الدولة… والسياسة الاقتصادية

الدولة… والسياسة الاقتصادية

ليست هناك حريةٌ مطلقةٌ للإنسان , ولا بدّ من قيود تمنع الإنسان من الانزلاق والتمادي في حماية مصالحه على حساب الآخرين , فالنظام الرأسمالي الحرّ محكومٌ عليه بالفشل , لأن الحريّة الاقتصادية ستؤدي حتماً إلى أزماتٍ خطيرةٍ , ولا بدّ من إيجاد قيودٍ ورقابةٍ دائمةٍ على اختيارات الأفراد والمؤسسات وعلى الإنتاج وعلى التجارة والصناعة وعلى سياسات المصارف والنقود وأثمان السلع الضرورية والأسعار والأرباح والملكيات وحركة تداول العملات والاستثمارات الضخمة , وغاية القيود وضع معايير عادلة تمنع من حماية المصالح الفردية على حساب المصالح الاجتماعية , ويجب أن تُمارَس الحريّة الاقتصاديّة بما ينسجم مع المصالح العامة , فلا يحقّ لأيّ مؤسسة اقتصادية أن تبحث عن الأرباح فقط , بل يجب أن تراعي مصلحة المجتمع , فلا تنتج ما يحقّق الربح , بل يجب أن تنتج ما هو مفيدٌ , ولا يجوز للمصارف أن تتلاعب بأسعار العملات , ولا يجوز احتكار إنتاج المواد والسلع والخدمات الضرورية , والدولة مؤتمنة على المصالح الاجتماعية , ومن واجبها أن تراقب الإنتاج والأسعار والأرباح , والجودة وحركة المصارف والتحويلات وحركة التصدير والاستيراد, وأن تشجّع سياسة تشغيل العمال , وتمكين الإنتاج الوطني من منافسة الإنتاج المستورد , ومن واجب الدولة أن تحدّ من مظاهر سلوكيات الترف التي تضرّ باقتصاد الدولة وتسيء لمشاعر الفقراء والمحتاجين …

ولا يمكن لأحدٍ أن يتجاهل المسؤولية الاقتصاديّة للدولة في محاربةِ الفسادِ والرشوةِ والاحتكاراتِ,وأن تمنع المال من التحكم والاستغلال وشراء الضمائر والعبث بالمصالح العامة ، ولا حدود لسلطة الدولة في المجال الاقتصاديِّ لتحقيق العدالة ومساعدة أصحاب الدخل المحدود ، كالعمّال والفلاحين وصغار الموظفين ، ولسنا بحاجة للتأكيد على أهميّة توفّر شروط الاستقامة والنزاهة والابتعاد عن سياسة الانتقام والطبقيّة ، فالأصل في الدولة أن تكون رمزاً لحماية المصالح العامّة ، وأن تكون رمزاً للعدالة ، وأن تكون قراراتها وسياساتها عادلةً ومفيدةً وبعيدةً عن الظلم والتحيّز لفئةٍ دون أخرى …

ودولة الكلّ لا تتحيز ولا تظلم ولا ترفع الظلم عن طبقة من النّاس بإيقاع ظلمٍ بطبقةٍ أخرى ، ولا يُؤخَذ مالٌ من أحدٍ ويُعطَى لآخر إلا بحقّ معترف به ، والملكيّة الشرعيّة مصانة ولا يُظلَم صاحبها إلا إذا كان ظالماً في جمعها وامتلاكها ، وأهمّ شرطٍ في سياسة الدولة أن تكون سياسةً عادلةً ومنصفةً وبعيدةً عن الظلم ولا يُعالج الظلم بظلمٍ جديدٍ ، وإنّما يُقاوم الظلم بتحقيق العدل .

( الزيارات : 1٬459 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *