بين الرياض والكويت

ذاكرة الايام..بين الرياض والكويت

تذكرت ذلك اليوم الذي تلقيت فيه رسالة من استاذي السيد المنتصر الكتاني يطلب مني ان القاه في دمشق لامر هام . وكان مستشارا للملك فيصل في تلك الفترة  ، كنت في القاهرة اتابع تحضير اطروحة  الدكتوراه في كلية دار العلوم باشراف الدكتور مصفي زيد عن الانجاه الجماعي فى التشريع الاقتصادى الاسلامى ، وعندما التقيته في دمشق. قال لي : لقد تم ترشيحك لكي تكون استاذا في كلية الشريعة في الرياض التي سميت فيما بعد بجامعة الامام ، وكانت تسمي الكليات والمعاهد ، وترددت كثيرا فى قبول الامر ، لامرين ،اولا : لم انته من اعداد الدكتوراه ، وثانيا : ان هذه الكلية هي معقل الفكر الوهابي الاول ، وانا انتمي الي اسرة صوفية التربية  والتكوين وحفيد السيد النبهان وتربيت تربية صوفية منذ طفولتي ، واستشرت السيد النبهان طيب الله ثراه في ذلك ، وتوقعت الا يوافق علي ذلك ، قال لي السيد النبهان :  اذهب ولا تخف فانت الاقوي ، وانا اثق بك. ، وكن كما انت قويا في مواقفك  ملتزما بقناعاتك . وافرض وجودك بجهدك وعلمك واستقامتك ، وعبر عن افكارك بصدق لكي تحظي بالاحترام ، وعندما وصلت الرياض شعرت بغربة  فكرية وشعور بالوحدة ,  كان مجتمعا مختلفا عما تربيت عليه ونشات فيه  ، وكدت ان ًانسحب نتيجة هذا الشعور ، زقلت لنفسي : ليس هذا مكاني ، وليس لاجل هذا تعلمت العلم ، ودخلت لاول مرة الكلية ، ووجدت قرابة عشرين استاذا من افضل الكفاءات العلمية ذات المكانة الكبيرة في سوريا من دمشق وحلب , ومعظمهم ممن اشتهر بالفكر السلفي  , ورأيت فى ملامحهم نظرات الدهشة , وكانوا يرونني خارج السرب  وقد اقتحمت مخدعا  مغلقا , وكأنهم يقولون لي هذه ارضنا  وحديقتنا الخاصة ولا مكان لغيرنا فيها , وتوقعت ان يصل الامر لاصحاب الشأن. ، وكان الاساتذة القادمون من الخارج  يجلسون في زاوية. من قاعةً كبيرة ، ويجلس في الزاوية الاخري من القاعة. عدد مماثل من الاساتذة السعوديبن من اعمدة الفكر الوهابي ورموزه من علماء نجد ورموز السلفية ، وكانت الفجوة بين الزاويتين بعيدة جدا نفسيا وفكريا ، وكل من الطرفين ينظر للاخر بريبة وحذر ، وجلست  مع من هم اقرب لي وبخاصة منعلماء حلب. ، وابرزهم الاساتذة عبد الرحمن الباشا وعبد القدوس ابوصالح وعبد الفتاح ابوغدة وابراهيم السلقيني وبكري شيخ امين، وهناك عدد اكبر من. دمشق عاصم البيطار وعبد الرحمن الباني وعمر عودة الخطيب ومختار البزرة وحمد الله. والنحلاوي وعبد الرحمن حبنكة ، وشعرت بغربة حقيقية فى مجتمع جديد لم اعهده من قبل ، وكنت اسمع همسات استغراب ممن اشتهروا  بالسلفية ، كنت اقرب لمن كان من علماء حلب ، وكانوا اهل خلق واستقامة  واعرفهم من قبل ، كان هناك حالة دهشة , وكانهم يقولون كيف اقتحمت هذا المكان ,  تابعت طريقي في التدريس وكنت الاصغر سنا والاقل تجربة ، كنت اقول لنفسي هامسا : ليس هذا هو مكاني ، لم اجد نفسي فيه ، واخذت ابحث عن مجتمع اخر اكثر سعة اجد نفسي فيه ، وكنت ابحث من خلال النافذة عن منفذ اخرج منه ، واول صديق عرفته هو الدكتور احمد الضبيب وهو اول حامل دكتوراه من بريطانيا من. السعوديبن ، وهو اول صديق لى . وما زالت صداقتنا حتي الان مستمرة ، وتولي فيما بعد منصب مدير جامعة الرياض ، وكنا نلتقي كل يوم ، ونخرجالى  المقاهي الشعبية في الصحراء في منطقةً خريص المنعزلة  ، وكان الصديق الاقرب لي هو الدكتور عبد الرحمن الباشاً وبكري شيخ امبن وعبد القدوس ابو صالح ، والقيت اول محاضرة لي في المدرج العام. في الكلية عن الاقتصاد الاسلامي ، وحظيت المحاضرة باهتمام اعلامي كبير، ودعانى  المفتي العام للمملكة الشيخ محمد بن ابراهيم ال الشيخ ان ازوره في منزله ، وكان صاحب نفوذ كبيرفي المملكة ، وهو الرئيس الاعلي. لكل الجامعات الاسلامية ، واستقبلني افضل استقبال ، وتحدثنا طويلا لمدة ساعة ، عرفتي جيدا عن قرب وعرفته ، وسمع مني وسمعت منه, وكنت في السادسة والعشرين من العمروالسنة الاولى فى التدريس  ، ، كان رجلا فاضلا. وجمع بين العلم والتقي ، وكان في مجلسه اولاده.الكبار  . عبد العزيز وابراهيم , وتولي كل منهما وزارة العدل ، وبدأت بينى وبينهم  منذ ذلك اليوم صداقة قوية وشخصية معهم ومع اسرة ال الشيخ ، وزارني كل منهما في منزلي ، وكنت الصديق الاقرب اليهما فيما بعد , وكانا  في غاية التهذيب والادب , ولا حظت انهم يكرهون من ينافقهم في مجالسهم من رافعي شعارات السلفية الذين يتقربون اليهم  ويضيقون بهم<  وكانوا ينظرون اليهم باستخفاف ،. وأمضبت مدة سنتين في الكلية ، وكان الصديق الاقرب لي فى تلك الفترة  الدكتور عبد الله التركي الذي تولي وزارة الشؤون الاسلامية، وبعد  سنتين في الكلية انتقلت الي كليةً التربية بجامعة الرياض لمدة عام واحد  واحد بامر خاص من الشيخ حسن ال الشيخ وزير التعليم.,  ولم اشعر بمواقف التشنج ضد الصوفية لدي كبار العلماء ، وكانوا ينكرون الشطحات والطقوس والمبالغات كما ننكرها

نحن ، وهذا امر لا خلاف يه ، واعترف اننى  لم اجد نفسي بسبب التضييق على الحريات  ومنهجية الجدل فى القضايا الايمان , وكنت ابحث عن مجتمع اخر اوسع افقا واقل توترا ، وعدت الي الفاهرة وحصلت علي الدكتوراه ، ولما التقيت بالسيذ يوسف هاشم الرفاعي الوزير القوي في الكويت عرض علي ان انتقل الي جامعة الكويت وكانت له سمعة علمية كبيرة ، وطلب من مدير الجامعة المصري عبدالفتاح اسماعيل باسم الحكومة ان اكون في كلية الحقوق ، وكانت الجامعة بيد المصريين وتضم افضل الكفاءات العلمية من كل. الجامعات المصرية، وقدمت استقالتي من الرياض ولم اعد بعدها اليها  الا زائرا ، وذهبت الي الكويت ، وكان الطريق طويلا ، واختلف العصر والمكان ، واقله قرن من الزمان بين الاسلوبين ، ووجدت نفسي في كلية الحقوق وفي كلية الاداب معا ، في مجتمع مصري كامل ومع زملاء لا اعرفهم من قبل ، وهم بالنسبة لي اساتذة. لي ،ومعظمهمكان استاذا لي من قبل وكاننى عدت الي القاهرة من جديد ، كانت جامعة الكويت مقفلة الابواب وبعيدة عن مجتمعها المثقل باهتماماته المادية, والدخول اليها يحتاج. الي مفتاح سحري  وقلما تنجح المحاولة ، وكنت في قسم الشريعة في كلية الحقوق مع اعلامً كبار  ابرزهم الاساتذة زكريا البري وسلام مدكور وحسين الذهبي واحمد البهي ، والشيخ بدر. متولي.عبد الباسط وحسن الشاذلي ، وفي كلية الاداب عبد السلام هارون وشوقي ضيف ومحمود حجازي وعبد الصبور شاهين ، كانت جامعة الكويت في بداية السبعينات قلعة علمية حصينة وذات نظام صارم وضمت افضل الكفاءات العربية ، واسهمت الجامعة  فى  الكثير من الاثار العلمية ، وكتبت فيها افضل كتبي  الاولي ، المدخل. ونظام الحكم والثقافة الاسلامية والتشريع الجنائي ، وتولت جامعة الكويت طباعة كتاب نظام الحكم في الاسلام ، وهو ضمن مطبوعات الجامعة المقرر فيها ،  امضيت سبع سنوات في الكويت كانت غنية الفائدة ومثمرة وشاركت باسم الكوبت في عدد من المؤتمرات العلمية , واهمها مستقبل الاسلام في الخليج فى ميلانو . وكتبت عنه كثيرا وكان ذلك قبل اربع سنوات من الثورة الاسلامية في ايران ، وكانً معنا في كلية الحقوق عبد الوهاب حومد وعبدالسلام الترمانيني من حلب. وهشام القاسيم وعزيز شكري من دمشق ، وقد استفدت كثيرا من الاعلام. الكبار من مصر ، وكانت الحوارات يومية ومفيدة وغنية، وتضم جامعة. الكويت كل المدارس الفكرية ، وعرفت الكثير منهم . كما تعرفت علي اعمدة القانون منهم في كل افسام القانون الخاص والقانون العام والقانون الدولي والجزائي، ومن ابرزهم عبد الحي حجازي، وعبد الفتاح عبد الباقي والصديق صوفي ابو طالب الذي تولي رئاسة مصر بعد السادات ، ومن الاصدقاء من الكويت الدكتور عبد الله النفيسي وخالد المذكور ،وما زالت ذكريات تلك السنوات فى حية فى نفسي , كانت الحقبة الكويتية تكوينية واستفدت منها كثيرا , لقد واكبت اهم الاحداث فى تلك الفترة ,كانت الكيت كشعلة مضيئة ذات طموح كبير , وكانت هناك نخبة ثقافيه تجتمع باسستمرار , تضم اهم الكفاءات فى الكويت , وكان يشرف عليها الطتور مامون المهاينى , وكنا نجتمع كل اسبوعين وتناقش اهم قضايا العالم العربى بحرية ومسؤولية , لم افكر يوما اننى ساغادر الكويت يوما , ما زال بعض الاصدقاء يعيشون فى الكويت حتى اليوم , خمس واربعون سنة مضت على تلك الذكريات , وما زلت حية كما هي , غبت ربع قرن ولم ازر الكويت , ولما زرعنها كان كل شيء قد تغير , لم اصدق اننى كنت هنا من قبل , زرت بهض الاصدقاء , ورأيت اثار الايام على ملامحهم , وزرت الصديق الاول السبد يوسف هاشم الرفاعى , واخذنا نستعيد بعض الذكريات , ورأيت الكثير ممن عرفتهم شبابا ,  والتقيت مرارا بالصديق علامة الكويت  الدكتور خالد المذكور , كان كل شيء قد اختلف عما كان عليه ..

 

 

( الزيارات : 377 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *