مبادئ الثقافة الاسلامية

أعددت هذا الكتاب بالكويت عام 1975 عندما أسندت إلي مهمة تدريس مادة الثقافة الإسلامية كمادة ضرورية في جميع كليات الجامعة، وحرصت على تبسيط مادته العلمية وتيسير أسلوبه، بحيث يتلقى الطالب ما يحتاج إليه من الثقافة الإسلامية، سواء فيما يتعلق بتاريخ هذه الثقافة ومصادرها ومكوناتها أو ما يتعلق بالنظم الإسلامية التي يحتاج المسلم لمعرفتها…

لم أضف الجديد في هذا الكتاب، ولم أحرص على ذلك، كنت أريد تقديم المبادئ الأساسية للثقافة الإسلامية، خصائصها، تاريخها، جوانبها، أثرها في الثقافات الأخرى، ثم تحدثت عن الدين والعقيدة، والقرآن والوحي والسنة، ثم انتقلت إلى معالم التشريع الإسلامي ومصادره وتاريخه، واهم النظم الإسلامية، نظام الأسرة ونظام الحكم ونظام العقوبات ولمحة عن النظام الاقتصادي في الإسلام.

بينت في بداية الكتاب أهمية إدخال مادة الثقافة الإسلامية في المناهج الجامعية بالرغم من كونها مادة غير تخصصية وبعيدة عن المواد الأساسية في الكليات العلمية، إلا أنها تمثل النافذة التي يطل منها الطالب على ثقافته وحضارته وتاريخه ومكونات ذاتيته، والغاية من ذلك تحصين مجتمعنا ضد الغزو الفكري الذي يستهدف كيان هذه الأمة عن طريق توهين القيم والمعتقدات والتشكيك في هذا التراث الحضاري وتسليط الأضواء على الجوانب السلبية فيه، وحذرت في هذه المقدمة من خطورة القعود عن مواصلة السير لبناء مجتمعنا على أسس علمية وقواعد موضوعية، فالتراث مهما أشرقت جوانبه واتسعت مداركه لا يغنينا عن بناء حاضرنا…

هذا ما كنت أدعو إليه قبل ثلاثين سنة، واليوم اشعر أننا كنا على حق مما كنا نتخوف منه، لم تعد الأمور مجرد تخوفات مبالغ في التفكير فيها وإنما أصبحت الأمور الآن أكثر خطورة…  

ومجتمعنا اليوم لم يعد محصنا ضد الفكر الغازي الذي دخل كل بيت وغزا كل حي وخاطب كل فرد، وأخذ يهدم المسلمات من غير تردد ولا خجل، ويدعو للتغيير في كل شيء، حتى أصبحت معالم الإسلام لا تحمل ملامحه المعتادة، واهتزت القيم التي كانت راسخة ومتينة، وما يراد هو إسلام جديد يستسلم ولا يقاوم، ويفتح الأبواب لكل غاز يريد أن ينتهك حرمة هذه الأرض، ويغير ويبدل في القيم والأحكام.

كنا نريد إصلاحا من الداخل لكي نصلح من منطلق الإسلام وبما يدعو إليه الإسلام، وكنا نرفض التخلف وندعو إلى التغلب عليه، نريد الأفضل لمجتمعنا، ولكن لا نريد أن نهدم مكونات ثقافتنا وأن نطرح قيما فاسدة، نروج لها كرموز لقيم حضارية وسلوكيات أخلاقية…

مازلنا نملك القدرة على الاختيار، ولا يمكن لأي فكر أن يفرض وجوده بالقوة، نريد الإسلام وثقافته وفكره وقيمه، ولكننا لا نريد مخلفات عصور التخلف أن تسيطر على عقولنا، وأن تتحكم في سلوكنا، فمن واجبنا أن نقاوم التخلف بنفس القوة التي نقاوم الفكر الدخيل الذي يغزو عقولنا، ولن يقاوم الفكر إلا بالفكر، ولن يسقط شعار التدخل إلا بالإصلاح الداخلي الذي يحمل لواءه حكماء الأمة ورموز الاستقامة فيها…

ولابد من اهتمام ثقافتنا الإسلامية بالإنسان كرامة وحرية، وكل ثقافة تهدد قيم الحرية فهي ثقافة متخلفة مرفوضة معادية لثقافة الإسلام، وأهم مظاهر هذه الحرية مقاومة طغيان السلطة وتجاوزاتها وتحرر المجتمع من أنظمة الاستبداد والقهر بالمقاومة المشروعة الذي لا تضيق بالتضحيات…

ولكي تكون ثقافتنا الإسلامية أداة نهضة مجتمعنا فيجب أن نعيد النظر في كثير من المسلمات الدخيلة على هذه الثقافة، ولا نجد لها سندا في قرآن أو سنة، سواء فيما يتعلق بالعقائد أو القيم أو الأحكام، فلا مبرر لثقافة القداسة لجهد الأجيال، فالأجيال تتفاضل بحجم عطائها الفكري، والفكر يرتقي بارتقاء قيمه، ويسمو على غيره بمقدار ما يسهم به في تراث الإنسانية، والعمل الصالح هو معيار الحضارة وميزانها.

ثقافة الإسلام هي ثقافة تنوير، والتنوير هو أداة التحرير، فمن عرف حقوقه فعليه أن يتمسك بها ويدافع عنها، ولا كرامة لإنسانية لا ترفع أعلام الحرية فوق كل مكان، والثقافة هي أداة المعرفة بمكانة الإنسان…

لقد ضاقت صدورنا بما نسمعه كل يوم من شعارات مرفوعة وعبارات محفوظة، ولكننا نريد أن نرى ذلك في حياتنا، ولابد من الثقة بالعقل والاحتكام إليه، واعتباره أداة المعرفة الإنسانية، فلا معرفة مع انتفاء جهد العقول…

سوف تتمكن ثقافتنا من الصمود في وجه الثقافات الغازية إذا استطاعت أن تعتمد على العقل والعلم، ولا ثقافة خارج ذلك، أما ثقافة الموروث التي غذتها العادات والتقاليد وحكايات الأقدمين التي صاغ عباراتها وعاظ المناسبات وليس لها أصل في منهج السلف الصالح فلا ينبغي الثقة بها، لأنها ثقافة لا تنسب إلى ثقافة الإسلام…

( الزيارات : 3٬333 )

One thought on “مبادئ الثقافة الاسلامية

  1. من اين يمكن ان احصل هلى الكتاب؟ هل هناك نسخة إلكترونية؟؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *