المدخل للتشريع الإسلامي

المدخل للتشريع الإسلامي

أعددت هذا الكتاب[1] لطلابي بكلية الشريعة والحقوق بجامعة الكويت، وكنت أقوم بتدريس هذه المادة، وهو دراسة عن تاريخ الفقه الإسلامي  والمراحل المختلفة التي مر بها، والأدوار التاريخية منذ عصر النشأة والتأسيس إلى العصر الحديث، وتكلمت عن مستقبل الفقه الإسلامي كما تصورتها، واقترحت اقتراحات مهمة يمكن أن تسهم في تحقيق النهضة الفقهية…

وأهم هذه المقترحات تطوير الجامعات الإسلامية، وتنظيم المؤتمرات الإسلامية وإعداد موسوعة فقهية موحدة، وإنشاء مجمع علمي للفقه الإسلامي، ويسعدني أن بعض هذه المقترحات قد تحقق وبخاصة ما يتعلق بإعداد موسوعة فقهية موحدة التي عكفت الكويت على انجازها، بالإضافة إلى إنشاء المجمع الفقهي الذي تولته منظمة المؤتمر الإسلامي، وهناك جهود مشكورة لتطوير مناهج الجامعات الإسلامية.

وأشيد بكثير من البحوث العلمية التي أنجزها الباحثون في مجال الفقه الإسلامي، وهناك اجتهادات نيرة تستحق التقدير، ولا شك أن الحرية المتاحة للباحث هي أوسع بكثير مما كانت عليه من قبل، وقد تراجعت ظاهرة المذهبية الطائفية، وتبذل جهود للتقريب بين المذاهب الإسلامية، وبخاصة بين الشيعة والسنة، وبخاصة في مجال البحث العلمي، لان الغاية المرجوة هي البحث عن الحق أينما كان..

ولاشيء أسوأ من ظاهرة التعصب المذهبي التي تدل على ضيق في الأفق وجهل بحقيقة الدين، وعصبية جاهلية مذمومة.

وأهم ما يجب الاهتمام به هو تشجيع الاجتهاد لمن توفرت لديه إمكانات النظر العقلي والمعرفة العلمية والاستقامة والنزاهة، وهؤلاء لا عذر يقبل منهم إذا التزموا بمنهج التقليد.

والاجتهاد رؤية عقلية واجبة على من يحسن النظر، وهو أداة اغناء فكرنا الفقهي بجهد أجيالنا الجديدة التي يجب أن تتحمل مسؤولياتها في الفهم والاستنتاج.

ودراسة الأطوار التاريخية للفقه الإسلامي تمكننا من معرفة أسباب الازدهار وأسباب الركود، ولا يتحقق الازدهار إلا في ظل الأسباب المؤدية إليه، وأهمها حرية الرأي واحترام الآخر المخالف، والاحتكام للدليل، والثقة بقدرات العقل على الاجتهاد، والنظر إلى التاريخ نظرة موضوعية خالية من المبالغة…

ولن ينهض فكرنا الفقهي إلا بالإضافة إليه، وإعادة قراءة النصوص لاستنباط الأحكام المعبرة عن المقاصد الشرعية التي تحمي المصالح الجماعية، وتوفر للإنسان المظلة الواقية التي تدفع عنه أخطار الظلم وقسوة رموزه…

وقلت في مقدمة هذا الكتاب بأنه ” لابد لنا من إسقاط الحواجز التي تفصل العقل البشري المتجدد عن التوجيه القرآني المباشر الذي يخاطب العقل الذي أنيط به التكليف، وهذا الربط بين التوجيه القرآني والعقل البشري هو الذي يكفل نمو الفكر الإسلامي ويحول دون سيطرة الروح التقليدية التي أسكتت أنفاس الحياة في فكر هذه الأمة فأصبح للتاريخ قداسة وللائمة عصمة، وأصبح العقل البشري معطلا عن أداء دوره المكلف به، وانقطعت الصلة بين القرآن والمكلف، وابتدأت مسيرة الانحراف عن المنهج القرآني تحت ستار قداسة التراث وعصمة المجتهدين”.

وفي معرض حديثي عن مستقبل الفقه الإسلامي ركزت على دور الجامعات والمعاهد العلمية الإسلامية في تكوين نوعيات جديدة من رجال الفكر وعلماء الشريعة تكون أكثر قدرة على مجابهة التحدي الحضاري والفكري الذي تواجهه المجتمعات الإسلامية، ولا يتحقق ذلك إلا عن طريق تطوير المناهج من الناحية الأسلوبية والتقريرية والتأليفية بهدف تكوين الشخصية العلمية المتكاملة والمتوازنة، ويجب أن يشمل التطوير المناهج الدراسية وأسلوب التدريس ومناقشة القضايا المعاصرة وتطعيم المناهج الشرعية بما يجعلها اقرب للمناهج المعاصرة والعناية بتكوين شخصية الأستاذ والطالب.[2]

وعندما تكلمت عن أهمية المؤتمرات الإسلامية طالبت بضرورة إنشاء هيئة مركزية للمؤتمرات الإسلامية تقوم بمهمة التنظيم والإحصاء للبحوث العلمية وتوفير حرية الرأي في البحث والمناقشة والابتعاد عن المزايدات والخلافات الشخصية، وتوفير الاستقلال لهذه المؤتمرات لكي تكون علمية وجادة وبعيدة عن تأثير الحكومات ومواقفهم السياسية لئلا تضعف الثقة بها، كما دعوت إلى أهمية عدم تسخير الإسلام لدعم النظم والسياسات والمواقف لأي بلد من البلاد لان ذلك يحمل الإسلام أخطاء ما ترتكبه الحكومات من مواقف سلبية منافية لمصالح الأمة.[3]

واقترحت في هذا الكتاب إنشاء المجمع العلمي للفقه الإسلامي، والغاية منه نمو الفقه الإسلامي بالرأي المتجدد القادر على توليد البدائل الشرعية للمشكلات المطروحة في الساحة المعاصرة، وأكدت انه ما من مخلص في هذه البلاد يرغب في هجر الفكر الإسلامي والاعتماد على الفكر المستورد لان ذلك يحمل أسوأ النتائج في بناء هذه الأمة وتكوينها الذاتي والثقافي والحضاري…ولهذا فان من الضروري أن يغني الفكر الإسلامي الساحة الفكرية وان يرفع لواء المشاركة في المعركة الحضارية، وان يقدم كل ما يملكه من وسائل الإقناع المنطقي المدعم بتجربة حضارية عظيمة على مدى التاريخ الإسلامي، والمؤيد بدعم جماهيري عظيم الأهمية، فضلا عن أن هذا الفكر يمثل ضمير الأمة ويعبر عن تطلعاتها الحضارية، وأكدت انه من الخطأ اعتبار آراء العلماء المعاصرين اقل قيمة من آراء العلماء السابقين وبخاصة في المسائل المستحدثة، والمجمع يوفر رؤية أكثر شمولية من الاجتهاد الفردي، لأنه يعبر عن رأي الجماعة في القضايا الاجتهادية…[4]

 وأود أن أؤكد على أهمية إنشاء مرجعية إسلامية موحدة، سواء في مجال الفتوى الشرعية أو في مجال المواقف الإسلامية من القضايا المعاصرة، ولابد في الفتوى من اعتماد الاجتهاد الجماعي الذي تصدره الهيئة الإسلامية العليا للفتوى في القضايا الشرعية، وهي هيئة علمية يتم اختيارها بحسب المقاييس العلمية بعيدا عن تدخلات السلطة التي تفسد عادة كل هيئة علمية أو إسلامية بتدخلاتها لحماية مصالحها، والضغط على هذه الهيئات العلمية لإصدار الفتاوى التي تريدها السلطة، وهذه ظاهرة لابد من التغلب عليها، لإعادة الاعتبار للاجتهاد الموضوعي الذي يراه أهل العلم.

ولابد من إيجاد مرجعية إسلامية ذات مكانة واعتبار ويثق الناس بها، ويتم اختيار هذه المرجعية عن طريق مقاييس علمية وسلوكية وأخلاقية، ويمكن أن يكون الأزهر هو تلك المرجعية، بشرط أن يتم تكوين هيئة مركزية من كبار علماء العالم الإسلامي، وتختار هذه الهيئة شيخ الأزهر عن طريق الانتخاب لمدة محددة قابلة للتجديد، ولا سلطة للسلطة على هذه المرجعية الإسلامية، وتكون مستقلة كل الاستقلال من الناحية الإدارية والعلمية عن الدولة…

هذه اقتراحات ضرورية وحتمية، قد تكون غير ممكنة الآن، ولكنها ستكون ممكنة عندما يتحرر الإسلام وعلماؤه من سلطة الحكام الذين يحتمون بمظلة الإسلام لحماية تجاوزاتهم، ويضعون على رأس الهيئات الإسلامية من ينطق باسمهم ويبرر لهم سياستهم ويدافع عن مواقفهم..

ولا يمكن أن ينهض فكرنا الإسلامي إلا عندما يتحرر من قبضة السلطة الحاكمة التي تريد أن تكون منابر الدين أداة بيدها لإخضاع العامة، وهذه ظاهرة سلبية، ولكن لن تستمر، وذلك بفضل صحوة المجتمع ووعي العلماء بدورهم…    

( الزيارات : 9٬464 )

3 thoughts on “المدخل للتشريع الإسلامي

  1. السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته …أريد نسخة مصورة من هذا الكتاب جزاكم الله خيرا .. السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

  2. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، حفظكم الله في الصالحين، وأكرمكم في الدنيا والآخرة، أنا واحد من طلبتكم بدار الحديث الحسنية بالرباط في المملكة المغربية لموسم 1994 / 1996 يوم كنتم مشرفا عليها ومدرسا فيها، تقبل الله منكم وجزاكم الله عنا خيرا. وقد تشرفت بتلخيص ذلكم الكتاب، وسلمت تلخيصه لعديد من الطلبة فاستفادوا منه، ولله الحمد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *