلماء المغاربة وغير المغاربة ، وكان يفرح بدروسها ويعتبرها أمراً خاصاً به، ويأبى إلا أن يكون ضيوف الدروس الحسينية هم ضيوفه ويحرص على إكرامهم ، ويأمر رجال حاشيته المقربين أن بقبموا موائد الإفطار في بيوتهم  تكريما لهم وتعبيراً عن الرعاية ، ولا يرضى أن يتناولوا طعام الإفطار في الفنادق، وهذا يدل على احترام العلم والعلماء..

وفي إحدى السنوات أعطى الملك أوامره أن يكون المتكلمون في هذه الدروس في ذلك العام من علماء دار الحديث الحسنية، وقد شعرنا بالفرحة والرهبة وكان يريد أن يرى ثمرة هذه الدار في مجلسه، وتم اختيار جماعة من الحريجين ، وكانوا يشعرون  أنهم أمام اختيار صعب ، وأدى علماء الدار تلك الدروس وفق المنهج التقليدي المألوف لدى علماء المغرب والذي يركز على أهمية العناية بالأسانيد ودراسة أحوال الرجال، ولم يكن ما قدّم في ذلك العام في المستوى الذي كنت أطمح إليه، وفي اليوم الأخير من أيام الدروس ناداني جلالة الملك، وقال لي: لقد أسعدني ما سمعته من علماء الدار، وأنا فخور بهم ، وأشكرك لجهدك وعملك ، وقد أسعدني هذا الكلام وأشعرني بالمسؤولية، وكانت الدروس الحسنية ظاهرة ثقافية مغربية ذات جذور اصيلة ، واشتهرالمغرب بهذه الدروس الرمضانية، وكانت تعبر عن مدى ِاعتزاز المغرب بالثقافة الإسلامية واهتمام ملوك المغرب بالمجالس العلمية ، وعرفت باسم المجالس العلمية السلطانية ، وكانت قاصرة على علماء المغرب الذين كانوا يحضرون هذه المجالس ويناقشون في مجلس السلطان المسائل التي كانت تعرض أثناء الدرس، وأحيانا ًكانوا يختلفون وترتفع أصواتهم، وقد أشار الملك إلى ذلك في إحدى كلماته….

وكانت بعض الدروس هامة وعميقة ومفيدة، وبخاصة إذا تضمنت رأياً جديداً أو اجتهاداً أو اقتراحاً، وكنت أفضل أن تحافظ على شكلها التقليدي كدروس عفوية  وليس كمحاضرات تقرأ من الأوراق ,,وهذا يفقدها أهميتها ويجعلها مملة بالرغم من أن القراءة قد تكون مركزة وملمة بالموضوع إلا أن الدروس قد تكون مبسطة ومفهومة لدى عوام الناس الذين كانوا يتابعون هذا الدروس باهتمام كبير وملوك المغرب  مؤتمنون على هذه الظاهرة الرمضانية الفريدة التى لا يمكن أن تنجح في أي بلد آخر غير المغرب ولا أن تحظى بالاهتمام التي تحظى به فى المغرب , وحضرت هذه الدروس لمدة ثلاثين عاماً وقلما كنت أسافر في رمضان حرصاًمني على حضورهذه الدروس… وأعترف أن تلك الدروس هي التي شدتني فى البداية إلى المغرب ، وجعلتني أقرب إليه , وكنت أجد فيها صورة الماضي كما كانت في الذاكرة وهو أمر غير معتاد في عصرنا , وقد أحسن الملك الحسن الثاني في إحياء هذه الدروس وفي تطويرها وفي حضوره لمجالسها ، ولا تعقد هذه الدروس في غياب الملك ولاقيود على حرية المتحدث، وكنت ألاحظ أن الملك كان يضيق بالمبالغات في المديح ,  ولما بالغ احد المتحدثين بالدعاء لاسرة الملك غضب الملك وأمر ان يلتزم المتكلم بالدعاء المتعارف عليه, والملوك  يحبون المدح العاقل والصادق والمقنع , والمبالغة في المديح تسيء لصورة الملوك في نظر شعوبهم , ولم يعلق الملك على أي درس من الدروس سوى مرة واحدة عندما ألقى كلمة مطولة في التعليق على الدرس الذي ألقيته أمامه عام 1978 ,…..

وكانت بعض الأفكار التي تلقى في الدروس لا تعجب الملك وأحياناً قد تغضبه  بعض الافكار , ولكن لا أحد كان يشعر بذلك , وكنا نسمع ذلك من خلال ما يتردد من أصداء كل درس , وكان من عادة الملك إنه يجتمع مع بعض رجال حاشيته المقربين في ليالي رمضان وتجري في هذه المجالس الخاصة حوارات حول هذه الدروس وغيرها من الموضوعات العامة , اوأحياناً كان يحضر هذه الدروس  بعض الشخصيات التي كانت تزور المغرب وكان الملك يرحب بهم وينزلهم المنزلة اللائقة بهم,  وأذكر أن رئيس جمهورية دولة أسيوية صغيرة هي جزيرة مالديف طلب أن يلقى درساً في إطار الدروس الحسنية وقد استقبله الملك استقبال رئيس دولة وأنصت إلى درسه ..

 

( الزيارات : 1٬733 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *