الصعود إلى القمة

الصعود إلى القمة

النجاح في الحياة أمرٌ نسبي ، وكلّ إنسان يعتقد أنّه حقق النّجاح الذي يريده ، ولو كان ذلك النجاح أمراً صغيراً ، فالإنسان يحلم بالأفضل ، ويسعى للوصول إلى القمة ، ولكن أيّ قمة يريد ؟

أصحاب الطموح يصعدون ولا يتوقفون ، ويتعبون ولا يملون ، ولا بدّ لهم من تحقيق ما يحلمون به ، ويجدون سعادتهم في تلك الرحلة الشاقة ، وكلّما وصلوا إلى قمة تطلعوا إلى أخرى أعلى منها ، وقد يدفعهم هذا الطموح في السقوط في حفرةٍ مظلمةٍ وقد يندمون ولكن لا ينفعهم النّدم بعد السقوط ..

وهناك من أنهكهم الصعود وتحملوا كلّ المشاق والأخطار ، حتى إذا وصلوا إلى القمّة المنشودة ، اكتشفوا تفاهة ما كانوا يحلمون به ، وضاقوا بما هم فيه ، وتمنوا ما كانوا يضيقون به من حياتهم ، وقلةٌ من أهل الطموح يحققون ما يريدون وكثرةٌ يسقطون ويندمون ، والعقلاء يسيرون في الطرق المعبدة الآمنة ولو كانت طويلة ، ويبتعدون عن الطرق الشائكة والمظلمة فمن صعد بجهده وكفاءته فهو أقدر على الصعود في وجه العواصف ، والعقلاء لا يغامرون ولا يقامرون ، فلا دوام لعزٍّ موهومٍ ، ولا لمكانةٍ لا فضل لصاحبها في تكوينها ، ولا طموح أجمل وأصدق من طموح الإنسان إلى العلم والمعرفة ، ذاك طموح لا يغدر بصاحبه . 

والعاقل يحسن اختيار مواقع أقدامه ، ويختار القمّة التي يريد بلوغها ، فليس كلّ قمة يراها الإنسان عاليةً هي قمةٌ عاليةٌ ، فقد تكون قمّةً عاريةً موحشةً مخيفةً ، وقد تكون قمّة جميلة محاطة بالغابات والأشجار وتطلُّ على الوديان والأنهار والقرى الجميلة…

فالقمّة جميلة بما يحيط بها ، والطموح مطلوبٌ ومحمودٌ ، إلا أنّ الإنسان يجب أن يختار ما يريد ، وأن يبذل جهده للوصول إلى قمةٍ محمودةٍ ، والطموح العلميُّ هو أجملُ طموحٍ ، والجهد في العلم لا يضيع أبداً ، والعلم ينهض بصاحبه ، ويفتح له طريق النجاح ، ويكبر الإنسان بعلمه أكثر مما يكبر بمنصبه وماله ، ومن حَسُن علمه حَسُن فكره ، ومن حسن فكره حسن اختياره لسلوكه ومواقفه ، ويكمن النجاح في حسن اختيار الإنسان لما يريد فعله …

والتفاضل بين النّاس يكمن في حسن اختيار الإنسان لما يقوله ولما يفعله ، فإن أساء الإنسان اختيار ما يقول وما يفعل فقد خسر ، وإن أحسن الاختيار فقد فتحت له أبواب النجاح ، وقلّما يكون النجاح والخسارة ناتجاً عن الصدفة ، ولا بد لهما من أسباب مؤدية إليهما ، والاختيار الصحيح هو ثمرة لتأملٍ عاقل ناتجٍ عن علم ومعرفة ، والمغامرون والمتسرعون قلّما يتأملون فيما يختارون ، فقد ينجحون مرة ويخسرون مرات صغيرة ، والعقلاء قد لا يتقدمون ولكنّهم قلما يتراجعون أو يخسرون ..

( الزيارات : 1٬572 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *