العدل

ذاكرة الايام..يجب الا ننسى انسانيتنا..
قضية كانت تشغلنى واقف حائرا في امرها وهي قضية العلاقة بين واجب العدل واخلاقية الاحسان , العدل فضيلة لا شك فى ذلك , واحيانا قد يؤدى العدل الى سلوك غير اخلاقى , العدل قد يدفعلك لسلوك يتنافى مع ثوابت الاحسان , احيانا قد يؤدى الاحسان الى سلوك قد يفسر على انه تفريط بواجب , وهنا تبرز مهمة القاضى عندما يحكم بالعدل فى قضية ويدرك انه قد قسى على طرف ضعيف يحتاج الى موقف اكثر رحمة به وفهما لحاجاته , وما زلت اذكر اننى عندما كنت فى الادارة كنت اواجه الكثير من المواقف التى تحرجك من الناحية الاخلاقية لانها تفرض عليك ان تكون عادلا والعدالة قد تقودك الى سلوك يتسم بالقسوة وبخاصة فى مواجهة محكوم عليه يستحق الشفقة والاحسان والرحمة , كنت اشعر بصراع داخلي وانا اقف حائرا مترددا بين ما يجب ان يكون وانت تعلم ان هذا الواجب قد يؤدى الى ظلم طرف ضعيف لا يقوى على الدفاع عن نفسه , احيانا كنت اعيش صراعا داخليا بين واجب لابد منه وبين شعورك ان هناك من يحتاج الى الرحمة , كنت اتألم عندما اشعر ان العدالة قد تسببت فى معاناة طرف ضعيف , بعض الاساتذة فى الامتحانات ينسى واجبه الاخلاقى فيتعامل بقسوة مع طلابه , ولا يفكر فى مصير ذلك الطالب الراسب وما يمكن ان يلحقه ويلحق اسرته من آلا م واحزان نتيجة حرص الاستاذ على ان يكون عادلا بطريقة خالية من الرحمة , من السهل ان نقول العدالة اولا ولكن اين يكون الاحسان وهو ان تتخطى قواعد العدل لئلا تظلم مستضعفا , مواقف كثيرة مرت بى وكنت اتساءل عن العلاقة بين العدالة كواجب والاحسان كأفق اخلاقى لا بد منه , ما زلت اتذكر ذلك الرجل العجوز الذى تجاوز سن السبعين وربما اكثر من ذلك , كان يعمل فى وظيفة ادارية كعامل يقوم بخدمة الحديقة فى الادارة ويشرف على الاهتمام بالزهور والاشجار , كان يؤدى مهمته بصعو بة كبيرة , ولم تطاوعنى نفسى ان اعفيه من مهمته شفقة عليه وتركته يعمل بقدر جهده , وذات يوم تلقيت رسالة من الادارة ان اعفيه من مهمته وفقا للقانون الذى لا يجيز لاحد ان يتجاوز السن القانونية , استدعيته وابلغته اننى مضطر لاعفائه من مهمته , انهمرت دمعة من عينيه وقال لى : انا رجل فقير واعمل بكل طاقتى لكي اكسب رزقى وانفق على زوجتى , ولا دخل لى , وامرى بيدك , ان اخرجتنى فلا خيار لى الا ان اغادر عملى , اطرقت رأسى الما وحزنا وخجلا ان يصدر منى قرار طرد ذلك الرجل العجوز , قلت له : اذهب الى عملك ولن اكون السبب فى اخراجك من عملك , ستبقى عملك ما دمت قادرا الى ان تنقطع بنفسك , وهناك مواقف كثيرة كانت تمر بى وكنت اشعر ان العدالة وحدها لا تكفى و يجب علينا ان نفكر فى مصير هؤلاء الذين يحتاجون الى تفهم ماهم فيه من معاناة , هناك مواقف كثيرة كنت اشعر اننا يجب ان نكون اكثر انسانية واخلاقية فى علاقاتنا الانسانية , ما ابعد قساة القلوب عن ربهم , لا شيء يبرر قسوة الانسان على الانسان

( الزيارات : 1٬586 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *