المغرب كما رأيته

المغرب  كما رأيته

المغرب

رأيت المغرب لأول مرة كما هو في حقيقته، رأيت ملامحه من خلال تاريخه الطويل، ولا يمكن أن يعرف المغرب إلا بعد معرفة تاريخه والإحاطة بكل خصوصياته، وفهم طبائعه وسلوكياته، المغرب صندوق مغلق ومحصن، ولا يمكن أن يرى ما في داخله إلا بعد أن يعرف المرء أرقامه السرية، وعندئذ يمكنك قراءة سجله وهو سجل ملئ بالأسرار والألغاز.. المغرب بلد الأسرار والخصوصيات، وهو كيان قائم بذاته.. من يقرأ هذا السجل سرعان ما يخطئ في الفهم إذا لم يعرف خصائص المغرب كما هي…

ملك المغرب رمز وطني، وهو كعلم المغرب والكل يقف أمامه باحترام، ويلتف المغاربة حول الملك، ويحبونه ويطيعونه، قد ينتقدونه في مجالسهم، إلا أنهم يختمون مجالسهم بالدعاء له بالسداد والتوفيق، هو السلطة الأقوى شعبيا، وصوته هو الصوت الأعلى وأفعاله مبررة، والمغاربة يجدون في صورة الملك ملامح تاريخهم، والمغرب يضيق إذا ذكر ملكهم بسوء، كما يضيقون إذا انتقد المغرب، وقد يسمحون لأنفسهم بنقد بلدهم، إلا أنهم يضيقون بأي نقد يأتي من غيرهم…

سلطة الملك مطلقة، ما يريده يكون وما لا يريده لا يكون، ولا أحد يتجرأ أن يتحدى سلطة الملك، وجرى العرف أن الملك يسمح للصحافة وللمؤسسات الدستورية أن يوجهوا النقد للسياسة المغربية، لا لشخص الملك ولا لمواقفه، والملك يمارس السياسة بذكاء، ويتدخل في الشؤون الداخلية من خلال سلطته الشخصية، ويأخذ الملك بسياسة الحكمة  فلا يتحدى خصومه، ولا يقطع الجسور معهم، ويكرمهم، وهم يبادلونه هذا الأسلوب، ولا يحرجونه في اختياراته، والملك يعتبر نفسه مسئولا عن المغرب وعن تحقيق الاستقرار فيه، والناس يحملون الملك كل المسؤولية، وينادونه في كل مناسبة، ولا ثقة للمغاربة بغير الملك، ومعظم المغاربة في الأرياف لا يعرفون إلا الملك، فهو الملك والوزير والقاضي ورجل الأمن، وهو المسئول الأول عن المغرب.

والملكية في المغرب مؤسسة قوية ذات نفوذ كبير، ولها مواقفها واختياراتها ورموزها، وتتحمل المؤسسة الملكية مسؤولية الأخطاء التي يرتكبها رجال هذه المؤسسة، ويحاول الملك ضبط سلوكيات رجال الحاشية الملكية الذين يحاولون استغلال نفوذهم، والناس تخشى منهم، ومعظمهم لا يملك نفوذا حقيقيا ولكن الناس تخشى من لفظة المخزن، والمخزن كلمة شائعة في المغرب ودالة على سلطة الملك وسياسته، والمغاربة يخافون من المخزن.

ولا يستقر المغرب إلا بملكية حاكمة قوية، فان ضعفت سلطة الملك زالت الهيبة وانتشرت الفوضى، واستغل الناس ذلك لرفع شعارات تهدد الوحدة الوطنية، والمغرب يحتاج إلى حرية محاطة بسياج قوي من هيبة الملك، والحرية المبالغ فيها خطر على استقرار المغرب ووحدته…

والإسلام في المغرب هوية وانتماء، وهو الحصن القوي الذي يحتمي به المغرب في مواجهة التحديات، وهو أداة الوحدة وركن القوة وهو السلاح الذي حافظ على استقلال المغرب، ولا يمكن محاربة الإسلام في المغرب، فهو العقيدة الأقوى والسلاح الأمضى، والمغاربة متمسكون بالإسلام كعقيدة، ويؤدون شعائرهم الإسلامية بالتزام واحترام، ومعظمهم يجهل الكثير من حقائق الإسلام، والسبب في ذلك هو ضعف مناهج التربية الإسلامية في المدارس وتأثير الإعلام التربوي الغربي في المدارس والجامعات، ومازالت الثقافة الفرنسية هي المؤثرة تربويا ونفسيا في الأفكار والسلوكيات، ومن اليسير ملاحظة أثر الثقافة الفرنسية في الحياة المغربية وبخاصة في الأحياء الراقية والمترفة في التفكير والعادات والقيم، وأخطرها أثر تلك الثقافة في إضعاف القيم الإسلامية في الأسرة ولدى الشباب المثقف، وهناك تركيز على أصناف الشخصية المغربية بكل مقوماتها الوطنية والإسلامية…

واللغة العربية في خطر، واللغة الفرنسية هي الأقوى، وتحرص الثقافة الفرنسية على تنمية الخصوصيات المحلية المعادية للإسلام، ولكل القيم الإسلامية، وتشجيع اللغة الأمازيغية لإضعاف الوحدة الوطنية، وليس هناك خطر من العناية باللغة الأمازيغية كلغة قومية لجزء كبير من المغاربة، ولكن الخطر يكمن في طرح الأمازيغية كلغة قومية معادية للعربية كانتماء وعاطفة، وتاريخ المغرب هو تاريخ التلاحم بين الأمازيغية والعربية في ظل الهوية الإسلامية.

ولا بد من العناية باللغة الأمازيغية كلغة قومية من غير انفعال أو شعور بالاحتقان ضد العربية، فالإسلام يعترف بالتعددية القومية، ولا ينحاز لقومية ضد أخرى، وثقافة الإسلام هي ثقافة الشعوب والقوميات التي آمنت بالإسلام، وفي ظل الإسلام تكون التعددية مظهرا إنسانيا بديعا يجسد عالمية الثقافة الإسلامية وامتداد آفاقها الإنسانية…

والمغاربة يملكون خصائص الأمة الواحدة، فتاريخهم حي ورائع ومليء بالمواقف والانتصارات، وهو تاريخ الإسلام في الغرب الإسلامي، وتقاليدهم أصيلة والوحدة الوطنية ضرورية لوحدة المغرب واستمرار وجوده كدولة قوية ذات جذور عميقة في التاريخ الإسلامي، ولا خطر من التعددية القومية في المغرب ما دامت هذه التعددية متعاونة متكافلة متحابة، ومن الضروري أن يدرك المغاربة أن قوتهم تكمن في وحدتهم الداخلية وفي قدرتهم على مغربة خلافاتهم، وأن لا يسمحوا لأحد أن يتدخل في شؤونهم.

لقد خرجت فرنسا من المغرب، ويجب أن يخرج نفوذها الثقافي والسياسي والاقتصادي، تلك مهمة شاقة، ومن الصعب على دول الاحتلال أن تتخل عن نفوذها طائعة مختارة، فالمغرب مطالب بحماية وحدته ولن يكون ذلك إلا بمغربة الثقافة وبمغربة القرار ومغربة العادات والتقاليد، لكي تكون الجبهة الداخلية موحدة ومحصنة…

( الزيارات : 1٬701 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *