الفضيلة قيد ملزم فى السلوك الاجتماعى ..

ذاكرة الايام..الفضيلة قيد ملزم فى السلوك الاجتماعى .
شُـغلت لفترة طويلة فى موضوع النص والمصلحة الاجتماعية , وأخذت اتأمل فى ذلك , ذهب بعض علماء الاصول الى

ان النصّ مقدم على المصلحة , وذهب البعض الاخر الى ان المصلحة مقدمة على النص , ولعل هذا هو ماذهب اليه الطوفي , وهذا الطرح خاطئ من الاساس لانه يفترض التعارض بين النص والمصلحة , وهذا افتراض غير ممكن , وهو مناف لما جاء النص به من وجوب احترام المصالح التى اتفق العلماء على اعتبارها , وكيف يمكن ان يحدث التعارض والتصادم بين النص والمصلحة المعتبرة , مقاصد النص كما اجمع العلماء على ذلك هو تحقيق مصالح الخلق , فكيف يقع التعارض والتناقض , وقد كتب ابن رشد الفيلسوف الاسلامى الاندلسي الغرناطى صاحب كتاب بداية المجتهد كتابا سماه فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال , ردا على من ادعي بالتناقض والتصادم بين الشريعة والحكمة , والمراد بها الفلسفة , عندما تاملت فى موضوع علاقة النص بالمصلحة وجدتها اكثر ترابطا وانسجاما , لوجود علاقة تكامل بينهما , عندما يقع التناقض والتصادم فهذا يعنى احد امرين اما ان المفسر لم يحسن فهم النص , او ان المصلحة لم تكن معتبرة , فغاية النصوص هو تحقيق مصالح العباد , فاذا كانت هناك مصلحة مؤكدة فالنص يحترمها ويؤكد عليها , وماجاءت النصوص الا لذلك الغرض الذى يحقق بها المصالح الاجتماعية ..
تاملت طويلا فى هذ الموضوع الذى شغلنى وهو موضوع علمي , وقفت حائرا متسائلا عن ذلك الترابط , وهذا الموضوع قادنى الى التفكير فى موضوع اخر اشد اهمية وهو مفهوم الحقوق الاجتماعية وكيفية استخدامها , كيف يمكننا ان نفهم معنى الحق والعلاقة بين الحق الفردى والقيود المفروضة عليه لكيلا يكون صاحب الحق انانيا فرديا عبثيا يسيء لمجتمعه باسم الحرية الفردية , هناك حق مشروع ولكن ماحدود ذلك الحق ومتى نعرف معنى التجاوز فى الحق , هناك تجاوز وهناك تعسف , الفرق دقيق جدا بين التجاوز والتعسف فى الحقوق , متى نقول هذا تجاوز ومتى نقول هذا تعسف , هناك حقوق كثيرة حق الملكية وحق التاديب وحق الموظف فى ممارسة سلطته وحق احد الزوجين على الاخر , الحق فى كل سلوك من اعمالنا لا بد من فهم معنى الحق , متى يكون التجاوز, , ليس هنا ك حق مطلق ابدا , الحق المطلق لا شرعية له ابدا , , اقرار الحق لصاحبه محكوم بالمصلحة المرادة منه , فلا احد يمكنه ان يتجاوز الغاية التى شرع الحق لاجلها , عندما تؤدب ابنك الصغير فهناك حدود لا يمكن لك تجاوزها فى التأديب , وهناك المنفق فيما ينفق من ماله فلا يجوز له ان يتجاوز السلوكية المشروعة فى الانفاق الاخلاقي فان تجاوز فقد دخل فى دائرة السفه ويحجر عليه , كل الحريات مقيدة بالسبب الذى ادى الي اقرارها , لا احد يمكنه ان يتجاوز حدوده المشروعة , ليست هناك حرية مطلقة , وليس هناك حق مطلق , السلطة حق مقيد والملكية الفردية حق مقيد بالمصلحة الاجتماعية, فلا احد يتجاوز الخطوط التى حددها الشرع لتحقيق المقاصد المرجوة , فمن تجاوز حدوده فقد تجاوز حقه ويمنع من التجاوز , كان هذا الموضوع هو احد الدروس الرمضانية فى الدروس الحسنية التى القيتها امام الملك الحسن الثانى رحمه الله عام 1985 , تحدثت عن الحق والفضيلة كقيد لذلك الحق , اكدت فى ذلك الدرس العلمى ان الحق المشروع يجب ان يتقيد صاحبه بالفضيلة , لكي يمنع من التجاوز والانحراف فى استعمال الحق , فمن استعمل حقه المشروع بطريقة منافية للفضيلة كما يراها المجتمع فقد تعسف ويمنع المتعسف من التصرف , وجئت بمثال بسيط وهو ان سائق السيارة عندما يسير فى طريق ممنوع السير فيه فقد تجاوز حقه, ولا حرية له , لانه خالف القانون , وهذا هو التجاوز , اما التعسف فى استعمال الحق فالعمل مشروع فى الاساس , كمن سار فى سيارته فى طريق مسموح له السير فيه ولكنه تعمد ان يعرقل السير فيه رغبة منه فى ازعاج الاخرين مدعيا حقه فى السرعة التى يريدها , وهذاهو التعسف ويختلف عن التجاوز لان الفعل مشروع لاتجاوز فيه , ومثال اخر ان من فتح نافذة فى منزلة بنية مضايقة جيرانه والحق الضرر بهم فقد تعسف فى استعمال حقه المشروع اساسا , ومن ادب ولده الصغير بنية اذلاله فى لحظة غاضبة فقد تعسف فى استعمال حقه لان التاديب غايته التربية وليس الاذلال , وهنا نلاحظ ان الحقوق المشروعة مقيدة بالفضيلة الاجتماعية التى يراها المجتمع مقبولة , فمن اقام حفل زفاف لولده فى مجتمع فقير وغالى فى الانفاق بطريقة سفيهة ومستفزة للمشاعر بنية الاساءة فانه يمنع من ذلك لان الحقوق المشروعة يجب ان تستخدم فى نطاق الفضيلة من غير اساءة للاخرين ,
كان هذا الموضوع من الموضوعات التى اثارت اهتماهى وكتبت بعد ذلك عددا من البحوث لشرح فكرتى فيه , لكيلا يكون الحق المشروع اداة للاساءة الى الاخرين , ..
عندما تكون الفضيلة هي القيد الذى يجعل الحق مشروعا ومقبولا فاننا نخفف الكثير من السلوكيات الاجتماعية التى تثير مشاعر الاستفزاز والاحتقان الاجتماعى فما تجاوز الفضيلة فليس حقا لصاحب الحق , وهناك امثلة كثيره مما حرمه الدين من اساءات لمعنى الحق المشروع فالمشروعية لا تعنى اطلاق يد صاحب الحق ولا بد من الحجر عليه حفاظا على الاستقرار الاجتماعى والتزاما بالثوابت الاخلاقية فى السلوك الاجتماعى ..

 
 
 
 
 
 

 
 
أعجبنيعرض مزيد من التفاعلات

تعليق

 
 
 
 
ربما تحتوي الصورة على: ‏‏شخص أو أكثر‏‏
د. محمد فاروق النبهان

ذاكرة الايام..مجمع فقهي فى مجلس الملك .
كانت الحقبة المغربية هي الاهم فى حياتى …
امتدت اكثر من اربعين سنة وما زالت , لم اعد لها ولم اسع اليها , لقاء عابر فى

عرض المزيد

 
التعليقات
 
 
 
Hassan Mir أستاذي العزيز ما أسم الجريدة التي نشرت هذا الموضوع وتاريخ ومكان النشر.
وجزاكم الله خيرا.
حسن مير مدير ورئيس تحربر مجلة العهد الجديد للمغرب

 

إدارة

 
أعجبنيعرض مزيد من التفاعلات

ردرسالة3 أيام

 
 
 
 

د. محمد فاروق النبهان

كلمات مضيئة..الحصون المهددة ..
لم نكن هكذا ابدا من قبل ..
تاملت فيما نحن فيه اليوم , ورجعت بذاكرتى الى الماضى عندما كنا اطفالا ثم شبابا وكنا نحلم كثيرا وما اجمل

عرض المزيد

 
 
 
 
 

د. محمد فاروق النبهان

كلمات مضيئة..العدالة اما ان تكون او لا تكون..
.ليس كل السارقين والمغتصبين والطامعين اغبياء وجهلة ومغامرين , كنا عندما كنا صغارا نظن من خلال مانسمع من حكايات الج

عرض المزيد

 
 
( الزيارات : 1٬120 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *