المغرب اليوم..فى الطريق الصحيح

لم تكن غايتي من التعريف بهذه الشخصيات هي ترجمة حياتهم ، فذلك أمر لم أعدّ نفسي لـه من ذكر الأحداث والوقائع وضبط التواريخ ، وكل ما قصدته هو وصف عام لبعض الشخصيات كما رأيتها بنفسي ، من خلال وقائع عشتها ورأيتها وعاصرتها ، وقد تتضمن آراء خاطئة بالنسبة للآخرين ، إلا أنني أصف ما رأيت من خلال الصورة التي تكونت في ذاكرتي وما سمعته من الآخرين ..

ليست الغاية  كتابة التاريخ ، وإنما الغاية هي إعطاء انطباع شخصي عما رأيت وسمعت وشاهدت ، واخترت نماذج معينة تمثل مختلف الشرائح الاجتماعية من سياسيين وعلماء ومفكرين وشخصيات معروفة ارتبط اسمها بذاكرتي من خلال وقائع معينة ، كنت أصف ولا أبحث عن الحقيقة ، فالحقيقة متعددة والوصف لـه صفة ذاتية وشخصية ..

وهناك مئات الأصدقاء الآخرين ، قد تكون صلتي بهم أقوى ممن ذكرت ، إلا أنهم يدخلون ضمن الشرائح التي ذكرتها أولاً يختلفون عنها ، وكتابتي هذه هي كتابة سائح عن انطباعات أحس بها ، مازالت عالقة بذهني ، سجلتها من ذاكرتي الشخصية ، دون أن أعتمد على أي مصدر ولو بسؤال عن وقائع ثابتة ، ذلك أمر يدخل ضمن اختصاص المؤرخين الذين يكلفون بتوثيق ما يكتبون ، ومعظم ما ذكرته يدخل ضمن فترة ربع القرن الأخير من القرن الماضي في الفترة التي توليت فيها إدارة دار الحديث الحسنية ، ثم ضعف اهتمامي بعد ذلك بمتابعة هذه الأحداث ، ومعظم هذه الشخصيات والوقائع تدخل في نطاق العهد الحسني الأخير ، ولم أذكر شخصيات عهد الملك محمد السادس من القيادات الجديدة الشابة ..

هناك أشياء أشرت إليها كما هي في تلك الفترة ، وقد يتغير الحكم والرأي فيها فيما بعد ، أو قد تأخذ مساراً جديداً ، كما هو الشأن في مشكلة الصحراء المغربية أو مشكلة اللغة الأمازيقية أو المشاكل المتعلقة بحقوق المرأة  وحقوق الإنسان أو التكوين الجديد للأحزاب والجماعات الإسلامية .

ليس من حق أي جيل ان يكون وصيا على الجيل اللاحق وكل جيل مؤتمن على عصره، والمهم أولاً وأخيراً أن يحافظ المغرب على استقراره ووحدته وأن يختار السياسات التي توفر لـه الأمن الاجتماعى ، وأن يعيد النظر في اختياراته المتعلقة بمستقبل الطبقة الاجتماعية التي تبحث عن أسباب الكرامة من خلال سياسة واقعية عادلة توفر العمل وتشجيع التشغيل، وليست هناك أزمة تهدد استقرار المغرب سوى أزمة تلك الشريحة الاجتماعية الواسعة التي تبحث عن العمل ، وتضيق بواقعها المؤلم ، وتنادي وتصرخ في ليل ونهار لعل صوتها يصل إلى آذان الحكومات المتعاقبة ، ويضيع صدى الصوت بسبب ضجيج المشكلات المفتعلة البعيدة عن المشكلات الحقيقية ..

والشعب المغربي شعب ذو حضارة عريقة ، وهو شعب أصيل ويحمل في أعماقه قيم التسامح والاعتدال والوسطية ، ولم أجد فيه ذلك التطرف المذموم الذي يؤدي إلى العنف ، وهو شعب صبور ومتسامح ويحب الحياة ، إلا أن الفقر الذي يذل تلك الشريحة الاجتماعية المنسية قد يدفعها إلى اختيار مواقف التطرف في الأفكار والسلوكيات ، وهو اختيار حتمي لكل المستضعفين ..

إن جهداً حقيقياً يبذل لأجل الإصلاح الاجتماعي سيؤتي ثمراته المرجوة ، ويعيد البسمة لوجوه اليائسين والمحبطين ، وهذه مسؤولية أخلاقية ووطنية ، ولا يمكن تجاهل صيحات العاطلين الذين يطوفون في الأزقة الضيقة في النهار ثم يعبثون بالأمن في دروب الشوارع تحت جنح الظلام ، والمجتمع عندما يفتح صدره لصوت هؤلاء يريحهم ويعيدهم إلى جادة الصواب ويشعرهم بإنسانيتهم المنسية ..

وبالرغم من كل الظروف فإن المغرب يملك مقومات الاستقرار أكثر من أي بلد آخر ، والشعب المغربي بالرغم من كل تناقضاته يملك مقومات الوحدة الوطنية ، والتماسك الداخلي ، وهو شعب شديد الاعتزاز بتاريخه العريق وبدولـه المتعاقبة التي أسهمت في بناء تاريخ المغرب ، وتعرض المغرب لكل أنواع المؤامرات والتحديات الخارجية على امتداد تاريخه بسبب موقعه الجغرافي كضفة إسلامية مواجهة للضفة الأوربية المسيحية ، واستطاع المغرب أن يحافظ على صموده وظلت أسواره قوية وحصونه محكمة ، ولا خطر يهدد المغرب من الخارج ، لأن المغاربة يجتمعون في لحظات الخطر دفاعاً عن كيانهم .

والإسلام عميق الجذور في المغرب ، بالرغم من محاولات تشويهه وإضعافه ، وهو العمود الفقري الذي يوحد المغاربة في الشمال والجنوب وجبال الأطلس ، إلا أن تحدي المشاعر الإسلامية قد يغضب المغاربة ، وقد يدفع بهم إلى التطرف ويثير في نفوسهم مشاعر الغضب ، والمغرب شعب صبور إلى حد كبير وفي نفس الوقت فهو شعب غضوب إذا نفد صبره ، ولا حدود لسلوكيات الغضب في لحظات الاستفزاز ..

إن المشكلة الاجتماعية مشكلة حقيقية ، لأنها العامل الأهم في إثارة مشاعر الغضب ، ومن الضروري معالجة هذه المشكلة بطريقة جذرية ، وليس عن طريق المعالجات الوقتية ، التي تخفف الألم ولا تزيل أسبابه ، فالأمية ظاهرة مرضية خطيرة ، والبطالة المزمنة تهدد الأمن الاجتماعي بإنفجارات متلاحقة في المدن المكتظة بهذه الطبقة اليائسة والمحبطة ومظاهر الترف في الأحياء السكنية المترفة تثير مشاعر الحقد وتحرك النفوس نحو الغضب ، ولابد من سياسة اجتماعية تراعي هذا الواقع وتخفف من مشاعر التوتر الداخلي ..وهناك جهود صادقة يقودها الملك محمد السادس لمعالجة ظاهرة الفقر والامية والنهوض الجاد بالمغرب عن طريق مبادرات ناجحة لتخفيف مظاهر الفقر والبطالة ومساعدة الطبقات الفقيرة..

وأول ما يجب الانتباه إليه هو عوائد الترف لدى الطبقات الاجتماعية المرتبطة بالسلطة ، وهي عوائد راسخة ومتوارثة ، ومحاولة إعادة تربية الجيل الجديد على أسس أخلاقية وإنسانية سيمكن هذه الطبقة من تصحيح هذه السلوكيات الخاطئة ، لكي يشعر كل مواطن بالكرامة والأمن النفسي ..

والحرية في المغرب مكفولة إلى حد كبير ، وأصبحت الصحافة تتناول الجوانب السلبية بالنقد البناء ، وأحياناً تكون الحرية متجاوزة حدود اللباقة ، إلا أنها تثير مشاعر الارتياح وتعبر عن الكبت المدخر في الصدور ، وتحظى المؤسسة الملكية بقدر كبير من الاحترام ، والمغاربة شعب ملكي بطبيعته ، ويجد في شخص الملك الرمز القوي لاستمرارية الكيان والوطن ، والملك هو الشخص الأقوى في المغرب ، ولا يمكن لأي قوة سياسية أن تغالبه ، فالملكية لها جذور تاريخية في أعماق الشخصية المغربية ، والملك مطاع الأوامر، ولـه مكانة دينية راسخة وعميقة ، والمواطن في البوادي المغربية يعرف الملك ولا يعرف غيره ، ويثق به ولا يثق بأي سلطة أخرى ، وهذه من أسباب قوة الملكية في المغرب وأسباب استقرار المغرب ..

وتستمد كل القوى السياسية مكانتها من الملك ، والمغاربة يحبون أن يباشر الملك الحكم بنفسه ، لثقتهم به ، ويعتبرون الملك مسؤولاً عن كل شيء ، ولا يستوعبون الشعارات التي ترددها الصحافة بأن الملك يملك ولا يحكم ، فهم يعتبرون أن الملك هو الحاكم ولا أحد غيره يملك هذا الحق ..

ولا يمكن للديمقراطية بمفهومها الغربي الأوربي أن تكون مقبولة في المغرب ، فالمغاربة يريدون ديمقراطية مغربية تراعي الخصوصيات المغربية ،و هذه ليست مجرد شعار ، وإنما هي واقع ملموس ، فالديمقراطية الأوربية هي وليدة تاريخ أوروبي ، استمر لمدة قرون واستقر على هذا النموذج ، وهو نموذج جيد ، إلا أنه لا يمكن تطبيقه في المغرب إلا بعد أن يمر المغرب بتلك المرحلة التي مرت بها أوروبا .

ونفرق بين الملك والحاشية الملكية ، فالملك يحظى بالاحترام على الدوام لأسباب دينية وتاريخية وشخصية ، ويعتبره المغاربة رمز كرامتهم ، ويحظى بالاحترام وبخاصة لدى عوام الناس في المدن والبوادي , والمغلربة يعتقدون ان الملك هو الوحيد المؤهل لقيادة ثورة اصلاحية شاملة سياسية واقتصادية وثقافية,

 

وبالرغم من أن أفراد الحاشية الملكية ليست كبيرة ، ومعظمهم لا يملك أي سلطة فعلية ، إلا أن لكل فرد منهم حاشية ملحقة به ، تنسب لنفسها من السلطة مالا تملك ، وتدعي من النفوذ الوهمي ما يجعل أمرها كبيراً وبخاصة في الأوساط البعيدة التي تتعلق بالأوهام ، وتخشى أن يصيبها مكروه … زقد تراجعت كثير من المظاهر السلبية واستغلال النفوذ ومظاهر الفساد والرشوة ..والمغرب الان اكثر تماسكا واختياراته الاصلاحية جادة ومحكمة واعطت ثمارها الطيبة والمفيدة…

والدين ركن أساسي في تكوين الدولة ودعامة هامة من دعائم النظام السياسي ، نظراً لما يحظى به الإسلام من قداسة في النفوس ، سواء بالنسبة لعامة الناس أوبالنسبة للأسر المغربية المعتزة بتقاليدها الإسلامية ، ومن الصعب تحدي المشاعر الإسلامية بسلوكيات مرفوضة ، فذلك مما يثير مشاعر العامة ويولد السخط العام ، فالإسلام قوي الجذور كعقيدة وثقافة وانتماء وأصالة ، إلا أن هناك محاولات لإضعاف هذه القدسية بمحاولات التشويه والتزييف ، وبخاصة بالنسبة لطبقة النخبة التي تأثرت بالقيم الغربية ، وأصبحت تُشوه بعض المفاهيم بسبب جهلها بحقيقة الإسلام ، وهذه ظاهرة ملفته للنظر ، ولا يخلو الأمر في بعض الأحيان من آراء نقدية حادة وقاسية ، ومحاولة طرح قضايا فكرية وثقافية معادية للإسلام ومناقضة لمفاهيمه ..

وهذه الأفكار النقدية غالباً ما تنصب على نقد الواقع المغربي في بعض العادات والقيم والتقاليد ، والتي يعتقد العامة أنها من الإسلام وتستظل بظلـه ، وهي في الحقيقة ليست من الإسلام ومناقضة لمبادئه، إلا أن العامة تستظل بمظلة الإسلام لحماية تقاليدها القديمة ..

وتبرز شعارات الحداثة والتجديد لطرح مفاهيم غربية وبخاصة من طبقة المثقفين المتأثرين بالثقافة الغربية ، وهؤلاء يرفضون الواقع باسم التجديد والحداثة ، ولا يجدون أذناً صاغية لما يرددون ، فالعلماء يعيشون في عزلة عن الواقع ، وهم أسرى لمعتقدات ومفاهيم تربوا منذ طفولتهم على احترامها ، وبقيت هذه المفاهيم كما هي محفوظة في الصدور ويرددونها في أحاديثهم ومجالسهم .

وأهم قضية مثارة اليوم هي قضية حقوق المرأة ، ولا شك أن المرأة تعيش في محنة حقيقية ، لا بسبب الإسلام ، وإنما بسبب ما يعتقده الناس من آراء إسلامية وأحكام شرعية ، وبعض هذه الآراء لا يقرها الإسلام لمنافاتها لكرامة المرأة ، وتجاهلها لحقوقها العادلة ، ومع ذلك فإن هذه المشكلة الاجتماعية تشكل أزمة بين تيارين ، أحدهما إسلامي متزمت وثانيهما متحرر من كل الضوابط ، ومن اليسير استكشاف الحلول الممكنة في إطار المرجعية الإسلامية التي يمكن لها أن تستوعب هذه المطالب الإصلاحية.

..

والمجتمعات الإسلامية مازالت تنظر بحذر وريبة لكل شعارات التجديد والتحديث ، لأن الحصون المغلقة قد تفتح أبوابها ، وتفقد قداستها التاريخية ، ولا يمكن إلا التسليم بحتمية التغيير الاجتماعي والتحديث في المفاهيم لكي تكون ثقافة المواطن أداة لتكوينه الإنساني والحضاري ، وتكمن قدسية الإسلام في قدرته على فهم متطلبات الإنسان في الحرية والكرامة ، ولا حدود لتلك الكرامة إلا أن الواقع الاجتماعي قد يضع قيوداً على حركة الإنسان وحريته .

ولا تنفصل حقوق المرأة عن حقوق الإنسان المقررة لـه ، فالحقوق متكاملة ، حق المرأة وحق المواطن في الحرية والكرامة ، والثقافة هي أداة ذلك ، والعقل هو معيار الفهم ، ولابد من تطوير قدرات العقل على فهم الواقع ، والتفريق بين الغاية المثلى والواقع ، والعقول المتحجرة لا يمكن لها أن تستوعب متطلبات التغيير الاجتماعي ، والإسلام يرسم الإطار العام ويترك للإنسان حرية الاجتهاد فيما يصلح واقعه من نظم وأفكار وما يحفظ به حقوقه من ضوابط وقوانين ودساتير ..      

( الزيارات : 1٬046 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *