الشيخ المجدد محمد النبهان

الشيخ محمد النبهان

 هذا الكتاب من أحب الكتب إلي، وكنت سعيدا وأنا اكتبه، كتبته على عجل، وطبع مباشرة عام 2004 بحلب نظرا لإلحاح أتباع الشيخ رحمه الله على سرعة إصداره…

سعدت وان اكتبه لأمرين أولهما: مكانة الشيخ الجد في قلبي، وشعوري بواجب الوفاء له، فقد كان بالنسبة لي هو المربي والمرشد الروحي وأنا مدين له بفكري… وثانيهما : انه أعادني إلى فضاء روحي كنت بحاجة إليه، وما أجمل المشاعر التي أحسست بها أثناء كتابتي، شعرت بدفء عجيب، ولما صدر الكتاب أخذت اقرأه، وليس من عادتي أن اقرأ ما كتبته بعد طباعته، ولكنني كنت أعيد قراءة ما كتبت وفي كل قراءة يتجدد لدى شعور الفرحة، وكأنني اقرأ الكتاب لكاتب آخر لا اعرفه…

تذكرت ذلك العالم الرحب، ذلك الفضاء الروحي، في سن الطفولة عشت في ظلال هذا الفكر، وكنت سعيدا به، وعندما تذكرته فيما بعد واستعدت أيامه استيقظت في كياني تلك المشاعر وكأنني أعيشها كما كانت..

الزمان والمكان والمجالس والوجوه والذكريات، كل ذلك استيقظ فجأة، وكأنني أعيشه، لا ادري لماذا كان يشدني إليه… في طفولتي زهدت فيه ورحلت عنه إلى محراب العلم، رأيت في العلم نور المعرفة، ولكنني لم أجد طمأنينة القلب، وأخذت ابحث في كل العلوم عن العلم الذي أجد فيه سعادتي الداخلية، ورحلت من علم إلى آخر، من الفقه إلى الأدب إلى الفلسفة إلى التاريخ إلى التربية، وعدت من جديد اكتب عن التصوف، ومع هذا كتبت عن التصوف كعلم، ولم اكتب فيه عن تجربة ذاتية…ومازلت ابحث عن السعادة المرجوة…أليست هي ما يجب أن نبحث عنه…

 مما أسعدني في كتابتي عن الشيخ محمد النبهان أنني لا اكتب علما منقولا، وإنما اكتب رؤيتي الذاتية لشخصية متميزة بخصائصها التربوية والروحية…وكنت واضح الانفعال والصدق في أسلوبي، وكتبت ما رأيته وسمعته…

واعترف أنني تعلمت من الشيخ ما لم أجده في الكتب، ولو قرأت هذا في الكتب لما صدقته أو تأثرت به، فما يكتبه الكتّاب والمثقفون والمفكرون لا يعني أنهم يؤمنون بما يكتبون، أو يلتزمون بما يؤمنون، وما رأيته في حياة الشيخ كان شيئا معبرا عن حقيقة إيمانه، وكان يفعل ما يؤمن به وما يدعو إليه من غير تكلف..

هذا ما تعلمته من دروس الشيخ، رأيت طمأنينة القلب وأثرها في سلوكية الإنسان، رأيت سموا في النظرة وعلوا في الهمة وارتقاء في المفاهيم، ولم أتحدث عن شيء خارج عن العادة من الكرامات، وليس من عادتي أن أتحدث عن خوارق العادات، وإنما تحدثت عن كرامة الاستقامة وكرامة الطمأنينة وكرامة التسليم والرضى بحكم الله، من غير تردد…

          أقول إننا نحتاج إلى هذا الأفق الروحي الذي لا يراه ولا يحس به إلا من أكرمه الله بنور في قلبه، ومن لم يكرمه الله بهذا النور الذي ينبع من أعماق الفطرة الصافية فلا أمل له في طمأنينة القلب، ولو كان علامة عصره في علوم الأولين والآخرين، ولكل علم نور يضيء، فإذا لم يوقد العلم شعلة النور في القلب فلا فائدة من هذا العلم…

 ذلك البعد الروحي رأيته في مجالس الشيخ وأحاديثه، ولم أجده في أي كتاب، ولذلك حرصت على أن ابحث عن هذه الروحية الصادقة العفوية، وهي أمر وهبي ومكتسب، ولا يمكن ادعاؤه، قد يظن بعض الناس أن طريقه هو المجاهدة النفسية، واعتقد أن طريقه هو نقاء القلوب وطهارتها، وهذا امر لا نعرف أسراره ولا يمكن للعقول أن تدرك بحواسها ما تشعر به القلوب من طمأنينة ويقين…

( الزيارات : 2٬080 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *