السيد النبهان وتربية فى الطفولة

ذاكرة الايام..السيد النبهان وتكوين فى الطفولة
مازلت اذكر ايام الطفولة ..كانت المدرسة الاولى الاكثر اهمية فى حياتى ..التكوين الاول لملامح الشخصية ..ما يكون فى البداية هو الذى سيكون فى النهاية ..التكوين قبل التعليم ..الطفولة هي مرحلة الاخذ والاستفادة وتكوين القابليات وصقل الاستعدادات وصياغة ملامح الانسان ..مازلت حتى اليوم اعود الى ذكريات المواقف والكلمات التى كنت استفيدها من سيدى الجد السيد النبهان طيب الله ثراه الذى كان يُعنى بتربيتى بصورة خاصة وكنت الحفيد الاول له والاقرب اليه ..لم اسمع منه كلمة آمرة أو ناهية فى اسلوب تربيتى ..لا احد كان يتدخل فى اي امر من امورى احتراما لارادة السيد..عندما اكون معه لا احد يدخل اليه ..كنت قريبا جدا منه فى حياتى وفى عواطفى ..لم يعاتبنى على امر فعلته وكنت اقرأ ما يريد من ملامحه وكنت افهم جيدا ماذا يريد ان يقول .. لم يستخدم العنف ابدا معي ولو اخطأت ولم يعاتبنى او يحاسبنى ..عندما كنت اخطئ كنت اخجل من نفسى وكان يتجاهل وكأنه لا علم له بما فعلت ..احيانا كنت اتوقع ان يعاتبنى على خطأ ارتكبته وكنت اخشى من نظرات العتاب وهي اقسى من كل عقاب.. وعندما كنت القاه كأنه لا يعلم شيئا . لم الق فى حياتى رجلا اكثر من السيد النبهان ادبا ولطفا ولباقة فى التعامل الانسانى مع الكبار والاطفال ومع الاغنياء والفقراء وبخاصة مع الناس المستضعفين , كان يداعب من يحبه منهم باحب الكلمات اليه . لم يقل كلمة سيئة لاي انسان ولو اساء اليه ..ما كان يحتمل قلة الادب ابدا من اي انسان ..قليل الادب ما كان له اي مكان فى حياة السيد النبهان ..لم اسمع منه انتقادا لاي انسان ولا عتابا على تقصير ..لم اره قط يسخر من اي انسان او يجرحه او يحرجه او يخاطبه بما يسيء اليه او يعرّض به .. وكان يوصل الكلمة التى يريدها الى الاخر بالاشارة والايماءة التى لا يشعر بها الا من يُخاطب بها من غير احراج له …
اجمل كلمة كنت اشعر بسعادة عندما يقولها وتشعرنى بالمسؤولية انه كان يقول لمن يحدثه عنّى بمديح او ثناء كان يقول : انا الذى ربّيته .. لم اسمعها منه مباشرة ولكننى كنت اسمعها ممن يقولها لهم …لم يسألنى قط عن امر يخصنى الا اذا سألته عنه , وما لا اسأله عنه فلا يسألنى عنه احتراما منه للخصوصية وكان هذا منهجه مع جميع اخوانه لا يسألهم عن امورهم الخاصة ولاعن اعمالهم الا اذا سالوه عنها وكأنه لا يعرف شيئا ..لم ينتقدنى فى اي امر من سلوكي وكنت احرص الا أفعل ما يغضبه منى ولو كنت بعيدا عنه .
منهج رائع فى التربية الراقية مازلت حتى اليوم استلهم منه دروسا فى حياتى وفى المشكلات التى تعترضنى , كان يحبّب اليّ العبادة وكنت اصلى معه كل الصلوات وبخاصة قيام الليل والفجر..لم يمدحنى فى وجهي وما كان يريد ذلك لئلا اشعر بالغرور , وكان ينصت الى ما اقول ولا يردّ لى طلبا ولم اكن اطلب شيئا ضخصيا لى وكنت وسيطا لكل الاسرة واخوانه بما يرغبون , وكانت الاسرة كلها تتهيب ان تكلمه فى اي امر احتراما وخجلا وكنت احمل مطالب الجميع اليه فيستجيب من غير تردد , واحيانا كنت اكلمه فى امور خاصة جدا بشؤون الاسرة فينصت ويستجيب ..كان يثق بى ولا اعرف هل كانت هذه الثقة من منطلق المحبة او انه كان يجد فيما اقول صوابا ..لم اطلب منه موافقة على امر خاطئ لاننى كنت موطن ثقته …هذا الاسلوب اشعرنى بالمكانة فى نفسه واسعدنى ومنحنى الشعور بالثقة بنفسى وكان لهذا الاسلوب التربوى اثرايجابي كبير فى حياتى العملية فيما بعد.. اشياء مهمة جدا اكتسبتها من هذه التربية فى القيم والعادات والعلاقات الانسانية وفى المفاهيم ..كان بعيدا عن المغالاة والتطرف والعنف والكراهية والتعصب وكان منهجه هو منهج الكلمة العاقلة الملتزمة ذات البعد الايمانى والاخلاقى والروحي ..
اشعر اننى مدين له بتربيتى وتأديبى وتكوين ملامح شخصيتى الشخصية والفكرية والسلوكية .. هناك اشياء اعترف اننى لا استطيعها مهما حاولت وكانت تصدر منه عفوية وتلقائية وعندما احاول ان اقوم بها كما كان يفعل فانها تخرج منى مُتكلّفة ومنقوصة لاننى لا استطيع ان افعلها كما كان يفعل ..جزى الله السيد النبهان عنى كل خيرلقد كتبت فى كتابى عنه القليل وهناك الكثير.. لقد ادبنى فاحسن تاديبى فى طفولتى وبداية حياتى وما زلت اتذكر مواقف تربوية راقية , وانا مدين له بكل ما هو حسن من صفاتى..

( الزيارات : 1٬314 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *