بداية مرحلة ..الاختيار الصعب

انتهت مرحلة دار الحديث في حياتي كواقع وبقيت كذكرى جميلة , وما زالت حية في نفسي بالرغم من مرور أكثر من عشر سنوات عليها، وسوف تبقى المرحلة الأهم في حياتي …

وأخذت أفكر في المرحلة المقبلة، أولاً مرحلة ما بعد دار الحديث، وكانت أمامي اختيارات عدة، المغرب أو نهاية الحقبة المغربية ، ودعيت لمهمات علمية خارج المغرب، في دولة الإمارات العربية في مدينة دبي، وكانت الدعوة لتولي عمادة كلية اللغة العربية والدراسات الإسلامية في مدينة ” دبي ” الإمارتية، وكانت دعوة ملحة وصادقة وجاءت بعد أسبوع من مغادرتي دار الحديث، ثم زارني السيد جمعة الماجد رئيس مجلس الأمناء لهذه المؤسسة وعرض علي بإلحاح قبول هذه المهمة، وكانت تربطني بهذا الرجل صلة صداقة ومودة , وشاركت أكثر من مرة في نشاط هذه المؤسسة العلمية وألقيت عدة محاضرات فيها، وأبلغني استعداده لقبول كل شروطي، ولم تكن شروطي مادية وإنما كانت تتعلق بالأهداف والطموحات والصلاحيات الإدارية وكنت أريد تحقيق أهداف معينة تسهم في تكوين جيل وفق أسس تربوية وقيم عالية، ، ولم تكن المغريات المادية تثير اهتمامي أو تضعف شخصيتي أو تؤثر على اختياراتي، وكانت كل الظروف المحيطة بي تدعوني لقبول هذه المهمة، وكنت ما زلت متردداً في الأمر، وكنت أوافق صباحاً وأتردد مساءاً، وأمضيت شهرين وأنا أفكر في الأمر بجدية، وفجأة وعلى غير توقع أبلغت السيد جمعه الماجد أنني أعتذر بصفة نهائية عن قبول هذه المهمة وفوجئ بما سمعه مني وأبلغني ألمه وحزنه، وطلب مني إعادة النظر في الموضوع، وأكدت له أن جوابي نهائي ولا عودة فيه، ودعاني لزيارة مدينة دبي والمؤسسة العلمية فيها، وألقيت محاضرة علمية فيها كما ألقيت محاضرات أخرى في جامعة الشارقة وفي جامعة عجمان للعلوم التي تربطني برئيسها العام الدكتور سعيد سلمان صلة مودة وصداقة، ودعيت لزيارة جامعة الكويت لإلقاء محاضرات على طلاب الدراسات العليا في كلية الحقوق التي كانت تدرس كتابي نظام الحكم في الإسلام الذي طبعته الجامعة، وعرضت عليّ جامعة الكويت أن أعود للكويت وحظيت بتقدير كبير من المسؤوليين الكويتيين، ومعظمهم كانت تربطني بهم صلة مودة وصداقة قديمة، والتقيت بعدد كبير من طلابي في كلية الحقوق والآداب قبل ثلاثين سنة ,  وقد أصبحوا في مراكز إدارية وسياسية وعلمية كبيرة، وقد فرحت لرؤيتهم، لقد أصبحوا كباراً، وكنت أشعر بسعادة عندما يذكّرني أحدهم بموقف أو فكرة، وكان كل ذلك مصدر سعادة لي، لقد رأيت جامعة الكويت من جديد، لقد غبت عنها ربع قرن، وها أنا أعود، واكتشفت مكانة الكويت في نفسي، ولن أنسى ذكرياتي الأولى في الكويت لمدة سبع سنوات، وسررت .. مازالت الكويت تذكرني ويدرس طلابها كتبي، ويذكر أبناؤها بعض المواقف والأفكار، لقد رأيت ملامح المحبة والصدق في الوجوه، وهذا ماكان يسعدني، وكان الكل يدعوني للعودة إلى الكويت، وكانت عواطفي تستجيب لتلك الكلمات وأحياناً تضعف إرادتي، وقضيت شهراً كان جميلاً ودافئاً، والتقيت بعدد كبير من أصدقائي القدامى من أمثال الدكتور خالد المذكور والدكتور محمد الرميحي والسيد يوسف هاشم الرفاعي والدكتور إبراهيم الرفاعي والدكتور عبد الرسول عبد الرضا العميد السابق لكلية الحقوق , وعدد كبير من أصدقاء الأمس، واكتشفت من ملامح أصدقائي القدامى أنَّني لم أعد كما كنت بالأمس شاباً ، فإذا ظهرت ملامح الشيخوخة على أصدقائي فلا بد أنَّها ظاهرة عليّ أيضاً، ولم أكن أشعر بذلك، وربما كنت أشعر ولا أعترف بما كنت أشعر به، فقد كانت إرادتي قوية وعزيمتي صامدة ومتوثبة، وبالرغم من كل مغريات العودة إلى الكويت وأهمها إحياء ذكريات الأمس في كلياتها وشوارعها وأسواقها ومجالسها ودواوينها، فقد كان قراري حاسماً ويصدر عني بغير تردد …

( الزيارات : 907 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *